الإصرار والإرادة
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
يتميز الانسان عن باقي المخلوقات بالعقل الذي وهبه الله له , وبه فضله الله على كامل مخلوقاته , وإلى جانب العقل يمتلك الانسان الارادة , فالعقل إما يوافق الإرادة أو يمنعها عن الفعل , فعلى سبيل المثال :
عندما تمشي في الشارع , وشاهدت شخصاً يحتاج المساعدة , وهو لم يطلبها منك , إرادتك تقول لك سر وساعد هذا المحتاج , بينما تجد عقلك يردعك وكأنه يقول لك طالما لم يطلب المساعدة فاتركه في حال سبيله وامضي لهدفك الذي خرجت من أجله , ويحصل صراع بداخلك بين الارادة التي تحضك على فعل الخير , وبين العقل الذي يعبر عن حكمه على الأمر , من أن هذا ليس مهماً لك , فإن طاوعت إرادتك هنا , فهذا يعني أن ضميرك هو المحرك لفعلك وإرادتك .
إن المتتبعين للوضع السوري منذ بداية الثورة وحتى الآن , يجمعون على أن الثورة لايمكن أن تحقق أهدافها في اسقاطها للنظام , مالم يكن هنالك دعم عسكري خارجي , وتدخل بشكل مباشر .
في برنامج بانوراما على العربية اليوم , كان رأي خدام أنه لايمكن اسقاط النظام إلا بالتدخل العسكري الخارجي , بينما كان رأي القلاب , أن الجيش الحر والثوار قادرون على اسقاط النظام , ولكن التدخل الدولي يسرع في ذلك .
والسؤال ماهو رأي الثوار في الداخل ؟
من الأمور المهمة والواجب بحثها هنا , لكي نصل لجواب حقيقي عن السؤال أعلاه علينا البحث أولاً عن السبب الحقيقي الذي يجعل الارادة قوية أو ضعيفة , فالارادة تكون في أعظم حالاتها من القوة والتصميم , عندما يقتنع الانسان بداخله , أن عمله هذا سيكون سبباً لتحقيق هدف أسمى , وبالتالي لايهتم بالمصير الذي يهديه إليه عقله أن الطريق الذي تسير فيه , هو خطر على حياتك كلها , وهنا لايلتفت لخطاب العقل من التحذيرات المتكررة , وتجبر الارادة العقل على التفكير , من أجل إيجاد الطرق والوسائل لتحقيق الهدف الأسمى , الذي اقتنع بعلوه وسموه على الأهداف الأخرى ذات طابع تمتلك أقل اهمية عنده .
فالهدف عند الثوار هو: أن الحياة في سوريا من خلال خمسة عقود مضت , لم تتقدم خطوة واحدة للأمام , ونظام الحكم فيها لايراعي أي مصلحة من مصالح الوطن , ويحكم بالظلم , وعزل الخيرين وأصحاب الضمائر والخبرات , وإحلال مكانهم من سفلة المجتمع , همهم فقط الظلم والقهر وخزلان الأمة ومعاملة الشعب معاملة العبيد .
وتاريخ الشعب السوري عبر التاريخ البشري شعب حضاري يتماشى مع الحياة والتطور , في أن قدم الكتابة للعالم اجمع , وتاريخ الدولة الأموية وعلى أكتاف أهلها ,وصلت الفتوحات الأسلامية لكل قارات العالم القديم , وهو غاب عن الحضارة بضع قرون , فقد حان الوقت أن يكون فيها , وينعم بالحرية , ليكون مشاركاً في الحضارة البشرية , والتي تتكون ثقافة جديدة الآن قادمة من الشرق بعد , أن كانت تردنا من الغرب .
إن أهداف الثوار عالية جداً , وكما لاحظنا ونلاحظ , تلك الارادة عند الثائرين ارتقت لمرتقى عال جداً , تتناسب مع الأهداف التي تطمح لتحقيقها الثورة السورية .
بينما نجد في الطرف المقابل والمعاكس أن المدافعين عن النظام , فهم يدافعون عن منافع وقتية , وعن شخص زائل لامحالة , بينما الثوار يدافعون عن كيان وضعت أسسه , كيان أمة تمتد عبر تاريخ البشرية , وحاضرها ومستقبلها .
وبمقارنة بسيطة :
النظام والمحاربون معه , يعتمدون على القوة , وبدون أهداف أو عقيدة تجعل إرادتهم قوية ونفسياتهم عالية , ولو ضعفت أو تدنت عوامل القوة بأيديهم مستوى قليل جداً , سيجد نفسه أنه لايملك شيئاً , فليس عنده إرادة تسيره .
بينما نجد الثوار إرادتهم تفوق الوصف بوسائل قوة يملكونها كالجيش الحر البطل , أو بدون وسائل قوة بأيديهم كالمتظاهرين السلميين , والذين يتحدون كل عوامل القوة بإرادتهم فقط .
أعتقد أنني قد أجبت عن السؤال , من أن الذي سيسقط هذه العصابات الاجرامية هم الثوار وبقيادة هؤلاء الأحرار من الجيش الحر البطل , إن وجد التدخل الخارجي أم لم يوجد , وقريباً جداً بإذن الله تعالى .