النضال السلمي والثورة الحقيقية
د. هيثم الحموي
(كلام جواهر لمن فهمه)
بعد اعتقال أخي ووالدي قبل عشرين يوماً جاءني الكثير من الأحبة ليقولوا لي أن هناك كثيراً من الناس الآن يدفعون مبالغ مالية للمخابرات ليتم الإفراج عن أقاربهم وأبدى هؤلاء الأحبة استعدادهم لمساعدتي في أي مبلغ مطلوب.
شكرتهم وقلت لهم مختصراً أنني لا أومن بطريقة العلاج هذه وأن هذا سيشجع المخابرات والشبيحة على الاعتقال لأنهم سيرونها تجارة رابحة بدلاً من أن تكون حملاً ثقيلاً.
لكن هذه النصيحة جعلتني أفكر ملياً، هل نحن على وعي بمعنى الثورة التي نقوم بها. ألسنا نثور حتى نغير معادلات الواقع المرضي الذي عشناه لسنين طويلة والمبنية على المال.. (نحن نبتزك حتى تدفع، وأنت ادفع وافعل ما تريد!). كيف لثائر أن يرتضي بعد اليوم أن يرجع لمعادلات الماضي الساقطة! أبي اليوم حر وهو في معتقلاتهم ولا يقبل أن يرجع عبداً بأن يدفع لهم ويخرج لحرية مزعومة.
لقد جعلتني هذه النصيحة أتمعن بمبدأ رئيس من مبادئ الثورة السلمية، وهو أنها تقوم على إدراك المرء فينا أن تغيير واقعه قائم أولاً على تغييرنفسه ومفاهيمه. فمن أراد أن يتحرر من عبوديته فيكفي أن يقرر ذلك سواء كان في يده مسدس أو قنبلة أو كان عاري الصدر لا يحمل إلا إرادته في قلبه وإيمانه بحريته. أما الثورات المسلحة فكثيراً ما تجعلنا نربط بين حريتنا وبين ما نملكه في أيدينا من وسائل نتغلب بها على أعدائنا، فإن امتلكنا هذه الوسائل نلنا حريتنا وإن لم نمتلكها بقينا عبيداً حتى نمتلكها في قابل الأزمان.
من هو العبد وكيف يصبح العبد عبداً؟ العبد هو من ينفذ أوامر سيده دون مناقشة، وكل من ينفذ أمر آخر دون مناقشة أصبح عبداً له وإن لم يملكه بالمال. وبالمقابل من يمتنع عن تنفيذ كل ما أمر به أصبح حراً وإن كان مملوكاً بالمال. لذلك فقد تحرر بلال الحبشي حقيقة قبل أن يدفع ثمنه أبا بكر ويعتقه، لقد تحرر عندما أعلن أنه لا إله إلا الله رافضاً أوامر سيده بالكفر بمحمد، وبقي إعتاقه المالي تحصيلاً حاصلاً، فأي فائدة ترجى من عبد لا يطيع!
عندما تصبح حريتنا مستقلة عن أي شيء في الدنيا خارج نفوسنا فإننا سننالها فوراً، وأنا أقولها الآن: لقد سقط النظام عند كل من قرر أن لا يطيع بعد اليوم أوامر هذا النظام مهما كانت النتيجة، نعم سقط وتحطم ولم يبق إلا الإعلان الرسمي لسقوطه الذي سيأتي عاجلاً أو آجلاً. لقد سقط النظام عند كل طفل لم يقبل أن يضع صورة المجرم على دفتره حتى لو طردوه من المدرسة، وسقط النظام عند كل مجند أبى ان يقتل أهله حتى لو أعدموه، وسقط النظام عند كل أنثى كسرت حواجز الثقافة البالية وعنجهيات الذكورة وخرجت لتشارك في بناء سورية جديدة ينعم فيها أطفالها بالحرية والكرامة.
لست خائفاً إن لم يسقط النظام في عالم السياسة بسرعة إن وثقت أن صورة السفاح لن توضع من جديد على دفتر طالب، ولن ترفع من جديد في مكتب موظف، ولن تجد لها من جديد من يخاف منها، أما إن ربطنا حريتنا بأي شيء خارج ذواتنا فإننا سنبقى عبيداً حتى لو سقط النظام.
قد يكون ما أقوله مثاليات صعبة التطبيق لكن ألم يقل بمثلها شهيد درعا في بداية الثورة عندما قال لأهله: (لا تحزنوا علي فلقد عشت أجمل أربع أيام في حياتي) هل كان كاذباً أم كان رومانسياً؟! ربما اليوم كل من عاش شعور الحرية في بلدنا الحبيب يسيتطيع أن يقول مثله. اليوم سنزيل الرعب من قلوبنا وسنسقط النظام الآن، وسنعيش من اليوم وكأنه قد سقط، لأنه فعلاً قد سقط.