جولة في إعلام عمليّة التّبادل

صلاح حميدة

[email protected]

دور الإعلام في تغطية أخبار مرحلتي عمليّة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينيّة ودولة الإحتلال كان لافتاً، ويستحقّ المزيد من الدّراسة والتّحليل، ولذلك لا بدّ من قراءة وتصنيف وسائل الإعلام وأدائها في تناول هذا الموضوع.

إعلام الإحتلال اعتبر أنّ هذه العمليّة كانت شرّاً لا بدّ منه وأنّ هذه كانت الفرصة الأخيرة لإطلاق شاليط على قيد الحياة خوفاً من أن يلاقي مصير رون أراد، وعمل على حصر ارتدادات تلك العمليّة على المجتمع إلاسرائيلي إلى أدنى درجاتها، وإظهار الإحتلال وكأنّه حقّق إنجازاً بدلاً من إظهار تراجعه أمام إصرار المقاومة وقدرتها، في حين اعتبر غالبيّة الكتّاب والسّاسة والمحلّلين السّياسيين في دولة الإحتلال أنّ هذه العمليّة تعتبر إنجازاً كبيراً للمقاومة الفلسطينيّة، معترفين بعجز دولتهم عن منع أسر الجندي، فعدم قدرة على معرفة مكان الأسير، وانتهاءً بعدم القدرة على تحريره بدون ثمن حرّيّة أكثر من ألف أسيرة و أسير فلسطيني.

إعلام حركة " حماس" تعامل مع مع عمليّة التّبادل بجدّيّة كبيرة واعتبر هذه العمليّة إنجازاً وطنياً كبيراً، واستضاف الكثير من الأسرى وعائلاتهم وأظهر حجم الفرحة الغامرة التي غمرت قلوب أهاليهم والمتعاطفين معهم، كما بيّن دور المقاومة في كسر معايير الإحتلال في الإفراج عن الأسرى عبر قاعدة " الأيادي الملطّخة بدماء اليهود" بالإضافة إلى تجنّب الإفراج عن أسرى حركتي " حماس" والجهاد الإسلامي في كل عمليّات الإفراج عن الأسرى منذ أوسلو وقصرها على أطراف معيّنة من الطّيف الفلسطيني، وعمل إعلام "حماس" على استضافة الكثير من المحلّلين السّياسيين الّذين أشادوا بقدرة "حماس" على الإفراج عن هذا العدد من المحكومين مدى الحياة من كافّة الفصائل الفلسطينيّة.

الإعلام الفضائي العربي قام بتغطية الحدث بمساحة أقل من المتوقّع، وهذا يعود لانشغال هذا الإعلام بتغطية ثورات العرب، بالإضافة إلى أنّ تغطية هذا الموضوع كانت تخضع لسياسات التّحرير لتلك القنوات وميول بعض المراسلين السّياسيّة، فقد عملت بعض تلك القنوات أو مراسليها على البحث عن نقائص وعيوب وانتقادات لعمليّة التّبادل واستضافة محلّلين معروف حرصهم على مناكفة المقاومة الفلسطينيّة وكانوا ضدّ عمليّة أسر الجندي من أساسها، ومنح هؤلاء مساحة مميّزة من التّغطية الإعلاميّة، بالإضافة لتطعيم التّغطية الإعلاميّة بمآسي عائلات أسرى لم يطلق سراحهم بطريقة تعمل على تفريغ منجزات العمليّة في عيون المشاهدين.

الإعلام  الفلسطيني انقسم بدوره حسب السّياسة التّحريريّة والميول السّياسيّة للأطراف التي تديره، فقد قامت الوسائل الإعلاميّة الّتي تجمع أصحابها مع حركة "حماس" في الكثير من المواقف السّياسيّة بالإشادة بالعمليّة ولكنّها كانت في بعض الأحيان تكيل لها بعض النّقد المبطّن أو الصّريح.

طيف آخر من الإعلام قام بتغطية الحدث بعدّة طرق، ففي الوقت الّذي لا يمكن إغفال أهمّيّة حدث كهذا وأثره على السّاحة الفلسطينيّة، قام هذا الطّيف من الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع بتغطية الحدث ولكن بطريقة أخرى، ففي جزء منه أظهر القليل من إيجابيّات العمليّة، وفي الشّق الأغلب عمل كل ما يستطيع للإنتقاص منها وتبهيتها، فقد تمّ التّركيز على معاناة وخيبة أمل أهالي الأسرى الّذين لم يتمّ إطلاق سراحهم، وتمّ إفساح مجال كبير لمن ينتقدون المقاومة الفلسطينيّة ويهاجمونها على خلفيّة عدم شمل العمليّة لأبنائهم وأقاربهم، فيما تمّ تجاهل موقف من أشادوا بالعمليّة حتّى ولو استثنت أبناءهم، وفي أفضل الأحوال تم إفساح حيّز قليل جداً لهم، كما تمّ اتهام المقاومة بقلّة الخبرة في التّفاوض والجهل بالأسماء والأرقام والحالات بالإضافة إلى اتهامها بأنّ هذه العمليّة فئويّة وشملت في أغلبها من عناصرها، مع أنّ هذا ادّعاء غير صحيح لكون العمليّة شملت عدداً كبيراً من الأسرى من كافّة التنظيمات، بل إنّ المرحلة الثّانية لم تشمل أسرى من حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، ولم يثر هذا استياء المقاومة ولا جمهورها، بل إنّ الكثير من جمهورها وقياديّيها وإعلامها أشاد بالحدث وأعربوا عن سعادتهم لرؤية الفرحة ترتسم على وجوه إخوتهم في الوطن، مثلما كانوا يفرحون لكل من أطلق سراحه في كل عمليّات الإفراج عن الأسرى السّابقة التي كانت تستثنيهم، المتابع لهذا الأداء الإعلامي يصل إلى خلاصة بأنّ نتاج هذا النّوع من التّغطية يهدف إلى إثارة الحنق ضدّ من عمل وأنجز عمليّة أطلاق سراح الأسرى، بدلاً من أن يشكر لدوره في كسر قيد هؤلاء وإدخال الفرحة إلى أكثر من ألف بيت فلسطيني.

من الواضح أنّ مفاوضات عمليّة التّبادل كانت صعبة وشاقّة كما قال المحرّر حسن سلمة لقناة "الجزيرة" الفضائيّة، مبيّناً أنّ التّفاوض على إطلاق المحرّر نائل البرغوثي استغرق ثلاث سنوات، معتبراً أنّ ما تمّ كان أفضل المتاح نتاج خمس سنوات من المفاوضات لتحرير أكثر من ألف أسير مقابل جندي واحد، بل ذهب الكثير من المراقبين إلى اعتبار عمليّة التّبادل بشقّيها أفضل من الكثير من العمليّات حتّى تلك التي تمّت بين الإحتلال والمقاومة اللبنانيّة، من ناحية العدد والنّوع، ولذلك فقد (أنجزت حركة " حماس " إطلاق سراح المئات من الأسرى بينهم الكثير من المحكومين مدى الحياة، والإفراج عمّن بقي من الأسرى في السّجون مسؤوليّة الجميع، ومن لا يعجبه ما قامت به "حماس" فليحرّر هو من بقي من السّجون، وهيّ الميدان يا حميدان) كما قال قيادي كبير في الحركة.

فإطلاق سراح كافّة الأسرى مقابل أسير واحد لم يكن ممكناً منذ البداية، وكان معروفاً سلفاً أنّ هناك من لا يمكن إطلاق سراحه في هذه العمليّة، كما بقي الكثير من رموز وقيادات "حماس" وعناصرها في السّجون، وقد كان بإمكان "حماس" أن تحرّر أسراها فقط في العمليّة كما قال أحد مسؤوليي التّفاوض في هذا الملف، لأنّ الإحتلال اقترح على "حماس" عبر الوسيط الألماني منذ البداية أن تتم العمليّة بأسرى من "حماس " فقط، ولكنّه قوبل برفض جازم .

المفكّر الفلسطيني عبد الستّار قاسم اعتبر أنّ من يهاجمون عمليّة التّبادل وينتقصون منها يفعلون ذلك من باب المناكفة فقط، قائلاً أنّه ( لو قامت "حماس" بإطلاق سراح كافّة الأسرى في العمليّة لانتقدها هؤلاء معتبرين أنّها لم تتفاوض على إطلاق سراح من لم يعتقل في المستقبل أيضاً) معتبراً أنّ هذه العمليّة حقّقت أفضل ما يمكن وطنيّاً، وتعتبر إنجازاً يضاف إلى إنجازات المقاومة الفلسطينية.

في الوقت الّذي كانت بعض وسائل الاعلام تسلّط الضّوء على ما تعتبرها نقائص العمليّة، كانت تحرص أحياناً على نسب أيّ إنجاز لأطراف أخرى غير حركة " حماس" فالشّكر والتّبجيل والإحترام يذهب لدور المخابرات المصريّة، ويتمّ تهنئتها على ( إنجازها)؟! وعندما يتمّ الحديث عن خبر موعد أو قائمة أسماء فينسب المصدر إلى أطراف لا علاقة لها بالعمليّة مطلقاً، أمّا الّلوم والتّقريع فلمن قدّم تضحيات هائلة كي يتنسّم أكثر من ألف أسير عبير الحرّيّة؟!.

من الممكن أن يطول الحديث كثيراً عن تفصيلات شقّي مشهد التّغطية الإعلاميّة لعمليّة التّبادل بمرحلتيها، ولكنّ أهمّ تغطية لها هو إعلام الواقع بالعين المجرّدة والأذن البشريّة والأحاسيس الإنسانيّة والمشاعر الوطنيّة الّتي سيجدها ويلاحظها المتابع ترتسم على وجوه عائلات المحرّرين والمحرّرين أنفسهم من مقابر الأحياء، هذا هو المشهد الّذي لا يمكن أن يخضع للمونتاج والإنتقائيّة والمناكفة الحزبيّة أو لميول المراسل أو توجّهات غرفة التّحرير، وهو ما ينفع النّاس بتحقّقه على الأرض.