حرب البسوس

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

نشبت حرب البسوس في الجاهلية بين قبيلتي بكر وتغلب واستمرت أربعين عاما ، أتت على الأخضر واليابس ، وأهرقت فيها دماء غالية ، وغذتها ثارات ظالمة ، وحركتها نفوس فاجرة ، وكانت النتيجة خرابا وقتلى وضياعا وخسارة فادحة لأجيال متتابعة من القبيلتين !

يتم اليوم إعادة إنتاج البسوس بصورة جديدة ، يتم فيها استخدام أسلحة محرمة ، وذرائع فاسدة ، وأدوات مسمومة من أجل أهداف رخيصة وغايات متدنية ، وللأسف فإن البسوس الجديدة لم تحافظ على قيم البسوس القديمة ولا مواضعاتها ، ولا معاييرها ، بل جاءت مجنونة جامحة لتحقق ما يريده خصوم الوطن والعقيدة والمستقبل ، سواء كانوا في الداخل أو الخارج ، واستثمرت الطاقات التي يملكها الشعب والإمكانات الإعلامية والإلكترونية والصحفية في تصفية حسابات رخيصة على حساب مصالح الشعب وقيمه ومستقبله ، متسلحة بنظرية الغاية تبرر الوسيلة !

الحرب الجديدة يشنها الإنجليز السمر ، وهم أتباع الغرب والاستبداد ومن يحركونهم من الكتاب والصحفيين والإعلاميين الموالين للنظام السابق وأجهزته الأمنية ؛ ضد الإسلام والمسلمين ، بهدف استئصال الإسلام من الحياة العامة وشيطنة المسلمين والناشطين منهم ، تحت دعاوى متعددة وشعارات شتى ، في مقدمتها الدولة المدنية ، والمواطنة ، والليبرالية ، والمساواة بين الرجل والمرأة ، وحقوق الأقباط ، وعدم التمييز ، وعلمانية الدولة ... إلخ . وكأن الإسلام دين عسكري لا يحقق المواطنة ولا الحرية ، ويهدر حقوق المرأة ، ويعصف بالأقباط ، ويميز بين المواطنين على أسس عرقية أو طائفية أو مذهبية أو شكلية أو غير ذلك ، ويجعل الكهنوت حاكما للعلاقة بين المواطنين والدولة ..

أهل البسوس الجدد يشنون حربهم الطائشة ضد كل ما هو إسلامي جماعات أو تنظيمات أو أحزابا أو قيما أو منهجا ، وقد طار صوابهم عقب الانتخابات التشريعية وفوز الإسلاميين بالأغلبية الساحقة مما أثبت إيمان المصريين بهويتهم الإسلامية وانتمائهم الحضاري ، فرأينا قصفا عشوائيا في الفضائيات الليلية ، والإذاعات والصحف اليومية والأسبوعية لكل ما يمت بصلة إلى الإسلام حتى الخلافة الإسلامية التي كانت ذات يوم مفخرة للمسمين ورمزا لعزتهم وقوتهم ، واشتد ساعد البصاصين ، وعملاء لاظوغلي ، وخدام النظام السابق وعناصر الحظيرة الثقافية ؛ خاصة بعد عودة جهاز أمن الدولة إلى سياساته الإجرامية القديمة ، وتحريكه للعناصر الموالية في الصحافة والإعلام ، فأصبحت قضية القضايا اليوم ، هي الحرب ضد الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية ، والمتعاطفين مع الإسلام ، ولو كانوا من غير المسلمين ، وكأن مصر خلت من المشكلات الكبرى التي تكاد تعصف بالوطن والمواطنين ، بدءا من رغيف الخبز المسموم الذي يصعب الحصول عليه مرورا بالبوتاجاز ووقود السيارات حتى انهيار الرصيد المالي من العملات الأجنبية وزيادة الديون واشتعال الحرائق الغامضة في المصانع والأماكن العامة ، وانهيار الإنتاج وتوقف العديد من الأماكن المنتجة !

الإنجليز السمر يتحركون كأنهم أوركسترا تعزف لحنا جنائزيا واحدا يقوده  مايسترو ، بعيدا عن الأنظار ،ولا يعرفه أحد ، ويعبر عنه المصريون باللهو الخفي ، وهم مصرون على تعطيل كل خطوة تدفع إلى الأمام فيعود الوطن إلى الخلف خطوات ، وكل يوم يتم اختلاق حكاية وحدوتة ما أنزل الله بها من سلطان .. تأمل موقفهم من التعديلات الدستورية التي صدرت في الإعلان الدستوري ، وكيف شهروا بالمستشار طارق البشري ، وقالوا إن الإعلان صنعته جماعة الإخوان ، وبعد الموافقة الشعبية على الاستفتاء صنعوا مناحة واتهموا الشعب بالجهل والأمية والتصويت مقابل الأرز والسكر والزيت ، ثم كانت الانتخابات التشريعية وما جرى فيها وحولها من تهويل وعويل ، والمذابح التي بشروا بها إذا أجريت ، ثم مهاجمة البرلمان بعد تشكيله ، ووصفه بما تصوروا أنه ينتقص منه حين وصفوه بمجلس قندهار ، ولم يخافتوا في هذا الوصف بولائهم الرخيص لأعداء الإسلام والمسلمين حين تجاهلوا أن قندهار الجميلة تعرضت للقصف الوحشي بالمطر الأصفر على يد الشيوعيين السوفيات في السبعينيات ، كما تعرضت لقنابل الفانتوم الأميركية ولما تزل منذ أوائل القرن الحالي ، وكانت في كل الأحوال رمزا للصمود والمقاومة التي تحطم على صخرتها جبروت الغزاة الهمج !

الإنجليز السمر الذين يمثلون أقلية ضئيلة وتسيطر على مفاصل الدولة وصحافتها وإعلامها وثقافتها ، يخرجون علينا كل يوم بقصة مختلقة ،ويبنون عليها مزاعم عن الإسلام رمز التخلف والتحجر والظلامية والعنف والتشدد في مفهومهم ..

مشكلة الإنجليز السمر أنهم لا يدركون أن الشعب المصري المسلم حريص على استقلاله وكرامته ، وأن الشهداء الذين سقطوا من أجل الحرية لن يكونوا آخر الشهداء ؛ فهذا الشعب النبيل سيقدم المزيد حرصا على دينه ووطنه ، وما محاولات السادة الأشاوس والنشامى من الشيوعيين واليسار والليبراليين والمرتزقة والفلول إلا قبض الريح ، لأنهم موالون لغير الله والوطن ، موالون لمصالحهم فقط ، وحريصون على ذواتهم المتضخمة فقط ، ويظنون أن الزمان القديم سيستمر في صعوده ليكونوا هم سادة الوطن الذين يكوشون على كل شيء ويحرمون الأغلبية الساحقة من كل شيء . عهد الإقصاء والاستئصال ولّى إلى الأبد ، ولن يعود ، والأولى أن يكون هناك تسليم بالأمر الواقع والرضا بنتائج صندوق الانتخابات .

ترى لو كانت الأقليات قد حققت الأغلبية في صناديق الانتخابات هل كانت تسمح لغيرها أن يشارك في اللجنة التأسيسية للدستور ، هل كانت تسمح بالاعتراض على ترشحها للرئاسة ، هل كانت تسكت على ترويج الأكاذيب والحملات الرخيصة التي يحركها اللهو الخفي في الصحافة والإذاعة والفضائيات والأرضيات .. بدءا من حكاية قطع الأذن التي حكم القضاء ببراءة المتهمين فيها إلى حكاية معاشرة الوداع المقزّزة التي روج لها صحفي من إياهم ؟  

إن حرب البسوس تعود بالخسائر على الوطن كله ، وهم يظنون أنهم سيكسبون في النهاية وهو ظن خاطئ ، نأمل أن يتخلوا عنه ، وأن يتذكروا حرب البسوس القديمة ، ففيها عظة وعبرة لمن يريد .. واسلمي يا مصر !