العناصر الجديدة لقياس قوة الدولة المعاصرة

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

لقد اصبح من السذاجة والجهل الفكري ان نقدم في ابحاثنا حول قوة الدولة تلك العناصر القليدية التي كنا نقيس من خلالها  ضعف الدولة او قوتها وتحديد ما اذا كانت الدولة اداة فاعلة ولاعب رئيسي على الساحة الدولية ام لا ، فالتغيرات هائلة والتطورات كبيرة لدرجة انه اصبح من الصعب ملاحظتها ومتابعتها من قبل الباحثين والدارسين في هذا المجال ، لقد كانت قوة الدولة في الماضي تقاس بموقع الدولة ومساحتها وعدد سكانها ... الخ  وهذا العناصر على الرغم من اهميتها الا انها  اصبحت تترااجع وبشكل واضح امام العنماصر الجديدة التي سنفصلها ومن اجل ذلك نبرز دور العوامل التقليدية المؤثرة في تحديد قوة الدولة  ، فالموقع مثلا له أهمية كبرى بالنسبة للدولة حيث أنه يجسد شخصيتها ويحدد اتجاهات سياستها فمثلاً الدول التي لها سواحل وحدود بحرية وانفتاح باتجاه المياه تكون أكثر اتصالاً بالعالم وتتمتع بعلاقات تجارية وسياسية نشطة مع الدول الأخرى وقد تنبهت الدول إلى مثل هذا الموضوع فحاولت باستمرار السيطرة على المياه والبحار من أجل استمرار تجارتها وبالتالي انعكاس ذلك على اقتصادها وقوتها ومكانتها الدولية.

والمساحة: عامل مهم من العوامل التي تحدد مكانة الدولة في العلاقات الدولية فالمساحة الكبيرة تعطي الدولة ميزة مهمة وتجعلها عظيمة ومهابة الجانب من قبل غيرها مقارنة مع الدول صغيرة الحجم، ولكن هذه المساحة إذا تناسبت مع عدد سكان كافي وشعب متحضر ومتطور فإنها تكون عاملا إيجابيا ومؤثرا في دعم موقف الدولة وزيادة هيبتها أمام العالم ،

واما الحدود فان لها تأثير كبير في العلاقات بين الدول سلباً أو إيجاباً حيث أنه إذا طالت الحدود بين دولتين وكانت علاقاتها قوية فإن ذلك يساعد في فتح أبواب الاستيراد والتصدير وانسياب البضائع ورؤوس الأموال وحرية الحركة التجارية مما ينعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي لكلا الدولتين كذلك ينعكس طول الحدود سلباً إذا كانت العلاقات متوترة بين الدولتين، أما من الناحية العسكرية فان طول الحدود ينهك الخصم ويتطلب من مهارة وقوة تحمل وإعداد هائلة من القوات لنشرها على هذه الحدود

ومن العوامل التقليدية الهامة السكان ، فالسكان عامل مهم من عوامل قوة الدولة ومدى احتلالها مكاناً متميزاً في المجتمع الدولي فحجم السكان يلعب دورا كبيرا في ذلك حيث أن عدد السكان إذا كان كبيراً وترافق بعوامل أخرى أهمها:المستوى التعليمي والتقني الذي وصل له السكان والتماسك الاجتماعي والابتعاد عن التفرقة بين الأجناس والأعراق وسيادة التسامح بينهم والترابط الروحي والمعنوي فإنه يشكل عامل قوة تجعل الدولة متفوقة وقوية ولها مكانة مؤثرة في العلاقات الدولية أما إذا كان العكس فإن النتيجة ستكون معكوسة أيضا.وكذلك  القوة  العسكريه: حيث لا يستطيع أحد إغفال أو انتقاص الدور الهام والمؤثر الذي تلعبه القوة العسكرية في العلاقات الدولية فبناء القوة العسكرية ضروري جدا لكل دولة وذلك لكي تحافظ على أمنها القومي وتحمي مقدراتها وتحقق أهدافها فامتلاك السلاح أمر ضروري لكل دولة وبه تقاس أهمية الدولة وقوتها وقدرتها على فرض نفسها على خريطة العلاقات الدولية كعنصر فاعل ومؤثر.

واما في عالمنا المعاصر،  ما عاد مفهوم قوة الدولة  يرتبط، فقط، بمساحة الدولة وعدد سكانها، ومواردها الاقتصادية، وقوتها العسكرية. ومن دون التقليل من أهمية الميزات المذكورة، فإن عوامل قوة الدول، في عصر الثورة العلمية التكنولوجية، باتت أعقد، وأوسع من ذلك بكثير. بل انها وحسب ما يرى الباحثون مستجة ومتطورة ومتغيرة حسب الزمان والمكان  ولعل ابرز المؤثرات في نشؤ العوامل الجديدة الؤثرة في قوة الدولة هي  تأثيرات العولمة حيث ساهمت العولمة في  تسارع وتوسع التاقير المتبادل بين الدول مما جعلة أكبر بكثير من ذي قبل، بحيث أن ما يحدث داخل دولة معينة بات يبلغ تأثيراته دولة أخرى. ومعنى ذلك أن مسارات العولمة هذه عززت من تآكل مجال السيادة الدولة الوطنية، لصالح الدول الكبرى المهيمنة على وسائل العولمة (التكنولوجية والمالية والعلمية) ومساراتها؛ ويحصل ذلك خصوصا في المجالات الاقتصادية والسياسات المالية، وفي المجالين السياسي والأمني أيضا.

هكذا لم تعد كل دولة في عصر العولمة،  قادرة على التفرد بسياساتها الخارجية، أو القيام بأنشطة أمنية داخل حدودها أو خارجها، من دون مراعاة تأثير ذلك على النظام الدولي؛ وبذلك فإن مسارات العولمة خلقت علاقات قوة جديدة وحدت من مجالات قوة الدول وقلصت من سيادة الدولة .

وقد وضع بعض الباحثين مقياسا ومنهجا لقياس قوة الدولة ضمنه الجوانب التالية التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد قوة دولة ما  :

1 - قوة الدولة ذات طبيعة نسبية وليست مطلقة.

2- قوة دولة ذات طبيعة مؤقتة وليست دائمة.

3- قوة الدولة ظاهرة علائقية.

4- يختلف قياس قوة الدولة من وقت لآخر ومن حالة لأخرى.

وبناء على ما سبق فانه يمكننا تحديد العوامل التالية كعناصر مستجدة تحدد من خلالها قوة الدولة المعاصرة :

اولا : وسائل الاعلام والاتصال الحديثة: فمنذ نهايات القرون الماضي بدأ العالم يشهد ثورة غير مسبوقة فيما يتعلق بموضوع الاتصال وثورة المعلومات حيث وولدت عناصر اتصال واعلام جديدة كان لها الاثر البارز في قلب موازين القوى وتغيير شكل خارطة العلاقات الدولية  ، حيث  تشير الوقائع الى ان الاعلام اصبح اليوم عنصرا هاما وفاعلا من عناصر تحديد قوة الدولة ومتانتها ومكانتها على خارطة العلاقات الدولية وتطور حتى  أصبح الإعلام وكيفية تطويعه لتكنولوجيا الاتصال عنصراً هاماً من عناصر تقييم القوة الشاملة للدولة ، وبالتالي تقييم قوة الدولة المتحكمة في النظام الدولي .فالدولة التي تمتلك ناصية الاعلام هي اقوى من غيرها  ، وقد ظهرت قدرة الاعلام على التحكم في مجريات الامور السياسية في الدول بعد تغلغل وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي كبعض المواقع الاجتماعية الهامة مثل الفيس بوك وتويتر وغيرها ، حيث لعبت - وما تزال-  هذه المواقع دورا هاما في تغيير مجريات الحياة السياسية والاجتماعية في كثير من الدول والامثلة الحية كثيرة وعديدة .

ثانيا : الموارد البشرية المؤهلة : لقد اصبحت الموارد البشرية والطاقات الانسانية المدربة والمؤهلة والقادرة على التجاوب مع معطيات العصر هي عنصر هام من عناصر قوة الدولة ، فهناك دجول عديدة تمتلك مئات الملايين من السكان ولكنها ليست عنصرا فاعلا في العلاقات الدولية بينما هناك بعض الدول القليلة العدد من السكان كاليابان مثلا تلعب دورا بارزا كلاعب رئيسي ومهم في العلاقات الدولية بل ان قدراتها التقنية وعقولها المدربة منحتها قوة سياسية هامة على الصعيد الدولي .

وقد بدأت الدول تدرك اهمية العنصر البشري المدرب ودورة في منح القوة من عدمها حيث بدأت تضع الخطط الاستراتيجية للعناية بالعنصر البشري من خلال الدورات التدريبية التي تعزز من ثقافته ومعرفته اضافة الى التخصص الاكاديمي الذي ينبغي ان يحصل علية الفرد الذي يقوم بانجاز عمل ما ، وقد بدأت الدول تسعى ايضا الى القضاء على الامية وايجاد مجتمع مثقف متعلم لان العلم هو اساس التقدم والقوة السياسة والاقتصادية والعسكرية .

ثالثا: الادارة الرشيدة:

تلعب الادارة الرشيدة اليوم دورا مهما في تحدي قوة الدولة وتعزيز مكانتها على خارطة العلاقات الدولية حي ان الادارة الرشيدة التي تمارسها كفاءات بشرية مدربة وقوية وصالحة تساهم في تحقيق الاصلاح بكافة انواعه الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبالتالي تسهم في منح الدولة القوة المنشودة وجود الادارة الرشيدة  ينفي الفساد    حيث لا مكان للفساد مع الادارة الرشيدة  حيث ان إلادارة الرشيدة للدولة هي متطلب هام واساس ضروري لمنحها القوة ويعرف  البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مفهوم الحكم الرشيد (الصالح) بانه هو ذاته مفهوم إدارة المجتمع والدولة والذي يعني: ممارسة السلطة السياسية والإقتصادية والإدارية لتنظيم شؤون الدولة (كمجتمع وسلطات وإقليم جغرافي). وتتمثل أبعاد الحكم الصالح في حكم القانون والشفافية والإستجابة والمشاركة والإنصاف والفعالية والكفاءة والمساءلة والتنمية وذلك ضمن رؤية ستراتيجية مرنة ومتكاملة. ومن متطلبات الادارة الرشيدة للدولة والتي تساهم في تعزيز مكانتها في العلاقانت الدولية  مايلي:

حاكمية القانون وسيادة المؤسَّسات الدستورية، فالدولة الناجحة والصالحة هي دولة القانون الضامنة للعدالة والمساواة والتكافؤ بين كافة رعاياها دونما أدنى تمييز، وهي دولة المؤسسات الشرعية المتجذّرة والمنضبطة دستورياً .

 السلطة المختزَلة والحكم الكفوء، فمن غير الناجح والعملي تضخم دور الحكومة عن طريق تدخلها غير المبرر والشامل في الحياة المدنية، فهي لا تعدو أن تكون سوى هيئة إدارة فعّالة لإدارة العملية السياسية والإقتصادية.. ولا تملك الهيمنة والتّسلّط على الإنسان والمجتمع بما يُصادر خصوصيتهما وفاعليتهما وإبداعهما.

 فاعلية المجتمع المدني وحركية مؤسساته الإقتصادية والإعلامية والثقافية والفنية والأدبية، إنَّ خلق حركية إجتماعية خلاّقة تتم من خلال منح الحريات الهادفة وتوسيع صلاحيات الفرد والمجتمع لممارسة سلطاتهما وتفجير طاقاتهما نحو الإبداع والتنمية والتقدم .

  إنَّ الشكل الأمثل لإدارة كيان الدولة يقوم على قوة وسيادة قوانينها ومؤسساتها، وقوة مجتمعها وفاعليته وحركيته، وبإضعاف قبضة الحكومة عليه لضمان خلق حركية الإبداع والتطوّر المجتمعي الذاتي. لإنتاج الحكم الصالح أو الرشيد لابد من إدارة صالحة للدولة. إن الإدارة تعبير عن قدرة الدولة -من خلال سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية- لقيادة المجتمع بنجاح وتطوّر في إطار سيادة القانون، وبالتالي هي تعبير عن قوتها ومكانتها في العلاقات الدولية .ان قوة الدولة ونظامها السياسي الديموقراطي يعني تعزيز قوتها ومكانتها الدولية ويشهد العالم اليوم موجة من سعي الانظمة والشعوب لزيادة قوتها الادارية لانها تدرك اهميتها ودورها في منحها القوة السياسية .

رابعا : العامل الاقتصادي :

الاقتصاد هو اساس القوة وبدون القوة الاقتصادية لن يكون هناك قوة سياسية ، وبالقوة الاقتصادية تحتل الدول مكانه مرموقه في المجتمع الدولي ، القوة الاقتصادية هي اسا القوة العسكرية ايضا ، لان متطلبات القوة العسكرية تخحتاج الة ميزانيات ضخمة لا تستطيعها كثير من الدول والعامل الاقتصادي بات اليوم هو اسا التفرقة بسين الدول وتصنيفها بين متأخرة ومتقدمة ،يضاف لذلك ان الاقتصاد هواساس التقدم العلمي والتقني لان العلم والابحاث والدراسات التي تمد الدولة بمقومات القوة تحتاج الى ميزانيات ضخمة ايضا ، وهاهو المجتمع الدولي يعطينا امثلة على نماذج الدول القوية اقتصاديا والتي ساهمت قوتها الاقتصادية في تجحويلها الى قوة سياسية وعسكرية مهابة الجانب . يضاف لذلك ان الدولة القووية اقتصاديا تستطيع ان تساهم في تقديم القروض والمساعدات للدول الضعيفة والصغيرة مما يعزز من مكانتها في العلاقات الدولية .

خامسا :  العامل التكنولوجي:

     باتت التكنولوجيا اليوم هي اساس كل شيء ، حيث ساهم العامل التقني في احداث ثورة شاملة عامة في مجال العلاقات الدولية حيث أصبح هو الخط الفاصل في  ميزان في العلاقات الدولية من حيث تصنيف الدول بين عالم متقدم و آخر متخلف ، كما أدخلت الثورة التكنولوجية أساليب جديدة في الإنتاج و ساهمت في زيادة القدرة الاقتصادية للدول ، و بصفة عامة وفرت التكنولوجيا أفضل  الوسائل لاستغلال الإمكانيات الطبيعية ، المادية و البشرية المتاحة للدولة كما ساهم التقدم التقني في زيادة القوة العسكرية حيث أصبحت تقاس قوة الدولة  بمدى قدرتها  على  إنتاج الأسلحة.اضافة الى انها ساهمت في ترقية السكان ترقية كيفيه ، ومن ناحية أخرى أثر العامل التكنولوجي على الدبلوماسية و أضحت ميكانيزمات اتخاذ القرارات على مستوى الدول و المنظمات أكثر وضوحا .

وفي الختام يلاحظ ان عوامل قوة الدولة متغيرة ومتجددة حسب ظروف الواقع الدولي برمته وهذا ملا حظناه من تبدل في عناصر القوة وتغيرها من زمن الى اخر حيث  أنه لم يعد بمقدور الدولة ان تثبت مكانتها وقتوها  كقوة إقليمية، أو دولية، بالاعتماد فقط على عوامل القوة التقليدية، حيث اصبح من الضورةي امتلاكها لمقومات القوة العصرية المتمثلة بامتلاك ناصية العلوم والتكنولوجيا، لانهما اصبحا المصدر الأساسي للثروة، وعلامة أساسية من علامات تقدم الدول ومواكبتها تطورات العصر. كذلك فان من مقومات قوة الدولة المعاصرة اليوم هو وجود نظام سياسي مستقر اضافة الى وجود مجتمع مدني  متحضر متقدم فاعل ومتفاعل في الحياة السياسية والاجتماعية.