حكايا في السياسة والأدب والممنوع 1
حكايا في السياسة والأدب والممنوع
الجريمة الكاملة
وقائع تنشر للمرة الأولى
عن مقتل فتى الشام فوزي الغزي
1 من 6
شمس الدين العجلاني
[email protected]
الزمان : عام 1929
المكان : قرية الريحان
الضحية : فوزي الغزي
المتهمون : لطفيه اليافي ، منير الغزي ، رضا الغزي ، وجيه الغزي 0
وراء الكواليس : الجنرال هنري بونسو 0
المقدمة :
يحفل تاريخنا السياسي بالعديد من القصص والحكايا عن جرائم ومؤامرات سياسية لم تنته بعد ، ولم تزل ملفاتها مفتوحة والتساؤلات والشكوك تحوم حولها ، ولا بد من إعادة فتح هذه الملفات لمعرفة من الجاني 0 ؟ ومن الضحية 0؟ ولماذا 0 ؟ ونستفيد من هذه الأحداث التاريخية الهامة التي عصفت بحياتنا السياسية في يوم من الأيام 0 نتساءل هل هنالك جريمة وراء وفاة الرئيس السوري الشيخ تاج الدين الحسني عام 1943 أم أنه كان صريع مرض مفاجىء حار فيه الأطباء ، من القاتل الحقيقي للزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر عام 1940 م ولماذا قتل 0!؟ من قام باغتيال قائد سلاح الجو العقيد محمد ناصر في عام 1950 وما هو الهدف من اغتياله 0!؟ ومن وراء اغتيال نائب رئيس الأركان العام في الجيش السوري ورئيس الشعبة الثالثة ( العمليات والتدريب ) وزعيم التيار القومي العربي الوحدوي في الجيش العقيد عدنان المالكي عام 1955 م0!؟ هل خطط زعماء سورية وأبناؤهم الأوفياء في يوم من أيام عام 1956 م لانقلاب مدعوم من السلطات العراقية ، فاتهموا بالمؤامرة الكبرى وحوكموا ولم تزل حكايتهم في مجاهل أروقة السياسة 0؟ وهل كان منير العجلاني أحد أهم أقطاب هذه المؤامرة ، الزعيم الوطني فوزي الغزي ذهب ضحية عام 1929 ، ولكن هل صحيح أن زوجته هي القاتلة أو هي الأداة أو هي لا هذا ولا ذلك 0؟ والأمثلة كثيرة وتاريخنا يحتاج إلى إعادة قراءة متأنية وبتجرد لعلنا نعرف خفايا الأيام الماضية نستفيد من لونها الأبيض ونبتعد عن لونها القاتم 0
كلمة لا بد منها :
كتب بعض الباحثين والصحفيين عن هذه الجريمة ، وأصدر هاني الخير كتاباً أسماه " نساء وعشيقات في حياة مشاهير وزعماء سورية " تعرض به لمقتل فوزي الغزي وقرأت أنه أدان الزوجة لطفيه اليافي في مقتل زوجها ، و كذلك كان قد كتب القاضي و الوزير يوسف الحكيم في كتابه " سورية و الانتداب الفرنسي " الصادر عام 1983 م ، حيث قال ان اغتيال فوزي الغزي " اغتيالا بالتسمم لأسباب عائلية بحتة ليس لها أدنى علاقة بالسياسة " .
منذ عشرات السنين ولطفيه اليافي موضع اهتمامي والزعيم فوزي موضع اهتمامي أيضاً لعبقريته النادرة ولوطنيته المتأججة ، فهو لم يكن يتجاوز من العمر الثلاثين حين كان أحد علماء زمانه وعظيم أقرانه ، فحين كان يترشح للمجلس النيابي كانت دمشق تخرج عن بكره أبيها مؤيده له و خاصة جيل الشباب و هذا لم يكن يحصل إلا لفوزي الغزي .
بدأت البحث عن مقتل رجل السياسة والأدب والحقوق فوزي الغزي ، ولا بد من الاعتراف في البدء أن المعلومات عن هذه الجريمة قليلة بل نادرة وتحتاج إلى عناء كبير ، وكلها تصب في منحى واحد وهو إدانة الزوجة 0 عدت إلى العديد من المكتبات الوطنية ، وإلى ما تكتنزه الذاكرة الشعبية عنها ، كنت أوفق أحياناً وأحياناً أخرى يصيبني الفشل ، ومنذ اللحظة الأولى كان ينتابني الشعور ببراءة لطفيه من دم زوجها ، و كنت ولم أزل أقف مطولاً عند قول رضا الغزي في محاكمة لطفيه و بصوت عال : " أنا الجاني الحقيقي00 ولطفيه بريئة 00 ولا علاقة لها بالأمر !!".
كتب قديماً وحديثاً عن هذه الجريمة ، وكانت دائماً أصابع الاتهام توجه إلى الزوجة 0!؟ وفي ذات مرة كنت أدردش مع المرحوم المحامي والكاتب نجاه قصاب حسن وتعرضنا في الحديث لجريمة القتل هذه فقال لي ، أنه يجمع الأدلة على براءة لطفية من دم زوجها ، وهو على قناعة بذلك ، وأذكر أنه كتب ذلك في أحد كتبه ، وهذا مما حرض لدي الشعور أكبر ببراءة الزوجة ، وأضف إلى ذلك حادثة إطلاق سراح لطفيه من السجن بأمر من الرئيس حسني الزعيم وبعلم وترتيب من وزير العدل آنذاك أسعد كوراني ، وأيضاً يذكر العديد من أقرباء ومعارف لطفيه أنها ظلت تقسم طيلة حياتها أنها بريئة ، وأقسمت وهي على فراش الموت ويدها على القرآن الكريم أمام كل أفراد عائلتها أنها بريئة 0 كل ذلك عزز لدي القناعة ببراءة لطفيه اليافي من جريمة قتل زوجها فوزي الغزي 0
فوزي الغزي :
فوزي الغزي هو ابن إسماعيل بن رضا بن إسماعيل بن عبد الغني الغزي العامري الدمشقي السياسي السوري الذي اشتهر عبر التاريخ بأنه واضع الدستور السوري ( أبو الدستور ) ، ولد بدمشق عام 1891 وتوفي في 6 تموز عام 1929 م مسموماً ، درس في دمشـق والمعهد الملكي العـالي في الآستانة ( اسطنبول ) 0 كان ضابطاً في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى وحارب في القفقاس والعراق حيث أصيب في أذنه ، عين زمن الملك فيصل ( 1918 – 1920 م ) قائم مقام راشيا ، وحاصبيا على التوالي ، ثم أميناً لسر وزارة الداخلية ، وبعد الاحتلال الفرنسي لسورية عمل في المحاماة ، ودرس القانون الدولي في معهد الحقوق بدمشق 0 انتخب نائباً عن دمشق عام 1928 م ، و فاز بأمانة سر المجلس واختير مقرراً للجنة المكلفة بوضع دستور البلاد والتي شكلتها الجمعية التأسيسية عام 1928 ولعب دوراً أساسياً في إعداد وصياغة الدستور ويقال أنه أنجز وضعه خلال أسبوعين ، كان معارضاً شرساً للاحتلال الفرنسي فذاق مرارة النفي والاعتقال والتعذيب مرات عديدة في جزيرة أرواد والحسجة ( الحسكة ) ودوما والحدث ( في لبنان ) ، وكان من نتيجة معاناته في الاعتقال أن فقد أضراسه وأسنانه وابتلاه الله بأمراض شتى سببها التعذيب والتغريب 0 ترك لنا الغزي العديد من المؤلفات والدراسات في السياسة والحقوق ، منها " حقوق الدول العامة " ولا يخفى على المتابع لسيرة حياة الغزي أنه كان سيد المنابر ما بين سورية ولبنان وله مريدوه الكثر من الأوساط كافة السياسية والثقافية والطلابية 00 وكان آخر خطاب ألقاه الفقيد من على منابر الخطابة عن : ( وطنيتنا عربية لا إسلامية ولا نصرانية ) وذلك في الثالث والعشرين من حزيران سنة 1929 م في الجامعة الوطنية في عالية ( لبنان ) وبعد الانتهاء من الخطاب حمله اللبنانيون على الأكتاف وهم يهتفون للوحدة السورية 0
لطفية اليافي :
عائلة اليافي عائلة كريمة عريقة يعود لقبها نسبة إلى مدينة يافا في فلسطين ، وتعود جذور العائلة إلى أشراف مكة المكرمة ، وهي من العائلات الكبيرة المنتشرة في أنحاء عدة من سورية والوطن العربي ، ومن هذه العائلة تزوج الزعيم الوطني فوزي الغزي بصبية جميلة راقية بعمر الورود اسمها لطفيه من مواليد مدينة حمص عام 1905 م ، وتصف ناديا خوست لطفيه اليافي بقولها :" طويلة ملفوفة بملاءة سوداء لا تكشف حتى وجهها !" وأنجبا ولدين هما دلال وخلدون ومن ثم أنجبت لطفيه طفلة في السجن أسمتها حبيسة وبعد فترة غيرت اسمها إلى ( ع ) وحتى عام 2008 م كانت ( ع ) لم تزل على قيد الحياة حسب ما ذكرت لي إحداهن 0 وابنته دلال كانت لها الحظوة لدى والدها ، و كانت مقربة جداً له حتى أنها زارته في منفاه في منطقة دوما في لبنان وكان ذلك عام 1927 م وهي ابنته البكر 0
كان الغزي يلقب بأبي خلدون، الصبي الوحيد له ، وكان يقدس الحياة الزوجية ، ففي رسالة أرسلها إلى قريبه لطفي اليافي بتاريخ 21 / تشرين الثاني / عام 1927 ذكر فيها : ( عليك أن تفهم أن الرجل إذا تزوج من امرأة أصبحت المرأة ضلعاً من أضلاعه وأن الإنسان كيف أنه لا يبحث في الابتعاد عن رأسه أو يده كذلك الرجل لا يبحث في الابتعاد عن زوجته ورفيقة حياته ) 0
قضت لطفيه اليافي عشرين عاماً في سجن قلعة دمشق بتهمة قتل زوجها ، و خرجت من السجن بأمر من الرئيس السوري حسني الزعيم ، وقضت بقية حياتها في الظل والحسرة على جريمة لم ترتكبها ، لكنها ذاقت حممها وتحملت من شغف الحياة ما لم تتحمله الجبال ، وقيل أنها اضطرت لتغيير اسمها بعد خروجها من السجن واسم ابنتها التي ولدتها في السجن ، وقيل أيضاً أن ابنتها هذه و اسمها ( ع ) تزوجت من أحد الأسماء اللامعة بدمشق في مجال القضاء ، لم يعرف الكثير بل لم يعرف أي شيء عن حياة لطفيه بعد خروجها من السجن ، و لكن ذاكرة أهل دمشق وخاصة ذاكرة نسائها تحمل الكثير من حكايا هذه " المظلومة " وما أذكره هنا من معلومات مصدره ذاكرة عدد من نساء دمشق 0
يتـــــبــع