إنا كفيناك المستهزئين
د.تيسير الفتياني
إذا ما قيست الرجال بجليل أعمالها كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم رجل عرفه التاريخ، وإذا أرادت أمة أن تثبت نبوة نبيها فإنه لم تثبت نبوة نبي في شريعة من الشرائع وبالبرهان العقلي القاطع كما ثبتت نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام أكمل الناس خَلقا من حيث جمال صورته، وتناسب أعضائه وطيب ريحه ونظافة جسمه واكتمال قواه البدنية والعقلية? كما كان أكمل الناس خُلقا، إذ جمع محاسن الأخلاق وكريم الشمائل وجميل السجايا والطباع قال تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4) فمن أكبر العار على أي فرد من هذا العصر في مشارق الدنيا أو مغاربها وخاصة من يدعي الحضارة والتمدن أن يصغي إلى أقوال سخيفة أو رسوم مخلة سودوا بها صحائفهم بالاستهزاء بمقام النبي العظيم? فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على انطماس البصيرة وعدم معرفة قدر هذا الرسول الكريم وحرمته، ولعل السبب المباشر الذي دعا هؤلاء الناس إلى فعل ذلك هو الحقد والتعصب الذي أعمى بصائرهم بسبب نمو الإسلام بخطى حثيثة في جميع أنحاء العالم ولأن البشرية وجدت في هذا الرسول الخاتم ضياء ينير لها الطريق وبعرفها على الله تعالى الذي بيده الخلق والأمر ليعيد السكنية إلى نفوسهم والطمأنينة إلى قلوبهم، إننا نرى اليوم نهضة جبارة لإحياء الإسلام ونشره وإظهار حقيقته بجهود المخلصين، فليس غريبا على غير المسلمين أن يتنكروا للإسلام خصوصا الغرب الذي لا يعلم من حقيقة الإسلام شيئا، بالإضافة إلى الحملات الباطلة التي قام بها بعض الحاقدين لتشويه صورة الإسلام الصافية والنقية أمام العالم، أما الغريب أن ندعى محبة الرسول ولا نعلم أركان وأصول هذه المحبة ولا نعمل بمقتضاها، فمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ركن أصيل من أركان الإيمان، وهي رمز لتعلق القلوب به وميلها إلى ما يرضاه ويستحسنه مع المودة والرضا يتجلى ذلك في إيثاره صلى الله عليه وسلم على كل محبوب من نفس ووالد وولد والناس أجمعين مع كثرة ذكره وتذكره وتمني رؤيته والشوق إلى لقائه فمن أحب شيئا أكثر من ذكره، ولا يكون ذلك إلا إذا أشغلت محبة الرسول قلب المحب وذكره مع استحضار الأسباب والدواعي الباعثة على حبه ومعرفة قدر النعمة التي أنعم الله بها على الناس إذ بعث فيهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يرضى بحكمه وشرعه رضا لا يلتفت إلى غير هديه ولا يعول في سلوكه على غير سنته.
ومن محبته صلى الله عليه وسلم تعظيمه ونصرته والذب عنه? فنصرته من أوجب الواجبات فيجب أن يفدى بالأنفس والأموال وأن نغار على حرماته أن تنتهك? فمن أدعى حبه ولم ينصره وينتصر له فهو غير صادق في دعواه.
وبعد أن تكررت الإساءة والاستهزاء برسولنا الكريم لا بد أن يكون ردنا عمليا? فالانفعالات لا تكفي? فما أجمل أن يجتمع أصل كل بيت مسلم يتدارسون سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ويتعلمون سنته ويطبقونها في واقع حياتهم اتباعا واقتداء وتأسيا به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله وصبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، وأن تطبق السنة في حياة الفرد والجماعة والدول تطبيقا يشمل كل جوانب الحياة في العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق والآداب والنظم الاجتماعية والإدارية والسياسية والعمل على نشر العلم الشرعي المورث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وما أجمل أن يعلن ملايين الشباب المسلم تمسكهم بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأن تعلن ملايين الشابات المسلمات تمسكهن بالحجاب امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تعلن الدول تحكيمها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وختاما فإنه لا يتجرأ أحد على الرسول صلى الله عليه وسلم زورا وبهتانا إلا رجل غليظ القلب واسع الأطماع، فاسد الفطرة، جريء على الله ورسله، حياته كلها سلسلة جرائم وشبكة مآثم، بعيدة عن الخير في كافة وجوهها.