لن نركع إلا لله
محمد العلي - دمشق
إعلان عام من الثورة السورية الكبرى بتحررها من العبودية لغير الله ،
وانعتاقها من نير العبودية للطاغوت وبراءتها منه ؛ هل تذكرون سحرة فرعون
عندما جاؤوا بعصيهم وحبالهم وأحابيلهم لينصروا فرعون ، طمعاً بالأجر
والجائزة والمكانة والحظوة : { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا
إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ
نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } الأعراف / 113-114ثم بعد
برهة وجيزة انقلب المشهد ، فإذا بالسحرة يخرون ركعاً سجداً لله وحده لا
للطاغية كما قال تعالى : { وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا
آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } الأعراف / 120-121 . كذلك السوريون
عبَّدهم الطاغية لذاته وسخَّرهم للذَّاته دهراً طويلاً ثم هبت عليهم فجأة
نسائم الحرية من تونس ومصر واليمن السعيد ، وذاقوا طعمها ، فعشقوها ،
وبذلوا في سبيلها المهج ، وقالوا : ( لن نركع إلا لله !.) التي أعلنتها
الثورة السورية الكبرى ، وسمت جمعتها اليوم بهذا الاسم . وليس من قبيل
الصدفة أن يواجه السحرة المصير نفسه الذي تواجهه حماة وحمص ودرعا ودير
الزور والمعضمية وكناكر وسائر القرى والمدن التي أبت أن تسجد لبشار الأسد
لكنها السنة واحدة وهي تتكرر إلى حد التطابق أحياناً من حيث الاتهام
بالتآمر ، وبطانة السوء التي تحرض على القتل والظلم والبطش .
هذا وقد تواترت الأنباء وتكاثرت الروايات التي تخبرنا عن تعبيد الناس
لصورة بشار الأسد وإرغامهم على السجود المذل لها وإذا أبى وأصر على
التوحيد واختار العزة والكرامة فإنه سيلقى حتفه على أيدي سدنة الطاغية
وزبانية سجونه الشداد الغلاظ بل رأينا تلك الصور التي تناقلتها
الفيديوهات رأي العين !. كما نقلت بعض التقارير الصحفية عن أهالي مدينة
حماة بعد اقتحامها أن ما أثار شعوراً بالإهانة وجرح المشاعر أكثر من
الدمار هي تلك الكتابات الجدرانية التي تركها أسود الأسد وشبيحته ، ومنها
' لا اله إلا بشار'، وهناك شعار آخر : ' الله هو بشار ومحمد هو ماهر' ،
و' الله يريد بشار' و' اخترنا ثلاثة: الله وبشار وماهر' و' إن عدتم عدنا
' !!!. وهذا هو الشرك المذل المهين للإنسان الذي كرمه خالقه وأسجد له
ملائكته وأمره بألا يركع لغيره وألا يحني هامته لأحد ، ولذلك جاءت جمعة (
لن نركع إلا لله !.) رداً على عبادة فرعون المهينة .
جمعة ( لن نركع إلا لله !.) تعني إصرار السوريين على ألا يخضعوا لمساومات
العصابات ومؤامراتها وألا يزحزحهم عن مواقفهم وثوابتهم ترهيب ولا ترغيب
!. ولربما جاءت جمعة ( لن نركع !.) رداً على تصعيد النظام لآلة القتل
التي لا تهدأ ولا تتوقف ، وتحصد قي كل يوم عشرات الضحايا !.
جمعة ( لن نركع !.) تعني " اللاعودة " عن مطالبنا بالحرية والكرامة
والعدالة ودولة المواطنة الرشيدة مهما طالت الثورة وبالغاً ما بلغت
التضحيات .
جمعة ( لن نركع إلا لله !.) تأتي تجاوباً مع شعارات عديدة طرحتها
الجماهير من أول يوم انفجرت فيه الثورة وصدحت بها حناجر الأحرار ، ومن
أولها وأشهرها ( الله ، سوريا ، وحرية ، وبس ) بدلاً عن الشعار الوثني
الضيق الذي يجعل السلطة فوق الدولة والقائد فوق الوطن : ( الله ، سوريا ،
وبشار ، وبس ) هذا الشعار الذي سقط وإلى الأبد وسقط معه حكم آل الأسد .
بعض رموز الثقافة الضحلة الهزيلة ينتقد هذه الأسماء والشعارات والهتافات
التي ترفعها الثورة ، ويتهمونها بأنها دينية !. وهل هذه تهمة ؟. وهل
شعوبنا مادية ملحدة كافرة بربها وبالأديان والقيم ؟. هذه التهمة تذكرني
بتهمة قوم لوط لوطاً وآله الطيبين كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ جَوَابَ
قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ
أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } (الأعراف/82) يا عجباً! أو من يتطهر من الفعلة
القبيحة الشنيعة يُطرد من القرية ويُبعد عنها ، ليبقى فيها الملوثون
المدنسون؟!
ولكن لماذا العجب؟ وماذا تصنع جاهليتنا الحديثة؟ أليست تطارد الذين
يتطهرون ، فلا ينغمسون في الوحل الذي تنغمس فيه مجتمعات الجاهلية ،
وتسميه تحرراً وتقدمية ؟! إنه منطق الجاهلية في كل حين!!
ألا تسمعون اليوم كثيراً ممن يصنفون أنفسهم بأنهم رموز المعارضة
الليبرالية يصرحون بأنه لا مكان للدين في حياتنا ، ويريدون أن يمارسوا
إقصاء الآخر ولمَّا يصلوا بعد إلى السلطة ، فماذا لو وصلوا ؟. إنهم
سيعيدون الكرة مرة أخرى ، وينتجون لنا طغياناً جديداً . أليس هذا تناقض
واختلال ، حيث إنهم يزعمون أنهم يريدون الديمقراطية والحرية ثم تضيق
صدورهم بالإسلاميين !؟.