السيد نصر الله ينقض ثورة الحسين رضي الله عنه

د. عبد الرزاق حسين

السيد نصر الله

ينقض ثورة الحسين رضي الله عنه

د. عبد الرزاق حسين

[email protected]

قام الحسين بن علي رضي الله عنهما منتفضًا ضد الظلم ، رافعًا شعاره الذي أصبح شعار كلِّ مظلوم ومضطهد ( هيهات منّا الذلَّة ) حمل رضي الله عنه شعاره ، وانطلق غير آبهٍ بنظامٍ متكبّر في الأرض ، أو حكمٍ متجبّر في الناس ، أو قوة عسكرية متغطرسةٍ على الأهل ، ودفع روحه الشريفة ثمنًا لدفاعه عن المقهورين والمظلومين ، وسال دمه الزكي ليظلَّ على المدى نبعًاً ثرًّا يروى العطاشى إلى الحرية ، ويستمر مريره شعلةً وقّادةً تنير دروب المكافحين ضد الحكام المستبدين ، سارقي السلطة ، ومغتصبي الحقوق .

وقد قام حزب السيد حسن نصر الله على هذا المبدأ ، واستمرَّ في مقاومته لطغيان الاحتلال الصهيوني ، رافعًا شعار الحسين رضي الله عنه ، هذا الشعار الذي يكرره السيد نصر الله في كلِّ خطاباته ، وبخاصة في يوم عاشوراء ذكرى استشهاد أمل المظلومين ، وقائد الثائرين على الظلم ، وزعيم المنتفضين على الاستكانة والذِّلَّة والمهانة .

واستطاع الحزب بقيادة زعيمه أن يدحر الاحتلال ، ويحرِّر الجنوب اللبناني ، مما أبهج الجميع ، ونال رضاهم وتقديرهم

ولكنَّ السيد حسن نصر الله الذي يتمتع بثقافة موسوعية ، وبنظرة ثاقبة ، وإحاطة بالتاريخ والسياسة في قديمها وحديثها ، يرى انطباق ثورة الحسين رضي الله عنه على حزبه فقط ، ويأبى أن يعترف بها للآخرين ، بل يرفض أن يطبقوها ، أو أن تنطبق عليهم .

 وثقتي في أنَّ السيد نصر الله يعلم تمام العلم ما لقيه الشعب السوري على يد جلاّديه ، ولا أظنه يجهل معاناة هذا الشعب ، وما قاساه من ظلم واضطهاد في عهد الأب حافظ الأسد ، فباعتراف أخيه وأركان دولته تخطى رقم القتل أكثر من أربعين ألفًا ، وأرقام الذين شُرِّدوا وهُجِّروا في كل أصقاع الأرض ،واعتقلوا في زنازينه  بمئات الآلاف  ، وعاش بقية الشعب السوري في ظل الرعب والإرهاب الذي لا طاقة لمخلوق في تحمُّله ، وتحمَّل الشعب السوري ألوان التعسُّف والاعتقال وتكميم الأفواه مدة حكم الوالد .

وجاء الخلف فكان شبلًا لذاك الأسد ولكن على شعبه :

( أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ = ربداءُ تجفلُ من صفير الصافرِ )

 واشتدَّت القبضة الأمنية ، بل ازدادت سوءًا ، حتى أصبح السوري خارج وطنه لا يستطيع أن يتفوَّه بكلمة قد تُلقيه أو تُلقي أهله في جحيم وغياهب زبية الأسد .

ومع ذلك يصدح السيد حسن نصر الله في خطابه قبل أيام في عاشوراء مع فرقة منشدي الإعلام المضلِّل ، ويعلن بكل صراحة وقوفه التام مع هذا النظام الجائر ، ويعني هذا الموقف أنَّ السيد نصر الله يقف بكلِّ قوَّته العسكرية والسياسية والإعلامية مع الظالم ضد المظلوم ، ومع القاتل ضد المقتول ، ومع المستبد ضد الضعيف ، وهو بذلك ينقض ثورة الحسين رضي الله عنه حجرًا حجرًا ، وبل ينسفها من أساسها ، وهو يعتمد في هذه الوقفة مع الباطل ضد الحق ، ومع الطاغية ضد المحرومين على حجة واهية فارغة لا يستسيغها جاهل ، وتنكرها الحقائق والوقائع .

وهذه الحجة هي حجة الممانعة ، التي يقفها نظام الأسد ، والحجة تحتاج إلى برهان ودليل ، وكل الأدلة تدل على أنَّ ممانعة النظام كانت في منع إلحاق الأذى بالعدو الصهيوني ، والوقوف بحزم ضد أي محاولة للتصدي لهذا العدو على الرغم من كل الأعمال التي قام بها العدو ضد سوريا ، فإسرائيل اجتاحت الجنوب وبيروت ولم يمانع الجيش السوري بل فسح لها المجال ، وتراجع مهرولًا بعيدًا إلى البقاع  ،  وبعد ذلك قام طيران العدو بتدمير كل صواريخ النظام المنصوبة في البقاع ، ولم يمانع النظام ، وتستمر اعتداءات العدو الصهيوني الصارخة في عقر زبية الأسد ، فتقوم قوات المظليين بتفكيك أضخم رادار دُفع ثمنه من عرق الشعب السوري لتنقله إلى داخل الأراضي المحتلة ، ولم يمانع النظام بل كانت الممانعة قبض الريح ، وزادت جرأة العدو فقام بضرب المنشآت النووية التي دُفع ثمنها أيضًا من دم وكدح الشعب السوري ، ولم نر لهذه الممانعة أثرًا ، وزادت شهوة العدو فقام بعدد من الاغتيالات لشخصيات فلسطينية مقاومة ، بل ولقائد جيش حزب السيد حسن نصر الله عماد مغنية من أمام مقر مخابرات النظام ، بل وحلقت الطائرات فوق زبية الأسد ، وظللنا نرقب مجيء الممانعة ، ولكنا كنا نسمع على مدى أعوام طويلة عبارة قرفناها ومللناها بأنَّ النظام يحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان الذي يختاره ، ولم يأت هذا الزمان تمامًا كما لم يأت القارظ العنزي ، وسنظل بانتظار الممانعة كانتظار غودو في المسرحية الفرنسية الذي لن يأتي أبدًا .

أَعْلَمُ أنَّ السيد نصر الله له من الوعي والإدراك الشيء الكثير ، ولكنه هذه المرة لم يتنبّه إلى أنه هدم البناء الذي يستره، ويتستّر به ، وأتى على القواعد التي وقف عليها طويلًا فانهارت به ، وصار مثله كما قال الشاعر الأندلسي أبو إسحاق الإلبيري :

لقد زل سيدكم زلَّة ... تقر بهَا أعين الشامتين