السادات والتمرد الطائفي 2

السادات والتمرد الطائفي !

(2 - 2)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كان التمرد يأخذ مواقف رعناء ، وكانت البلاد تستعد لخوض معركة كبرى مع العدو ، وكان يفترض أن يكون شركاء الوطن على قلب رجل واحد ، ولكن الكنيسة المتمردة كان لها تفكير آخر ، ومنهج آخر .

حاول السادات أن يحتوي التمرد بأقصى درجات الصبر والتحمل ، من أجل خوض معركة عدت معركة تاريخية ، وعبَرتْ القوات المسلحة إلى الضفة الشرقية ، وكسرتْ ذراع الغزاة الصهاينة الطويلة ، وسعد الناس بالعبور ، وارتفعت الروح المعنوية لدى الشعب ، ولكن قيادة الكنيسة المتمردة ، لم تفرح وواصلت مخططها الشيطاني بفرض مطالب ، وافتعال مشكلات ، وتحريك الأذرع الشيطانية في أوربة وأميركا للتشهير بالمسلمين في مصر ، والحديث عن اضطهاد النصارى وحرمانهم من حقوقهم  .

الأخطر من ذلك كله هو فصل الطائفة عن محيطها الاجتماعي ، واستغلال ضعف الدولة بتحويل الكنيسة إلى حكومة موازية تتولى شئون أفراد الطائفة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ، وترعاهم في المجالات كافة ، وصارت أدبيات الوعظ والإرشاد تؤكد على أن النصارى هم أصحاب البلد وأن العرب المسلمين غزاة يجب أن يرحلوا عن مصر ، وهو ما عبر عنه بيشوى في تصريحاته المثيرة والشهيرة ( سبتمبر 2010) بأن المسلمين ضيوف على النصارى !

في أواخر أيام السادات كثرت حالات الصدام الطائفي مما دفع السادات إلى تحديد إقامة رئيس الكنيسة في وادي النطرون ، وتشكيل مجلس من كبار الكهنة لقيادة الكنيسة بقيادة الأنبا متى المسكين ، وهو ما لم يغفره رئيس الكنيسة لأستاذه متى المسكين ، فقد حاصره في حياته ومنع نشر كتبه وتوزيعها حتى وفاته ، وضيق على تلاميذه وحرمهم من الترقي والعمل الكهنوتي.

لجأ رئيس الكنيسة إلى القضاء ، ولكن القضاء أدانه في حكم تاريخي ؛ نشرته في كتابي " التمرد الطائفي : أبعاده وتجلياته – مكتبة الورد ، القاهرة ، 2011" ، وبيّن الحكم الأسباب التي تأسّس عليها ، وهي خطيرة بكل المقاييس لأنها تستهدف وجود الوطن ! ومع ذلك فإن نظام مبارك أعاده إلى رئاسة الكنيسة ، وكان يفترض أن يتراجع عن مخططاته الشريرة ، ولكنه استمر في العمل ، وفصل الطائفة عن المجتمع ، وزرع في العقول والأفئدة أن المسلم المصري عدوّ للنصراني مع أنهما أخوان يعيشان السراء والضراء معا منذ قرون طويلة ، ومع انبطاح النظام الفاسد صارت الطائفة فوق المجتمع والدولة .

وبعد هذا كله يحاول مثقفو الحظيرة ، وبعضهم كان خادما للأنظمة الثلاثة ، وعاش على حجرها ، ونعم بالفتات الذي كان يُلقى إليه ، أن يقومون الآن بدور المناضلين والثوار ، ويظنون أن الذاكرة الاجتماعية والثقافية ضعيفة إلى الحد الذي تنسى فيه كلامهم ونفاقهم وجرائمهم في حق الوطن والإسلام والمسلمين.. ثم يجدون في أنفسهم الجرأة ليقولوا إن التمرد الطائفي صنعه السادات أو إنه جريمة من جرائمه .

لقد عارضت السادات في حياته ، وكانت المعارضة في ذلك الوقت أمرا غير مألوف ، ومع ذلك أشهد أن السادات كان ضحية للتمرد الطائفي الفاجر الذي يستقوي بالولايات المتحدة ، والغرب ، ثم إن المجموعات العلمانية التي لم يعجبها قول السادات إنه رئيس مسلم لدولة مسلمة ، تكره الإسلام أصلا ، وتحاربه ، وبعضهم يفخر أنه قاد حرب الاستنارة ضد الظلام والظلامية ؛ أي قاد حرب العلمانية ضد الإسلام والإسلاميين ، من خلال المناصب والمهمات التي أسندت إليهم من جانب خصوم الإسلام في الدولة والمجتمع . 

 عندما قال السادات إنه رئيس مسلم لدولة مسلمة ، لم يرتكب خطيئة أو جريمة ، بل قرر حقيقة قائمة ، وهي أن مصر دولة إسلامية شاء من شاء وأبي من أبي ، وهو بوصفه مسلما فهو يرأس هذه الدولة ، وإن كان الكلام غير الأفعال . فالتطبيق الإسلامي الذي يقوم على منهج الإسلام في الحرية والعدل والعمل والسلوك والمعرفة والإتقان والتراحم والمودة لم يكن قائما بالصورة التي وضحها الدين الحنيف ، ومع ذلك فالقوم لم يحتملوا عبارة السادات ، وطاردوه بها ومازالوا ، لأن قضيتهم – إن صح التعبير – هي استئصال الإسلام لحساب التمرد الطائفي أو المخطط الماسوني الذي يجمع أشتات العلمانيين والشيوعيين والليبراليين والملحدين وأشباههم .

السادات مع تنازلاته الكثيرة للتمرد الطائفي ؛ إلى حد الموافقة على كتاب تربية دينية مشترك يدرسه طلاب الأغلبية الساحقة مع طلاب الأقلية المحدودة في المدارس ، لم يلق رضا الثقافة الحظائرية الفاجرة ، التي تصر على تحميله جريمة التمرد الطائفي ، بينما المتمردون الطائفيون يمرحون ويرتعون ، ويتبجحون بمطالبهم الابتزازية ويلقون العون من خدام الأنظمة ومثقفي الحظيرة . رحم الله السادات !