عن الترجمة والأدب
عن الترجمة والأدب
يسري الغول
أعلن مجلس البحث العلمي التابع لوزارة التربية والتعليم العالي قبل أسابيع قليلة عن جائزة لترجمة الكتب العلمية، سعياً للنهوض بالبحث العلمي ومواكبته لكل ما هو جديد. فقد اعتبر منظمو تلك الجائزة أن البحث عن النوعية والإسهام في تطوير حركة التأليف والترجمة وإثراء المكتبة المحلية والعربية بالكتب العلمية الحديثة يعد أحد أهم الطرق للوصول إلى مجتمع ناضج وناهض ومستنير، قادر على تجديد العملية التعليمية وإرفادها بكل ما يتناسب مع واقعها الجديد.
وقد كنت أرجو أن تقوم وزارة الثقافة أو المؤسسات المحلية الثقافية بالدعوة لمثل تلك الجائزة في سبيل الحصول على جديد الفكر والمعرفة في مجال الأدب والفن والسينما ونشر تلك الثقافات بين جمهور المجتمع المحلي، فبرغم أن العولمة نجحت في تغيير كثير من المفاهيم واخترقها كل الحواجز إلا أنها توقفت عند جمهور المجتمعات العربية في مجال الترجمة نظراً للحالة الواهنة التي تعيشها الثقافة العربية.
والمتتبع لواقع الترجمة سيكتشف بأن الدول العربية في ذيل الأمم في ذلك المجال الحيوي والمهم، فبرغم أن لغتنا العربية تحتل المرتبة السادسة من حيث عدد الناطقين بها، بعد الصينية والإنجليزية والهندية والإسبانية والروسية إلا أنها في واد سحيق بعيد عن واقع التطور العالمي اليوم. وذلك يؤشر بواقع الحال الثقافي العربي للأسف.
ومن خلال تصفح بعض المواقع والدراسات التي ترسم رؤية لواقع الترجمة في العالم العربي، سيدرك القارئ بأن اليابان وحدها تترجم ما يفوق 30 مليون صفحة سنوياً، في حين أن ما يترجم في العالم العربي، هو خمس ما يترجم في تلك الدولة. وما يزيد من الألم والقسوة هو اكتشاف بأن ما تم ترجمته إلى اللغة العربية منذ عصر الخليفة المأمون حتى آخر إحصائية ربما تساوي ما تترجمه إسبانيا وحدها في عام. فهل عرفنا لماذا يتقدمون ولماذا نتراجع؟
والمؤسف أيضاً أن الحديث عن الترجمة سيقودنا للتشعب والحديث عن أشياء أخرى ربما تكون أكثر أهمية من الترجمة ذاتها.
إن الأمة تتراجع لأنها أهملت العلوم والمعارف والثقافات. وانشغلت بتوافه الأشياء على حساب ما من شأنه أن يقودنا نحو الرقي والنهضة والحضارة؛ فلو تتبعنا على سبيل المثال حالة المواطن العربي اليوم، لاكتشفنا بأنه يقضي معظم نهاره وليله على شاشات الانترنت والتلفاز، لا يبتغي بذلك علماً أو معرفة، وإنما دردشة تقتل الوقت وتهدر كل طاقات البشرية على أعتاب هذا العالم الافتراضي الذي فضح أمراضنا وكشف مقدار ما نعانيه من كبت وفراغ وجهل وفشل.
ولعل موضوع الترجمة يقودنا لأشياء كثيرة بحاجة لمراجعة ومعالجة. ولكن ما يهمنا الآن، هو ما يمكن أن نقدمه من أجل نجاح مشروعنا الوطني الذي لن يتم بدون دراسة واقع الأمم ومعرفة تاريخها وأساطيرها، والوقوف على أعتاب الماضي للاستفادة من الحاضر واستشراف المستقبل حتى نحقق جيلاً واعداً مثابراً وقادراً على تحقيق ما عجز عنه السابقون.