الثورة السورية في قلوب حائرة

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

جلست وبعض الأصدقاء نتحدث عن أهم الاحداث في في المنطقة العربية , كأحداث ليبيا وثورتها وما يجري في سرت من معارك طاحنة , وكذلك اليمن وثورتها الممتدة لتسعة أشهر قد مضت وهي لاتزال تراوح في مكانها , وكان كل الجالسين هم مع الثورات العربية , لذلك يرتسم على ملامح الجميع حزن عميق مع مسحة من  الأمل في المستقبل القريب , ولم تكن هناك أحاديث او مشاركات تدعو للضحك أو حتى الابتسامة المصطنعة  , الحيرة تلف الجميع , والحزن يعتصر في قلوبنا كلنا , ولكن في نفس الوقت كانت تصدر من قبل البعض , جملتعبر عن نوع من الأمل والطمأنينة بالغد القريب .

واقترح أحد الموجودين في أن تتحول الجلسة إلى جلسة أكثر حوية , في أن يكون هناك تسلسل وترتيب معين وأن يتحدث كل شخص بدوره ,موجهاً حديثه للجميع لكي يعبر عن أهم الأحداث التي رآها اليوم أو سمعها أو قرأها .

وبما أن الجلسة كانت في بيتي وهي لاتحمل صفة رسمية , ونحن خارج الوطن منذ وقت بعيد , فالوسيلة عندنا هي الاعلام المرئي والمسموع والمقروء ,وتوجه صاحب الاقتراح وقال :

لنبدأمن عندك يادكتور, قل لنا مالذي أبكاك اليوم ومالذي أفرحك , وهل مازلت على عهدك القديم في أنك من المتفائلين بنجاح الثورة في سورية  , أم تحول في داخلك لاحباط شديد ؟

رفعت رأسي المثقل بالهموم قليلاً وكأن الجميع يقول لي , بعد أن خطفت نظرة شاملة على وجوههم, نرجوك أن تجد لنا بصيص أمل من نور يخرج شعبنا السوري من محنته القاسية تلك

لنبدأ بهذه المقارنة البسيطة , فالفيلسوف الانكليزي (فرانسيس بيكون 1561 ) يقول : إن الناس من حيث مطامعهم ثلاث رجال , رجل يطمع في أن يبسط سلطانه على أمته وهو أوضع الثلاثة جميعاً , والثاني يطمع في أن ينشر نفوذه على أمة أخرى وهو أسمى من الأول وأنبل , والثالث يطمع في أن يكون الجنس البشري هو سيد الكون وهو أشرف من سابقيه وأرفع .

فلو قارنا هذا التعريف البسيط مع أطماع حكامنا في الدول العربية , فهي لايمكن أن تتعدى النوع الأول وحتى يتم له ذلك , فكل شيء عنده مباح من قتل وسفك دماء واستباحة الأموال والأعراض وتجويع العباد وتفريقهم وتمزيقهم وتحويل المجتمع من مجتمع متماسك لمجتمع يحكم بالقوة والحديد , وفي نفس الوقت الكل يتربص بالكل والشر يحيط بالجميع , لذلك نرى على سبيل المثال : أن مايجري في سورية الآن وهو امتداد لنفس الأسلوب منذ خمسة عقود , وقد بنى النظام سياسته على أن لا يتفاعل مع الدول الأخرى ليكون مماثل للصفة الثانية , ولم يحاول تجاوز صفة الرجل الأول أبداً, فجعل البلاد والعباد في أدنى مستوى لهما بحسب الترتيب العالمي , ولا يهمه إلا الحكم وأن يسجد له ويعبد , والشعب عنده هم العبيد .

لذلك فالربيع العربي يجب أن ينطلق من هذا المفهوم هو : النوع الثالث من الرجال  حسب تصنيف بيكون

وفي نفس الوقت نلاحظ شخصيات جامعية وأساتذة كباراً كما يدعون في تحصيلهم العلمي, ومنهم الذي أضحكني اليوم الأستاذ الجامعي بسام أبو عبدالله في مداخلة له على الجزيرة للتحدث عن الوضع الراهن في سورية , فقال إن القنوات الاعلامية كالجزيرة هي التي تحرض الشعب السوري على التظاهر , وهي التي تثير مشاعر الناس في عرضها لصور الأطفال والذين تم قنصهم من قبل قوات النظام السوري , وعلي الجزيرة أن تمتنع عن نشر تلك الصور المثيرة لمشاعر الناس , فعند هذا المعتوه قتل الأطفال بدم بارد ليس له معنى ولا يهز مشاعره, بينما الذي يهز مشاعره هو وصول حقيقة الجريمة للرأي العام حتى لاتتلوث سمعة من رضي أن يكون عبداً له ,كما يطلب من الجميع ان يكونوا عبيدا .

فقاطعني استاذ الفلسفة الدكتور أحمد الكردي قائلاً : هذا رجل يقول عن نفسه شبيح من الدرجة الأولى , ولكن لنأخذ مثال آخر على من يبدأ باسم الله , ويتعوذ من الشيطان ويطلق الآيات القرآنية تباعاً (أنس الشامي) , ومن ثم يهجم هجوم الكلب المسعور على جيفة يرى حولها مجموعة من الكلاب الضالة ليرفع مستوى الرجل الأول لمصاف النجوم في السماء , ويهجم على الضحية ويعتبرها هي المذنبة وهي القاتلة وهي المقتولة قبل أن تقتل .

فقال الطبيب أحمد :

كنت أتابع الصور التي تعرض على التلفزيون ظهر هذا اليوم , وسرح خيالي بمنظر شعرت فيه بداخلي بعاطفة غريبة لم أعهدها من قبل , كأنني أمشي في الطريق أبحث عن ولدي الوحيد والذي فقدته منذ أيام معدودة , وخلال هذه الأيام الماضية بحثت عنه في كل الأماكن وسألت عنه كل المراكز والمارة والجالسين في الطرقات , حتى فقدت الأمل في العثور عليه , وهمومي المتراكمة والخوف على طفلي المفقود يطهر أمامي فجأة معافى سليما   

فتصوروا معي هذا المشهد , فقد تعجز الكلمات عن تصويره , وتصوير مشاعر الأب في حينها , ولكن فجأة العيون تعبر عن ذلك في دموع تزرفها وبغزارة وبدون بكاء , هي دموع الفرح , هطلت من عيوني ,هي لحظة الحقيقة هاهو ابني الغالي هوبين يدي أضمه لصدري بحنان منقطع النظير , هو لم يكن ابني قد فقد من قبل  المظاهرة الكبرى  في حمصنا الحبيبة في حي بابا عمرو.

يتبع ......