الظلم.. الفساد.. الموقف
الظلم.. الفساد.. الموقف
محمد السيد
(1 من 3)
1 _مقدمة
قال تعالى: ((وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)) الشورى: 41
وهذا ابن المقفع في أدبه الصغير في الصفحة(33) يقول في السلطان قولاً، لا بد من التوقف عنده ملياً، من كل امرئ عند حساب الموقف: (أحق الناس بالسلطان أهل المعرفة...وأحقهم بالفضل أعودهم على الناس بفضله، وأصوبهم رجاء أوثقهم بالله، وأشدهم انتفاعاً بعلمه أبعدهم من الأذى. وأرضاهم في الناس أفشاهم معروفاً وأقواهم أحسنهم معونة... وآمنهم في الناس أكلّهم ناباً ومخلباً. وأعدلهم فيهم أدومهم مسالمة لهم).
إن هذا الذي عرضه ابن المقفع على الناس من فهم لا يخرج عما قرأه ويقرؤه الناس مما أراده كتاب الله لهم، وما يراجعون فيه سنة نبيهم، فلنعد إلى آيات الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنتبين أمرنا، ولنعرف أين نضع أنفسنا، وكيف هو الموقف الأسَدّ في مواجهة الظلم والفساد؟
2_من القرآن
أ_ ونبدأ بقوله تعالى: ((وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)) ، وهي آية تعطيك أيها المسلم.. أيها المواطن الحق بأن تنهض للظلم بالانتصار لنفسك، لشعبك، لأمتك، سواء كان الظالم حاكماً من بني جلدتك، أم كان من المعتدين المحتلين الغاصبين، وهذا هو الموقف السديد ولا سبيل ولا مؤاخذة أو مساءلة على من اتخذ ذلك منهجاً؛ فهو قد قام بالواجب المطلوب الأسدّ، ولم يرض لنفسه الهوان والدونية والتهميش والإفقار والإفساد.
ب_ ثم ها هو قول ربنا جل وعلا، يعلو في آفاقنا ليبين للإنسان المسلم الموقف الحق: ((وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)) الشورى: 39. وإذن فهو المديح من رب العالمين لمن لَحِقَهُ شيءٌ من هضم لحقه وحق شعبه ومجتمعه، أو أصابه شيء من عدوان أو اغتصاب لأرضه وممتلكاته، أو شيء من العدوان على دينه وعقيدته وخصوصياته فانتصر لذلك كله بموقف قوي، فهل إلى موقف عزّ في هذه الحالة من سبيل؟ أم يريدها البعض بفهمهم العقيم محاطة بالكلام والقول: فاصبر وإن جُلد ظهرك، ونُهب مالك، وهُتك عرضك؟ مما يأنف المؤمن الحق من اتباعه، كما تأنف نفسه من اتخاذه منهج خنوع واستسلام للاضطهاد والرضوخ للواقع الأليم.
ج_ وإلى قول ربنا العزيز الحكيم، الذي يبين لنا الواجب فيما إذا سيم إخوة مسلمون في بعض البلاد خطة خسف وظلم وفساد وإفساد، إذ يطلب منا ربنا موقفاً حاسماً، هو الانتصار لهم: ((وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)) الأنفال:72. فكيف بنا يطلب منا أن نسكت على ظلم إخوان لنا، أو نغض السمع عن صوت يجلجل في آفاقنا، يطالبنا فيه أناس من أمتنا أن ننصرهم ضد ظالمهم ولو بكلمة تقال بحق وقوة: ((فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ))، بغض النظر عن أية حجة يبديها من بيده أي قرار أو ممن لا يملك ذلك القرار.. إنه أمر من الله، ومخالفة أمر الله معروف جزاؤها ومآلاتها!
د_ إن الله سبحانه وجه عباده لم يترك عباده وأعلمهم بما يصلحهم، وما يسدد خطاهم في حياتهم؛ لذا فهو قد بين للمسلم كيف يقول إذا ظلم، وما يحتج به على ظالمه، فقال جل شأنه: ((لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)) النساء:148 وهكذا فإنك أيها المسلم أيها المواطن.. محق بالجهر بالقول الذي يوضح ممارسات الظالم وما يفعله بك وبالناس، جهراً أمام الجمع وليس سراً بينك وبينه، لعلّ ذلك الجهر يكون رادعاً للباغي، كي يعود عن بغيه، ويردعه افتضاح أمره، في حين أنك إذا اكتفيت بالنصح السري، فقد يكون ذلك مداً للظالم، كي يزيد في غيه وفساده وإفساده، لما لم يجد من يجأر بالشكوى من الظلم ولا من يشكو بثه وحزنه علانية يخشاها كثير من الظالمين.
هـ ويمتد الإذن بالاحتجاج على الظلم للمسلم إلى حد القتال إذا لم يُجْدِ النصح السري ولا القول العلني اللساني، وهنا يقول رب العزة وقوله الفصل في الموقف: ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)) الحج:39 وبالعودة إلى السيرة النبوية، نجد أن المسلمين في مكة قبل الهجرة ظلموا، ولكن ما نوع الظلم الذي وقع عليهم، وحق لهم من أجله أن يقاتلوا من ظلموهم لما امتلكوا شيئاً من الشوكة وجمعاً يساندهم وينتصر لهم ويحتضنهم؟ إنه الاعتداء على الحياة، والاعتداء على حرية الدعوة، والانقضاض على الضعفاء، والسجن والتعذيب وانتهاك حرمة الأموال والممتلكات وحتى الأعراض، والتهجير من الأوطان، فضلاً عن معاداة حرية الاعتقاد وبيان الرأي، وكل ذلك واقع وممارس في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من قبل معظم من يمتلكون القرار والسلطة هذه الأيام، أفلا يحق لشعب بحّ صوته، وتقرحت حناجر أفراده، وهم يطالبون برفع كل أنواع الظلم التي ذكرناها عن كواهلهم، قالوها نصيحة بسرٍ، وأعلنوها في الصحافة والوسائل الإعلامية الأخرى جهراً، عندما لم تجد النصيحة، وها هم يثورون بها احتجاجاً سلمياً بلا سلاح ولا قتال، ولكنهم يواجهون بالقتل والتعذيب والنهب والاعتداء على الحرمات وكم الأفواه والتشريد من الأوطان، ومع ذلك تجد ممن لا يملكون إلا القليل من العلم، يطالبوننا بخلاف ما أجازه رب العالمين للمظلومين بل وأمرهم به، فهل نتبع قرآن ربنا، أم فهماً سقيماً له..؟! يتبع إن شاء الله.
(2 من 3)
قال تعالى: ((والذين إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)) الشورى: 39
أولاً: مقدمة
إن الدفاع عن النفس واجب على الإنسان لحماية نفسه وماله وعرضه كما أنه واجب لحماية نفس الغير وماله وعرضه.
يقول الشهيد سيد قطب _رحمه الله_ في كتابه القيم: في ظلال القرآن، المجلد الخامس، ص3167، بعد أن عدّ ما جاء في آية الشورى الآنفة قاعدة عامة في حياة المسلم: (ويؤكد هذه القاعدة بوصفها قاعدة عامة في الحياة: ((وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)) الشورى: 40 فهذا هو الأصل؛ مقابلة السيئة بالسيئة كي لا يتبجح الشر ويطمئن حين لا يجد رادعاً يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن، وذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ، وإصلاح الجماعة من الأحقاد، وهو استثناء من تلك القاعدة، والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة، فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء) .
وهذا الدفاع بنوعيه واجب كما أسلفنا يأثم من لم يقم به من المسلمين، بدءاً بمدافعة الصائل على النفس أوالمال أو العرض أو الأوطان أو الهوية، ثم دفاع الطلب الذي يحاول رفع البغي والظلم عن الناس، ومنع الاعتداء على حرياتهم في الرأي وفي اختيار ما يشاءون وما أجمعت أكثريتهم على صلاحه لهم في حياتهم وآخرتهم. وإليكم فيما يأتي بيان ذلك الواجب من السنة .
ثانياً: بيان من السنة
_ عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي؟ قال:" فلا تعطه مالك". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله". قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار"). رواه مسلم .
إنه بحسب هذا الحديث، يكون دفاع المرء عن نفسه وماله وعرضه واجباً ملزماً له، وهو آثم إن لم يفعل. إن هذا الواجب ردّ إنساني عام على العدوان؛ شخصياً كان هذا الرد أم جمعياً، فلا مراء فيه ولا تردد، فهل يوجد في هذه الدنيا إنسان يدع الدفاع عن نفسه وماله وعرضه ودينه إلا أن يكون ذليلاً مستضعفاً، لا يملك من أمره شيئاً، ولا يستطيع صرفأ ولا عدلاً ..؟
_ وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهومؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) رواه مسلم .
وإذن فالمسلم في جهاد دائم، يجاهد هواجس نفسه بما يصلحها، ويجاهد في مجتمعه الفساد والظلم، سواء كان فساداً وظلماً فردياً أم جماعياً يرعاه السلطان، ويكون ذلك الجهاد حسب الاستطاعة، باليد أو باللسان أو بالقلب، ولا عذر للمسلم بعد هذه الثلاثة إن خرج من الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل نظر من يقول بأن الاحتجاج على الظلم والخروج من أجله إلى الشارع إعلاناً ومجاهرة فتنة وأي فتنة؟ هل نظر في رأيه ومقولته هذه، بعد أن سمع وقرأ وتدبر حديث رسول الله الذي أسلفنا إيراده، وغيره من الأحاديث الكثيرة الصحيحة التي تحض على إنكار الظلم والفساد باليد إن استطاع، أي بالقوة، وباللسان إن لم يستطع إلا به، وبالقلب وذلك أضعف الإيمان.
_ (إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الخاصة والعامة) رواه أحمد والطبراني.
وعن النعمان بن بشير _رضي الله عنه_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نَجوْا ونَجوْا جميعاً) رواه البخاري.
وإذن فكيف ببعضنا يريد لنا أن نهلك جميعاً بترك الحبل على الغارب في مجتمعاتنا، فلا نحرك ساكناً، ولا نعلن دفاعاً عن أنفسنا ومجتمعاتنا، أو حتى عن المجتمعات الإنسانية جميعاً..؟!
_ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإٍسناده صحيح.
_ فهل نترك أنفسنا يتناوشنا الظلم، ويتعاورنا الفساد، ويعتدى علينا؛ على أوطاننا وأرواحنا وأعراضنا وأموالنا وهوياتنا، من أجل رأي يقول بأن الخروج للاحتجاج على كل ذلك، والمطالبة بالتغيير علانية فتنة وشر..؟!
_ إن الفتنة والشر كامنان في السكوت على ذلك الفساد، والرضا بالذل، والخوف من إعلان الحق. وكم من الفتن والشرور والعدوان والظلم وقعت جميعها على بلادنا وشعوبنا وأنفسنا عندما سكت الفرد وسكت الجمع، ولم تعلن كلمة الحق..؟ لقد آل حالنا إلى بوار ودمار وتخلف وفقر وفساد كبير، بعد إذ لم نُحِرْ مواقف محددة واضحة بينة ضد من مارس ذلك العدوان، سواء كان ذلك المعتدي أجنبياً أم من بني جلدتنا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سألته أم المؤمنين زينب _رضي الله عنها_ قائلة: أَنَهلِك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) متفق عليه. ففي هذا الحديث تحريض للناس على إنكار المنكر، فإن فيه الخلاص من الهلاك، وليس فيه فتنة أبداً. يتبع إن شاء الله.
(3 من 3)
قال تعالى: ((واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)) الأنفال: 25
أولاً: بيانات
إن هذه الآية فسرها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_؛ إذ يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه). رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأسانيده صحيحة.
وكذلك هي مفسرة بحديث الإمام الترمذي الحسن عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: (والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهوُنّ عن المنكر، أو ليوشكَنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم).
إنها القوة، إنها الشجاعة، إنها البرعم النامي في نفس كل مؤمن، إنها الينبوع العذب النقي الصالح لغذاء المؤمنين، إنها نصال ربانية محمدية، تخز كل صاحب ظلم، فهي تصّعد فوق الآفاق، لتعلنها ثورة؛ تحمل بيد غصن الزيتون لمن سمع فأوعى، وباليد الأخرى تحمل الإصرار على نفي الظلم وعقر الفساد والإفساد واحتكار القرار، وذلك بنصال النهي عن المنكر وثورة القول للظالم: يا ظالم، قف؛ فإنك مسؤول عن قيود القهر التي غلّت أيدي الشعب، ومسؤول عن أسر الناس داخل الاستبداد والفساد والاستئصال، إنها كل ذلك وأكثر، وهي تلك النصوص التي تلوناها علنياً آنفاً ، إنها تهدر لتخرس سوط الظلم وريح الفساد، وممارسة استعباد العباد.
ثانياً: تطبيقات مواقف
1_ ائتماراً بأمر الله ورسوله، وقف أبو بكر _رضي الله عنه_ وقفته تجاه منكر أراد المرتدون أن يجعلوه واقعاًمودياً بأصول الدين الجديد، وناقضاً لعراه واحدة واحدة بدءاً بالزكاة، وهو ظلم فادح وفساد عريض، بدأه بعض من الرعية ليكون مفروضاً على مجتمع المسلمين آنذاك، فهل سكت أمير المسلمين وخليفتهم _ رضي الله عنه وأرضاه_؟ كلا.. إنه يعلم من معلمه ورسوله وقدوته أن النصيحة تكون (... ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم .
لقد وقف أبو بكر الرقيق العطوف الودود أمام هذا الظلم وقفة الأسد الهصور قائلاً: (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لقاتلتهم عليه، وإنها لوقفة عالية غالية لولاها لذهب ريح الإسلام ولدالت دولته وشريعته.
2_ وها هو الإمام أحمد يقف وقفة صامدة مستهينة بالموت في سبيل دحض ظلم كان قادماً لإرساء العمل ببدعة نجمت في سماء المسلمين على يد المعتزلة، إنها بدعة خلق القرآن، التي وقف لها ابن حنبل _رضي الله عنه_ وقفة الطود الأشم، وفضل الموت على ممالأة السلطان والمبتدعين؛ إذ سُجن وعُذب وكادت نفسه أن تزهق، لكنه لم يلن، ولم يهن، ولم يبع دينه بدنياه، وظل واقفاً في وجه تلك البدعة، حتى أزالها الله بقدرته، ثم بدعاء المؤمنين وصمود الإمام، وعلى يد الخليفة العباسي المتوكل وسلمت للمسلمين عقيدتهم ودنياهم.
3_ وها هو الإمام (النووي) يقف للأمير الظافر (بيبرس) حين أراد الأخير أن يفرض على أهل دمشق في بساتينهم تشريعاً مخالفاً وجائراً بحق المزارعين والمالكين، وظل الإمام مواجهاً لقرار الأمير، مبتغياً رفع الظلم، ودفع الفساد عن النظام العام، وإحقاق الحق للمواطنين المستضعفين، مع أن ذلك الموقف كان فيه احتمال كبير أن تهدر حياة الإمام، لكن الله سلّم واضطر الأمير أمام إصرار الإمام والعون الذي قدمه المواطنون الدمشقيون آنذاك لموقفه أن يتراجع عن قراره، ويحق الحق، ويقوم العدل الذي هو مبتغى شرع الله.
4_ وقد ذهب سلطان العلماء "العز بن عبدالسلام" إلى أبعد من ذلك كله، فأثار شعب مصر على الأمير المظفر قطز صانع الانتصار على التتار في عين جالوت، وذلك عندما أراد قطز وأمراء المماليك أن يجهزوا جيشاً لملاقاة المغول على حساب جيوب الناس، وذلك بفرض الضرائب الجائرة عليهم، مع أن ذهب وجواهر وثروات القصور كانت كفيلة بتجهيز الجيش. وبناء على فتوى العز بن عبدالسلام وتوجه السلطان إلى قمع الشيخ وإجبار الناس على دفع الضريبة، ثار الناس مع الشيخ الذي ركب دابته مع أهله؛ راحلاً عن مصر احتجاجاً على السطان، وعندئذ ما كان من الأمير قطز إلا أن نزل على إرادة الشعب وإمامه، وجهز الجيش من أموال القصور ومن بيع المماليك، وكان النصر في عين جالوت هدية ربانية، استقبلتهم بفضل الانحياز إلى العدل، والانزياح عن الظلم والفساد.
5_ وفي عصرنا الحديث مثل الإمام البنا وجماعة الإخوان المسلمين التي بناها ثورة كبرى، قادت الجماهير العربية المسلمة ضد الظلم البادي في الإعراض عن دين الإسلام، وتقليد الآخرين في كل مناحي حياتهم؛ القانونية منها والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى في أنماط الحياة اليومية، كما أنها كانت ثورة في وجه ظلم الحكام وفسادهم، ظلت تعمل ممتدة إلى أكثر من بلد عربي مثل تونس ومصر وليبيا وسورية وغيرها، وكان من أبطال تلك الثورة البارزين ورموزها: سيد قطب في مصر، والدكتور السباعي في سورية، وغيرهما في بلدان كثيرة، واستطاعت تلك الثورة أن تعيد للإسلام حضوره، وللمسلمين كيانهم، وذلك من خلال قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعملاً بأمر الله سبحانه وتعالى:((واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)).
6_ ونختم بالقول: إن المسلم _بناء على ما أوردناه من نصوص_ لا يمكن أن يسكت على الظلم والفساد وإلا فإنه أمام موقف لا يحسد عليه، وهو إذ يواجه النصوص فعليه أن يبدأ موقفه بالنصح، فإن لم يُجْدِ فباللسان، فإن لم يُجْدِ فباليد، ويكون أضعف الإيمان بإنكار القلب.. انتهى.