نحن والتغيير
إيلاف العباسي
[email protected]
إنّ من أكثر ما يُشغل الناس في كل وقتٍ وزمان وحالٍ ومكان : التغيير , فنرى الكثير منا بني البشر ننشغل بالبحث عن الجديد في حياتنا من مظهرٍ وملبس , ووظيفةٍ وكماليات , فمن له وظيفةٌ يسعى للبحث عن أفضل أجراً منها , ومن له سيارةٌ يبحث عن الأكثر رفاهيةً منها , وهكذا في سائر نواحي الحياة الأخرى ,
إلى الحد الذي وصل عند الكثير ممن حولنا إلى أنه صار يبحث عن التغيير حتى في خِلقته من خلال عمليات التجميل والتغيير لخلق الله .
فطبع الإنسان يبحث عن الأكمل والأجمل وما يظنه الأسعد في حياته ولحياته , والكثير من هذا لا باس به طالما أنه يبحث عن ذلك في الحلال ومن مصادر أباحها الله وأجازها الشرع .
ولكن ومع كل هذا التغيير والسعي الحثيث له إلا أن الكثير منا له جانبٌ كبير من التقصير في تغييرٍ هو الأهم والأحق من كل نواحي التغيير الأخرى , وهذا التغيير الذي أقصده هو : تغيير علاقتنا مع الله سبحانه .
فالكثير منا من يعيش ويموت من غير أن يُفكر للحظة بجانب تقصيره في طاعة الله وكسب رضاه , حتى تتحول حياتنا مع الله سبحانه إلى روتين يومي , فتصبح الصلاة روتين وكذلك صلة الأرحام وكذلك قراءة القرآن , مع العلم أن كل أعمال الخير وإن كانت واجبة إذا ما إن انعدم منها النية بأنها لله تعالى فينعدم منها جانب الأجر والثواب من الله تعالى , فميزان القبول من الله لأي عمل في : النية الصالحة ,
والإتباع للشرع .
أرجع وأقول أنه وعلى الرغم من بحثنا عن كل جديد ٍ في حياتنا وعن كل وسيلةٍ موصلة لأسباب الراحة في حياتنا إلا أن الكثير منا له جانب التقصير في البحث عن الطرق التي توصل لرضا الله وتغيير حالنا معه , مع العلم أن التغيير في علاقتنا مع الله هو أهم سبب ٍ من أسباب التوفيق في باقي تغييرات الحياة , ذلك أن تقوى الله تعالى هو ما يجعل الحياة وأبواب خيرها مفتوحة أمام الشخص , يقول تعالى : ((ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ))
.
إن تغيير علاقتنا مع الله تعالى يحتاج منا وقفة شخصٍ حازم , بأن يكرر جلوسه ويختلي بحاله ما بين فترةٍ وأخرى , فيجد ثغرات أيامه وأخطاء أفعاله , يُحاسب نفسه على ما بدر منها من سوء , ويُشجع نفسه على ما قام به من خير , يواصل درب الصواب ويقطع على نفسه شهوة الزلات ,
فكم من زلّةٍ فينا احتاجت لتقويم , وكم من عملٍ احتاج لتصويب , وكم من صواب ٍ احتاج لتشجيع , وكم من شجاعةٍ احتاجت إلى حثٍ عليه ومواصلة دربها .
إن طبع النفس البشرية أنها تألف العمل الذي هي عليه , خيراً كان أو قُبحاً , ففي بداية فعل الخير تكون النفس اقبل عليه حينما تخلص النية لله تعالى , ولكن مع تكرار العمل يومياً أو دورياً فإنه يكون روتيناً يوميا ً , ويوماً بعد يوم تبدأ النفس تعيش معه بأن شيءٌ متكرر من كل بدّ , وكذلك الحال مع الأعمال الخاطئة , فإن النفس أول أمرها قد تستخطئه ولا تتقبله ولكن بمرور الأيام تعيش النفس معه لحظة التعوّد عليه .
إن خير النفوس تلك التي تُشدد على نفسها في المحاسبة كي لا تقع في خطا الزلّة , وأكرم الشخصيات تلك التي تجتنب بعض المباح كي لا تقع في بدايات الهفوات , فكم من مباحٍ أوصل للحرام , وكم من جائزٍ أوصل للمنوع , بالتأكيد ليس هذا القول أقصد فيه تحجير الحلال أو تحريم
المباح فذاك شيءٌ لا يملك حقه إلا الله سبحانه ولكن هي دعوةٌ من قلبٍ محب لكي نسير على درب التواصي بالخير والدعوة للأصلح للنفس والأسعد لها .
إن حياة الماديات التي نعيشها في أيامنا هذه تتطلب منا جميعاً أن نربط سعادة حياتنا بالله تعالى وأن نوصل قلوبنا بطاعته وأعمالنا برضاه وهوى عقولنا بأوامره , وأن لا نُسلم حياتنا بأن تتحكم فيها عقولنا , أو نُعطي موّجه أعمالنا لشهواتنا أو مشاعر قلوبنا , فالقلب لن يكون دليل الصواب إلا حينما يمتلئ بحب الله
, وكذلك العقل هو الآخر فليس هو أداة تشريع بقدر ما هو وسيلة إتباع لنهج الله سبحانه .
إن أجمل حياةٍ من الممكن أن نعيشها تلك التي ترتبط بنهج الله ورسوله , فتكون أعمالنا وأفعالنا وتصرفاتنا , وحبنا وبغضنا وكل ما نُكنّه من مشاعر وأحاسيس مرتبط بالله تعالى وقصد رضاه , فما أجمل الحياة حينما تتزين بقال الله وقال رسوله , وما أسعدها حينما تنشأ بالسعي لجنته وطلب مغفرته , فكم
من النفوس وصلت لذاك بعفّتها عن الحرام ومبالغتها في السعي بالحلال , وبعكس ذلك من النفوس تلك التي ضلّت الطريق وعاشت حياة التيه في ظل بعدها عن نهج الله السامي الصحيح .
إذاً هي دعوةٌ نوجهها للجميع بأن نبدأ بجلساتٍ نعيش فيها مع أنفسنا لدقائق معدودة كل يوم أو كل أسبوع أو حتى كل شهر , بأن نجلس ونفكر في كل ما اقترفناه في ماضينا مما ذهب ونبدأ جدول تسجيل لكل أخطائنا وبنفس الوقت نضع جدولاً للتغير نحو الأفضل والأصح بما يُرضي الله تعالى . وبذلك ننال : القرب من الله تعالى , وأيضاً كسب الراحة النفسية والسعادة
الدنيوية .
وبكل تأكيد لن تكون رحلة التغيير هذه ومن قبلها البحث عن الأخطاء لن يكون ذلك سهلاً علينا , بل لا بد من مواجهة صعوبات , كثرت أو قلّت ولكن هو أمرٌ لا بدّ منه , خصوصاً ممن طال فترة تقاعس البعض منا عن حساب نفسه لنفسه , وذلك أن النفس نشأت وهوت الكثير من الصفات وأَلِفَت عليها , ولكن كل ذلك يهون ويسهل
حينما نستشعر نعمة ما نحن عليه من شجاعة بأن لامسنا موضع الجرح وبدأنا نعالجه , وكل ذلك يهون ويسهل حينما نشعر برجولة شخصياتنا وعظيم قوتنا بأننا استطعنا أن نتغلب على شهوات نفوسنا وما ألفناه في حياتنا من خطأٍ وزلل .
فهي إذاً رحلةٌ طويلة وشاقة ولكن من ناحيةٍ أخرى سنتلذذ بالكثير من أوقاتنا مع إيماننا بهذا التغيير وأنه أمرٌ لا بد منه كي ننال رضا الله تعالى وكسب رحمته.
إن التغيير يعني تجدد النفس بالأمل, وتشبعها بالثقة, وطلبها للأفضل , يعني شعورها بأهمية نفسها وعظيم قدرها, إن التغيير فرصةٌ للجميع بأن يُثبت للجميع _ ولنفسه أولاً _ أنه قويّ الشخصية عظيم الإرادة عالي الهمّة والعزيمة. وكل ذلك ما يتطلبه الشخص منا حينما يبدأ بالتغيير ويضع أولى خطواته في درب التقدم للأفضل.
إن التغيير هو عزيمة رجل, وصفة بشر, وهمّة كبير, ولا يكون ذاك كله إلا في المسلم المؤمن بــ قال الله وقال رسوله .
عاشت نفوسنا مع كثير من صفات السوء لذا لا بد أنها قد ألِفته, ولهذا آن لنا أن نُراجع أنفسنا ونقف على ماضي حياتنا ونبدأ بالتصحيح, ومن الآن لنعزم ولنتوكل على الله تعالى في ذلك.
ملاحظة : إن التغيير الحاصل في زماننا هذا والثورات القائمة هي بكل تأكيد صحوة أمة ونهضة شعوب , ولكن التغيير الأكبر الذي يُعيد للأمة عزتها وللنفس كرامتها وللشريعة هيبتها كل ذلك لن يكون إلا بتغيير الحال وتحسين النفس , فزوال قائد أو إطاحة بحكم أو إبادة مُلك لن يجعل الأمة بمثل ما كانت عليه في زمن الأمة المنير , بل التغيير الأكبر الذي تحتاجه
الأمة هو : (( إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم )) , تغيير النفس وتغيير الشخصية هو أول طريق للأمة في رجوعها لما كانت عليه , ولنهضتها على درب سلف الأمة الصالح , لذا لا تستغرب أن يكون خطأٌ منك ترتكبه ولم تتب منه هو سبب هزيمة الأمة , أو أن يكون ذنبٌ فينا نتهاون به هو سبب في تعطيل إنزال نصر الله لنا . من أجل هذا وذاك كله نقول: آن وقتُ التغيير.