دلالات عودة حركة "حماس" إلى الأردن

دلالات عودة حركة "حماس" إلى الأردن

صلاح حميدة

[email protected]

عاد أعضاء المكتب السّياسي لحركة " حماس " إلى العاصمة الأردنيّة بعد أن تمّ إبعادهم عنها لفترة طويلة، ومما لا شك فيه أنّ لهذه الزّيارة دلالات وأبعاد مرحليّة وأخرى إستراتيجيّة، وإن كان هناك من يسعى للتّقليل من شأنها أو التّشكيك في مرامي واهداف  أطرافها والوسطاء الّذين أخرجوها إلى حيّز التّنفيذ.

لهذا الزّيارة بعد معنوي ودعائي كبير لحركة " حماس"، فقد أخرج قيادات الحركة من محبسهم في الأردن مطرودين إلى دولة قطر قبل سنوات، وشنّت على الحركة حرب أمنيّة وإعلاميّة شرسة في الأردن، وتأتي هذه العودة في العلن، ويتمّ استقبالهم ملكيّاً، وبحضور ورعاية رسميّة قطريّة، وتتمّ استضافتهم بحفاوة رسميّة كبيرة، فهذا ينطوي على رسائل كثيرة، أهمّها أنّ حركة " حماس" عادت إلى الأردن كلاعب رئيسي  معترف به من قمّة الهرم السّياسي في الأردن وبرعاية رسميّة عربيّة، ويعطي إشارات واضحة من الكثير من الرّسميين الأردنيين على التّراجع عن " خطأ" معاداة حركة " حماس" لما تمثّله من قيمة نضاليّة وسياسيّة.

لا يخفى على أحد أنّ حركة " حماس" تعتبر الأردن قاعدة  لمشروع تحرّر فلسطين المستقبلي، وهي تؤمن بذلك عقيدة، فضلاً عن السّياسة والاستراتيجيا، وتحظى الحركة بتأييد واسع جدّاً في أوساط الأردنيين على اختلاف خلفياتهم الأيديولوجيّة والمناطقيّة والدّيموغرافيّة، ولذلك كان المكتب السّياسي للحركة في عمّان منذ نشأة الحركة، وحتّى بعد إبعاد قادة الحركة من هناك لم تسع الحركة للتّجاوب مع أيّ فعل يقود للتّصعيد مع النّظام الأردني، وكانت تتحيّن الفرص لإعادة المياه إلى مجاريها، وكسب النّظام الأردني لصالح مشروعها التّحرّري، وإن لم يمكن، فعلى الأقل تحييده في معركة حياة أو موت كانت تخوضها مع أطراف دوليّة وأخرى إقليميّة، ولذلك يعتبر تجاوب الحركة مع الانفتاح الرّسمي الأردني على التّواصل معها حاليّاً ضمن تلك الرّؤية.

تدرك حركة " حماس" كما يدرك النّظام الأردني أنّ ما يسمّى بعمليّة التّسوية ماتت إلى غير رجعة، وقد تبنّى الأردن الرّسمي محاولة الانقاذ الأخيرة لتلك العمليّة قبل أسابيع، وتمخّضت تلك المحاولة عن صفر كبير، وشكّل ذلك إهانة بالغة للملك الأردني من قبل نتنياهو، وهناك رأي بأنّ تأجيل زيارة وفد " حماس" عدّة مرّات كانت بسبب مفاوضات الفرصة الأخيرة في عمّان.

 كما أدرك الأردن الرّسمي أنّ بحاجة لورقة ضغط بيده يقارع بها دولة الاحتلال في وجه محاولات تثبيت فكرة  " الوطن البديل" التي يتبنّاها قادة دولة الاحتلال، ولتحصين نفسه تجاهها كان لا بدّ له من التّقارب مع حركة " حماس"، بالاضافة إلى اعتبار التّقارب مع حركة " حماس" نوع من العقاب لدولة الاحتلال وللولايات المتّحدة لإفشالهما الجهد الملكي الأخير لإنقاذ عمليّة التّسوية.

بعض الأطراف ترى في تقرّب النّظام الأردني من "حماس" عبارة عن لعب بالأوراق لتجاوز محنة الأنظمة العربية في  " الربيع العربي" وأنّ هذا التّقارب ليس إلا رشوة لإخوان الأردن للتّهدئه مع النّظام في ظل تصاعد الحركة الاحتجاجيّة في الأردن، ويضربون مثلاً على ذلك  بالتّقارب المرحلي بين الطّرفين قبل وخلال الحرب على غزّة ( 2008-2009م)، والّذي انتهى مباشرةً بعد الحرب، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه من قطيعة.

بالنّسبة لرؤية حركة " حماس" لهذا الانفتاح فهي تدرك تمام الإدراك أنّ التّحوّلات في السّياسة الأردنيّة الرّسميّة ليست جوهريّة تجاه رؤية الحركة لطبيعة الصّراع وإدارته مع دولة الاحتلال، ولكنّ الحركة بحاجة لموطىء قدم على السّاحة الأردنيّة، فمعركة غزّة وصلت لمرحلة ميزان رعب أدّى لمحدوديّة قدرة الاحتلال على المبادرة هناك، والوضع جامد على الجبهة الجنوبيّة لأسباب إستراتيجيّة وأخرى تكتيكيّة، وتدرك الحركة أنّ المعركة مستعرة في الضّفة الغربيّة، وفي القدس تحديداً، وأنّ الضّفة وأهلها بحاجة لمد يد العون لهم في هذه المرحلة، وأفضل طريقة لذلك تكون من خلال الأردن، وهذا يتطلّب وجوداً للحركة في العمق الاستراتيجي للضّفة وهو الأردن، حتّى ولو كان محدوداً.

التّقارب الرّسمي الأردني مع "حماس" قد يقرّب المسافات بين حركتي "حماس" و"فتح" وقد يؤدّي لإنجاز ملف المصالحة نهائياً، فرئة الضّفة الغربيّة هي الأردن، وللأردن قدرة الآن على إنجاز المصالحة  بشكل كامل، ولعل الاحتلال  يدرك خطر المصالحة الفلسطينيّة وإمكانيّة فوز حركة " حماس" في الانتخابات القادمة بسبب تقدّم مشروعها السّياسي محلّياً وإقليميّاً ودوليّاً، وموت عمليّة التّسوية، ولذلك نجد كثافة في استهداف قيادات ونواب وناشطي حركة " حماس" في الضّفّة الغربيّة، وتدور التّحقيقات منذ مدّة مع عناصر ومناصري حركة " حماس" حول هويّة من سيترشّح للانتخابات الرّئاسيّة والتشريعيّة من قيادات الحركة، وواضح أنّ الاعتقالات لا تستثني أيّ احتمال!.

لا شكّ أن التّحولات الجارية في مصر خدمت مشروع التّحرير الّذي تتبنّاه حركة " حماس" بشكل قوي، ولكن التّحولات الجارية في الأردن - على محدوديّتها- سيكون لها أثر استراتيجي وآثار تكتيكيّة على معادلة الصّراع مع دولة الاحتلال في قادم الأيّام.