التظاهر ضد الإرهاب

جميل السلحوت

[email protected]

المظاهرة المليونية ضدّ الارهاب التي شهدتها يوم 11-1-2015 العاصمة الفرنسية باريس ومدن فرنسية أخرى، والتي شارك فيها عدد من قادة الدّول بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزيراه أفيغدور ليبرمان ونفتالي بنيت أمر جميل، لكنها تثير من جديد الأسئلة حول مفهوم الارهاب وتعريفه. ومع التأكيد من جديد على ادانة العمل الارهابي الذي استهدف صحيفة ومتجرا فرنسيين، فانه يجب التأكيد أيضا على ادانة الارهاب في أرجاء العالم كافة. فالارهاب لا دين له، واذا كانت هناك فروق طبقية واقتصادية بين الشعوب والأمم، وبين أفراد أبناء الشعب الواحد، فان الدّماء تتساوى، وليس هناك دم أغلى من دم آخر.

واذا ما نظرنا الى الارهاب في العصر الحديث، خصوصا بعد الحرب الحرب الكونية الثانية، فاننا سنجد أبشع أنواع الارهاب هو ارهاب الدولة الذي تمارسه دول تزعم أنّها ديموقراطية وتدافع عن حقوق الانسان، مع أنّ ضحايا ارهابها بالملايين.

من هنا فان الأمم المتحدة مطالبة بتعريف الارهاب، وتعريف الحروب الدفاعية المشروعة من الحروب العدوانية، والتأكيد على أن الدّول التي تدوس القانون الدولي بأنها تمارس الارهاب وتشجعه.

واذا ما انتبهنا الى الارهاب في منطقتنا العربية فعلينا أن نشخّص أسبابه لمعالجتها، تماما مثلما هو مطلوب تعرية من يقف وراء هذا الارهاب؟ ومن يموّله؟ ومن يدعو له؟ خصوصا وأنّنا نعيش في مرحلة غالبية من يمارسون الارهاب الفرديّ فيها هم عرب مسلمون، ومموّلون بمال عربيّ، ومدرّبون في دول عربية واسلامية، وضحاياهم في غالبيتهم عرب أيضا، لكن دولا عظمى هي من تقف وراء ذلك. فالقاعدة هي صنيعة أمريكية، خلقتها أمريكا من أجل محاربة السوفييت أثناء احتلالهم لأفغانستان في سبعينات القرن الماضي، ثم انقلب السّحر على الساحر.

ثمّ جاءت حركات اسلامية أخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من موّل ودرّب وسلّح التنظيمات التي تحرق سوريا وتدمرها؟ وأين جرى ذلك؟ ومن أيّ البلدان أتى هؤلاء"المجاهدون"؟ ومن يدعمهم سياسيا واعلاميا؟ ومن احتل العراق ودمره وقتل شعبه وهدم الدولة العراقية؟ ومن يعمل على تقسيم العراق؟ ومن فعل الشيء ذاته في ليبيا؟ ومن يدعم ويموّل الارهاب في مصر وغيرها؟ ومن يدعم ويحمي الأنظمة المستبدّة في العالم العربي ودول العالم الثالث؟

وقبل هذا وذاك فانه لا يجب أن يغيب عن البال قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة على تراب وطنه، أليس الاحتلال ارهاب دولة؟ أليس الاستيطان ارهاب دولة؟ أليست ممارسات المستوطنين في الأراضي الفلسطينية ارهابا؟ أليس قهر شعب وسلبه حريته ارهابا؟

ومن يموّل هذا الاحتلال وهذا الاستيطان؟ ومن يحمي اسرائيل في المحافل الدولية؟ ولماذا يتوقف العمل بالقانون الدولي عندما يصل عتبات السياسة الاسرائيلية؟ وهل مقاومة الاحتلال ارهابا؟ أليس الكيل بمكيالين في الصراعات الدولية ارهابا تمارسه دول عظمى؟ واذا ما جرى حلّ عادل للصراع العربي الاسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وكبح سياسة التوسع الاسرائيلية، ألا يحقق ذلك الاستقرار في الشرق الاوسط؟

كنا نتمنى لو أن دولة عربية دعت لمظاهرة عالمية في عاصمتها، يشارك فيها قادة دول العالم للمطالبة بانهاء الاحتلال الاسرائيلي، ولعقد مؤتمر دولي لانهاء هذا الاحتلال الذي يمارس أبشع انواع الارهاب في المنطقة. لكن الأمنيات شيء والواقع شيئا آخر.