واقع التعليم والمجد القديم
علي عيسى البستنجي
مدارس دار الذكر الأهلية
السعودية / جدة
يتسابق المعلمون ويتنافس التربويون لصنع جيل قادر على مواكبة التقدم العلمي والحضاري ؛ فقد لمسنا في العقود الثلاثة الأخيرة تطوراً كبيرا من ناحية امتلاكنا بيئة تعليمية خصبة ضمن أحدث نظريات التعليم واقعية .. وأروع الوسائل التعليم حداثة ؛ فأصبحنا نضاهي الغرب في امتلاكنا لمقومات التعليم الحقيقية. إذا ً لماذا لا زلنا نقبع تحت وطأة ما يسمى دول العالم الثالث ؟ ولماذا لا زالت الفجوة كبيرة بين تقدمنا العلمي وما وصلوا إليه من تطورٍ تكنولوجي ؟ لماذا نسير بخطىً متثاقلة نحو التقدم والإبداع ،وغيرنا يسير بخطىً ثابتة للعلم والعلياء ؟ ولماذا ......؟ ولماذا....؟
وفي غمرة يأسي وقنوطي من واقعنا المرير وسوء ضني بإمكاناتنا التي تؤهلنا لمواكبة الدول المتقدمة ... أسمع صوتاً يأتيني من عبق التاريخ وكأنّي بابن سينا يناديني .. والفارابي يحدّثني .. والرّازي يذكّرني ... فقد كنّا سادة في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغطُّ في سباتٍ عميق ..لقد كنا قادة في زمن كان العالم فيه ينهل من علومنا وحضارتنا ... أيقضني الهاجس و أعاد لي بريق الأمل هذا العزة والنشوة .. وحتّى أثبت لنفسي أننا أمة حية ولم يكن هذا خيال ، هرعت مسرعا أبحث بين دفّات الكتب والمخطوطات ؛ لأثبت مجد حضارة أجدادنا وماضي أمتنا العظيم ، فوجدت علوما زاخرة بكل ما يثبت لأمتنا مجدها وعزّتها , ولا أدلّ على ذلك من الرسالة التي بعثها ملك إنكلترا إلى خليفة المسلمين فهي تُكرّس وتُصوّر الواقع الحقيقي الذي عاشته أمتنا فقد جاء في نص الرسالة : ( من جورج الثاني ملك إنجلترا والغال* والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام , وبعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية وعظمتكم وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن .. ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص . من خادمكم المطيع جورج ملك إنجلترا (*
وإثناء قراءتي للرّسالة ... وامتلاكي الفخر والاعتزاز وشعوري بالنشوة والكبرياء انتابني شعور غريب أعادني من جديد إلى الحيرة , فقد عملنا فلم ننتج ... وزرعنا فلم نحصد...! رغم مجاراتنا للحضارات المتقدمة ... وإذا حقّ لنا أن نفاخر بحضارة أمتنا . أليس من باب العدالة أن نبكي على حالنا اليوم .. وإذا كان ذلك لنا . هل تكفي المشاعر من فخر وحزن وأمل وألم ... أن تعيد لأممتنا تاريخها ...
وبعد الإمعان الشديد والتفكير الملي لعلي أجد حلا لهذه المعادلة الصعبة . وأثناء البحث والتوفيق بين أسباب التفوق والرّقي في العالم الغربي اليوم . وامتلاك امتنا للحضارة سابقاً ؛ تولّـّد لدي أن معادلة التفوق والحضارة لم تكتمل بعد فالمقومات المادية متوفرة ، لكني خلصت أنّ هذه المعادلة قد تكون بحاجة إلى مقومات معنوية توفرت عند من سبقنا قديماً وحديثاً.. قد يكون منها : الإخلاص في العمل , الصدق , الأمانة , حب الوطن .. والعقيدة الصادقة ..... فإذا استطعنا أن نمزج بين المقومات المادية والمعنوية ، والبحث عن أسباب أخرى .. نستطيع أن نعيد بريق مجدنا أمتنا التليد ، ونستطيع أن نقول أننا وضعنا أنفسنا من جديد بين مصاف الدول المتقدمة ...... آمل ذلك ....
* وجدت بقلم المؤرخ الإنجليزي جون دوانبروث في كتابه (( العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى ))