سرايا الخراساني حماة "القلب النابض" للمشروع التوسعي الإيراني

سرايا الخراساني حماة "القلب النابض"

للمشروع التوسعي الإيراني

محمد المذحجي

للعراق دور مفصلي في المشروع التوسعي الطائفي الإيراني وكما وصف إمام جمعة قم أن «العراق هو قلب إيران» ومن أجله خاضت إيران 8 سنوات حربا مدمرة مع النظام العراقـــي السابق. وبفضل تعاونها مع «الشيطان الأكبر» في حرب احتلال العراق في عام 2003 تمكنت إيران من السيطرة شبه الكاملة على أجزاء كبيرة من العراق

ويراهن حكام طهران بشكل كبير على النفس الطائفي لاستمرار السيطرة على العراق وعليه فقد انشأت إيران أكثر من 100 حوزة شيعــــية جديدة في أنحـــاء مختلفة من العراق والعـــديد من الميليشيات المسلحة الشيعية، فضلاً عن عشـــرات الآلاف من قوات فيلق البدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراقية اللتين تم تأسيسها أبان فترة الحرب بين إيران والعراق.

انتصارات الدولة الإسلامية زرعت موجة كبيرة من الخوف في قلوب المسؤولين والمعارضة في إيران وخارجها، بحيث تتفق شريحة واسعة نسبياً منهم على ضرورة التواجد العسكري لفيلق القدس في العراق. ونظراً لـ «الإعلام الحرب» لـ «سرايا الخراساني» على شبكات التواصل الاجتماعي، تُعتبر هذه المجموعة «لواء المهمات الخاصة» لفيلق القدس في العراق. ونشرت وكالة «تسنيم نيوز» التابعة للحرس الثوري في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تقريراً مفصلاً عن دور «سرايا الخراساني» وكتبت تقول «سرايا الخراساني بقيادة قاسم سليماني حسمت معركة جرف الصخر لصالح الميليشيات الشيعية بعد معارك عديدة لم تنجح فيها هذه الميليشيات».

اغتيال حميد تقوي فر، قائد محور سامراء وثاني أكبر قيادي في «سرايا الخراساني» وأحد مؤسسيها، سلط الأضواء على أهمية دور هذه المجموعة في الحرب الدائرة داخل العراق لأول مرة. ويمكن فهم حجم الضربة التي تلقتها إيران باغتيال حميد تقوي فر من خلال البيان الذي أصدره الحرس الثوري وأعلن بشكل رسمي ولأول مرة عن قتل أحد كبار قادة فيلق القدس في العراق. وكان حميد تقوي فر قائد «مقر رمضان» للحروب غير المنتظمة في الحرس الثوري خلال فترة الحرب بين إيران والعراق، ولعب دوراً هاماً في إنشاء فيلق البدر آنذاك.

وحضر العديد من قادة العسكر والمسؤولين الإيرانيين مراسم تأبينه ومنهم قاسم سليماني وعلي شمخاني، ممثل الولي الفقيه في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وحسين همداني، أحد كبار قادة فيلق القدس في سوريا، محمد رضا نقدي، قائد قوات الباسيج، احمد وحيد، قائد فيلق القدس السابق، علي يونسي، مستشار حسن روحاني. وأصــــدر رئيـــس مجلس النواب، علي لاريجاني، والقائد العام للحرس الثـــوري، عـــزيز جعفــري، ووزير المخابرات الإيراني، محمود علوي وعدداً آخراً من المسؤولين بياناً بهذه المناسبة.

و«الإعلام الحربي» لـ«سرايا الخراساني» يعتبر آية الله علي خامنئي قائداً لهذه المجموعة ويتخذ من علامة الحرس الثوري الإيراني علامة له. وتُسمى هذه المجموعة المسلحة من قبل بعض وسائل الإعلام المقربة من الحرس والمتشددين في إيران بـ «مجموعة السيد الخراساني»، في إشارة إلى اعتقاد الشيعة في إيران بقيادة الأمة الإسلامية من قبل شخص من خراسان قبل ظهور الإمام المهدي بفترة قليلة وهو خامنئي، المرشد الأعلى. ومن جهة أخرى يعتقد بعض المحللين في إيران أن اختيار هذه التسمية لسرايا الخراساني له دليل ثاني وهو أن السيد الخراساني سيلعب دور «أبو مسلم الخراساني» الذي أسقط خلافة الأمويين وأخذ ثأر الفرس من العرب بحسب المعتقدات التاريخية للفرس.

والتصريحات الأخيرة للمسؤولين الإيرانيين تظهر قلقـــهم المتزايـــد من تدهور الأوضاع الأمنـــية فـــي العـــراق بشكل كبير. وقال إمام جمـــعة مدينة قم وأحد أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، آية الله إيراهيم أميني، في لقائه مع رئیس المجلس الأعلی الإسلامي العراقي، عمار الحكيم، إن «العراق هو قلب إيران، ومشاكل العراق تقلق جميع الإيرانيين.

ولا يمكن لإيران أن تغض النظر عن العراق». وبدوره أكد ممثل الولي الفقيه في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أن أمثال حميد تقوي فر ضحوا ‏بدمائهم في سامراء وسوريا، لتفادي إراقة دمائنا في طهران وأصفهان وشيراز. وجاء رئيس مكتب خامنئي، آية الله محمدي كلبايكاني، بتصريح ممثال وقال «لو لم يكن دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لسوريا، لخسرنا العراق اليوم». وتحدث مؤخراً بشكل صريح وواضح قائد القوة البرية للجيش الإيراني، العميد أحمد رضا بوردستان عن التدخل العسكري الإيراني في العراق، وصرح أن خط إيران الأحمر يقع على مسافة 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية.

ويمكن قراءة حجم قلق حكام طهران أيضاً من خلال تصريحات الوجهة الناعمة للنظام الإيراني أي رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، حيث قال في لقائه مع رئیس المجلس الأعلی الإسلامي العراقي إن «الشیعة الحقیقیین یجب أن یراعوا الأخلاق الإسلامیة واحترام الأخرین، ولا یجب المساس بمقدسات اتباع المذاهب الأخری بذریعة اقامة الاحتفالات الدینیة»، وشدد على ضرورة الوحدة والتلاحم بین شرائح الشعب العراقي لأن الخلافات لن تؤدي سوى إلى تقویة عصابات تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والوهابیین والسلفیین، حسب وصفه.

وأسست إيران عدة جماعات مسلحة في العراق بعد احتلاله ومنها حزب الله العراق، وكتائب سيد الشهداء، وعصائب أهل الحق، وكتائب إمام علي، وحركة المقاومة الإسلامية في العراق، فضلاً عن ان عشرات الآلاف من قوات فيلق البدر والمجلس الأعلی الإسلامي العراقي وجيش المهدي، تتلقى أنواع الدعم من إيران وفيلق قدسها. ومن جهة أخرى، استغلت إيران المذهب الشيعي بشكل كبير لدفع مشروعها التوسعي إلى الأمام، ووسائل الإعلام المحسوبة عليها شحنت النفس الطائفي بصبغة إيرانية وفارسية داخل جسد وروح ومعتقدات شيعة العراق طوال السنوات العشر الماضية، بنية السيطرة وتغيير توجهات وولاءات هذه الشريحة من الشعب العراقي.

وظهر على الساحة الوجه الناعم الإيراني، رفسنجاني، بالقول إن «لعن الصحابة والاحتفال بمقتل الخليفة عمر أوصلنا إلى داعش وطالبان». وجاءت هذه التصريحات والمحاولات بعد أن فات الأوان ورأت إيران أنها محاصرة بالخطر، وأغلقت المخابرات الإيرانية مكاتب 17 قناة فضائية شيعية تبث الفرقة بين المسلمين، وتساءل النشطاء الاجتماعيين وأهل السنة في إيران «وماذا عن الفرقة التي تبثها الإذاعة والتلفزيون الرسمي الإيراني؟».

وتحدث فريد مدرسي، أحد خبراء قضايا الحوزات الشيعية الإيرانية، عن التمويل الهائل لهذه الحوزات في العراق فضلاً عن العدد الكبير من الطلاب المتواجدين في قم، وقال إن إيران أنشأت أكثر من 100 حوزة شيعية في العراق وتتم إدارتها من قبل آية الله مهدي آصفي، ممثل آية الله علي خامنئي. وتم إنشاء حوزة «إمام خميني» في مدينة النجف من قبل المؤسسة المذهبية «جامعة المصطفي» التي تدار من قبل المرشد الأعلى الإيراني. وأضاف فريد مدرسي أن الرسوم التي يتم دفعها لطلاب الحوزات الشيعية المختلفة في النجف هي 170 ألف دينار في حوزات السيستاني، و120 ألف دينار في حوزات خامنئي و60 ألف دينار في حوزات الحكيم.

ويظهر هذا أن فيلق القدس تلقى ضربة موجعة بسبب فقدانه لقيادي ميداني كبير ومؤثر جداً أي حميد تقوي فر. وأخيراً انقلب السحر على الساحر، وارتفع قلق إيران بشكل كبير بسبب خسارة استثمارها المادي والمعنوي الهائل في العراق الذي تحول إلى مستنقع لحرق مالها وجنودها دون المقابل المتكافئ. ويرى حكام طهران أنهم حملوا الحطب للنار التي جهزوا لإشعالها لفترة طــويلة وهم الآن أصبحوا محاصرين بلهيبها.