التدخل الأجنبي في سورية
نبيل شبيب
مسار الثورة بين عسكرتها.. وسلميتها.. والتدخل الأجنبي
قد يفيد لتكوين موقف متوازن وقويم حول التدخل الأجنبي دون تثبيت هذا الموقف مسبقا، ذكر بعض الأسس ذات العلاقة بهذا الاحتمال، ولا داعي هنا لذكر الأرضية الفقهية أو النظريات الحديثة، من وراء هذه الأسس، تجنبا للإطالة فقط:
1- سلمية الثورة: لا تعني الكلمة عدم استخدام القوة إطلاقا.. بل تعني أن "جماهير المتظاهرين المدنيين" باعتبار المظاهرات أحد أركان فعاليات الثورة، لا يحملون سلاحا، ولا يستخدمون القوة المسلّحة، ولا بد إذن من التمييز بين من يدعو إلى سلمية الثورة بصيغة مثالية (عدم استخدام القوة إطلاقا) وبين من يدعو إلى سلمية الثورة في
حدود عدم انتشار استخدام السلاح على صعيد المدنيين المتظاهرين تخصيصا.. ولا ينفي ذلك حق الدفاع عن النفس كما في حالة مداهمة البيوت الآمنة، وحالات أخرى.
2- عسكرة الثورة: لا تعني تسليح كل مدني.. أو تأمين السلاح للمدنيين، ولكن تعني اصطلاحا وجود فئة أو فئات شعبية تتسلّح وتستخدم السلاح، فتتحول إلى مجموعات مسلحة، وليست هذه مسألة بسيطة.. فلا تصحّ بصددها المواقف المتسرّعة دون التفكير بالأبعاد الموضوعية، فليس توافر السلاح هو الشرط الوحيد لخوض مواجهة مسلّحة، بل لا بد من
أن يوضع في الحسبان، تأمين أسلحة فعالة مناسبة لساحة المعركة، وتأمين التدريب الكافي لاستخدامها، وتأمين الموقف السياسي المسوّغ لها، وتأمين المممارسة الإعلامية لمواكبتها، وتأمين القيادة القادرة على توجيه مجراها، وتأمين الوعي الكافي لضمان تحقيق الأهداف بأقل قدر ممكن من الخسائر.. ففي هذا الإطار تزداد قيمة تحريم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
3- الحرب الأهلية: ما يتردّد تحت هذا العنوان بشأن الثورة السورية حاليا لا يحمل قيمة موضوعية إلا نادرا، فالحرب الاهلية عبارة عن سلسلة مواجهات مسلّحة بين فئات متمايزة، وأبرز خصائصها: القتل على الهوية أو الاتجاه السياسي أو للانتقام، وهذا في مقدمة المحظورات بجميع المعايير، بينما كان -ويجب أن يبقى- ما يميّز ثورة شعب
سورية، أنها ثورة شعب ضد تسلّط استبدادي قمعي، بغض النظر عن النسبة المئوية لكل فئة من فئات الشعب الواحد، في جبهة الثورة وفي جبهة الاستبداد، ولا علاقة للثورة إطلاقا بحرب أهلية، ولا باستهداف فئة بعينها، وإذا تحوّلت لأي سبب في هذا الاتجاه، فقدت مشروعيتها كثورة، مهما كانت الأسباب الأولى لاندلاعها مشروعة.
4- الجيش الوطني الحر: لا تندرج عمليات الجيش الوطني الحر في سورية تحت أي عنوان من العناوين السابقة، إنما يمثل ظاهرة ولدت أثناء الثورة نتيجة الشذوذ البعيد المدى في نوعية الهيكلية التي يقوم عليها الاستبداد القمعي، والتي جعلت "الجيش السوري" معتقلا ومضطهدا في قبضة حكم الميليشيات الاستخباراتية المسلّحة، ويجب تحريره..
كتحرير الشعب الذي يتبع الجيش له في الأصل. وهنا تبدو كلمة "انشقاق" بحدّ ذاتها شاذة وإن انتشر استخدامها، فمن تحرّر من الضباط والجنود من "المعتقل الاستبدادي" شأنهم شأن المدنيين الثائرين، وهم يملكون السلاح وإن كان قليلا والتدريب وإن احتاج لمتابعة، كما أنهم هم أنفسهم يواجهون خطر القتل والتصفية، فالحدّ الأدنى ممّا يسري عليهم هو حق الدفاع عن النفس، والحدّ الأوجب هو الدفاع عن الشعب الثائر الذي ينتمون إليه في الأصل، أما نوعية العمليات وكيفيتها فيجب أن يبقى قرارا في أيديهم، فهم الأعلم
بواقع ظروفهم وقدراتهم وواقع ما يستهدفونه من الآلة الاستبدادية القمعية غير المشروعة.
5- السياسيون.. والجيش الوطني الحر: صحيح أنّ مستقبل سورية لا يستقر دون أن تكون القوات العسكرية خاضعة للقيادات السياسية، ولكن لا يمكن تطبيق هذه القاعدة إلا بعد قيام سورية المستقبل كما يرجى لها أن تكون، أما في المرحلة الحالية من مسار الثورة، فلا تملك جهة سياسية ما، مشروعية جهة سياسية "حاكمة".. فهي ناشئة دون
انتخابات، بل وفق ضرورات الثورة، ولدعمها، وليس للوصاية عليها، فلا تتجاوز مهمتها المشروعة حدود العمل للانتقال من الوضع الراهن إلى بداية مرحلة انتقالية لتكوين الدولة، وإلى ذلك الحين لا ينبغي أن تكون علاقتها بالجيش الحر أكثر من علاقة تنسيق وتفاهم، باعتبار الطرفين من أجنحة الثورة، التي تمثل الفعاليات الشعبية الميدانية عمودها الفقري ومصدر مشروعيتها.
6- التدخل الأجنبي: انطلاقا من الواقع "القطري" لتكوين دول العالم بما في ذلك سورية يعتبر أي تحرك سياسي أو عسكري أو اقتصادي من جانب أي دولة تجاه ما يجري على أي صعيد داخل دولة أخرى، تدخلا في شؤونها، وهذا ما ينضوي تحت تعريف سيادة الدولة. وليست سيادة الدولة مطلقة، فكل توقيع على معاهدة دولية ينطوي على التخلي عن "قسط"
من هذه السيادة في إطار اتفاق جماعي بين الدول، ودخل في هذا الإطار حديثا ترسيخ قاعدة التدخل لأغراض إنسانية، أي لمواجهة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كالإبادة الجماعية، وممارسات التعذيب الممنهج، وغيرها. وفي حالة سورية يجب التمييز بين تدخل أجنبي عربي، أو إقليمي (بمشاركة تركيا مثلا)، أو غربي، عبر مجموعة دول غربية أو منظمة كحلف شمال الأطلسي، أو دولي أي بقرار من مجلس الأمن الدولي.. وفي جميع الأحوال يبقى ثابتا أنّ "قرار" التدخل، يقوم على المصالح الذاتية للدول ذات العلاقة وموازين القوى،
وليس على الالتزام الفعلي بنصوص قانونية دولية.
7- المراقبون: تحت أي عنوان من عنوان التدخل، تعني الكلمة وجود أفراد.. أو منظمات.. أجنبية، على أرض الدولة المعنية، يمارسون الرقابة دون عمل عسكري، ولكن يعتبرون تحت حماية أجنبية، فإذا تعرّضوا لعدوان ما، يمكن أن يتحوّل التدخل عبر المراقبين إلى تدخل عسكري.
8- حظر الطيران: صورة من صور التدخل العسكري الأجنبي، أن تضمن قوة عسكرية جوية أجنبية منع تحليق الطائرات العسكرية غالبا، فوق مساحة جغرافية جزئية أو شاملة لأرض الدولة المعنية، ولا تخوض عمليات قتالية إلا في حالتين: تحليق طائرات عسكرية، أو تشغيل محطات راداد استكشافية على الأرض مما يعتبر مقدمة لإطلاق سلاح أرضي مضاد
(صواريخ ونحوها) ضد الطائرات الأجنبية.
9- الحظر الجوي: صورة أوسع من حظر الطيران، ويبدأ تنفيذها عادة بتوجيه ضربات جوية مباشرة لجميع الأسلحة الدفاعية المضادة للطائرات والصواريخ الأجنبية، لتعطيلها، وتمكين الطائرات الأجنبية من التحليق دون أن تتعرّض لخطر ما.
10- التشويش الألكتروني: وهو صيغة أحدث من سواها لتدخل أجنبي، ويستهدف شلّ تقينيات التواصل العسكري وشبه العسكرية، بين مراكز القيادة ومواقع انتشار الأسلحة، ويشمل توجيهها للقيام بعمليات ما، فيمكن عن طريق شل قدرة الأسلحة الجوية والبرية والبحرية عن التحرك، ويمكن اعتباره الأقرب إلى تحقيق الهدف العسكري في مثل حالة
سورية، إذا صدقت نوايا صانعي قرار التدخل، دون أن يقترن ذلك بأغراض أخرى كضرب الطاقة العسكرية الدفاعية والهجومية، وبالتالي إضعاف دولة المستقبل، وليس إسقاط الاستبداد القمعي فحسب.
11- المنطقة العازلة: حظر العمليات العسكرية في مساحة من الأرض على الحدود غالبا، مع استخدام القوة عند الضرورة لتنفيذ ذلك، والقصد منها تأمين مأوى آمن للمدنيين، و/أو قواعد انطلاق آمنة لصالح القوة الوطنية المسلّحة ضدّ القوة المسلحة (ميليشيات.. أو جيش نظامي) تابعة لنظام حاكم كالاستبداد القائم في سورية.
12- الممرات الآمنة: تفرض عادة كطرق بين المناطق العازلة وسواها، بغرض تأمين المساعدات المدنية والحركة للمدنيين ولمنظمات الإغاثة والرقابة الخارجية.
13- التدخل العسكري الشامل: حرب شاملة، يمكن أن تطال جميع المنشآت العسكرية والتموينية الحساسة بما فيها المصانع والطرقات ومراكز القيادات وغيرها، وتخضع للقوانين الدولية أثناء الحرب، ويمكن أن تفضي عبر نزول قوات برية إلى "احتلال أجنبي".