عندما قرر العالم أن يقتل حزب البعث

حارثة مجاهد ديرانية

حارثة مجاهد ديرانية

[email protected]

قبل مدة من الزمن لا نعلم مقدارها بعد (ولعلها لا تبعد كثيراً عن شهر واحد)، اجتمع رؤوس المجتمع الدولي معاً في غرفة واحدة وهم في معزل عن أعيننا وأعين العالم وراحوا يجرون مباحثات في قمة الأهمية، دخلها من دخلها وهو يضمر في نفسه وثبة من السفينة الخربة الغارقة إلى السفينة المتينة الطافية، فكأني بهم وهم يمشون فيتخذون كراسيهم حول طاولة "المفاوضات"، فيتربع قائد أعظم قوى العالم على رأس الطاولة، وعن يمينه وشماله قادة ما سمي يوماً من الأيام "بالعالم الثاني" (أي الشيوعي) ومعهما قائد الفرس، ثم يصطف بقية أعضاء العصابة العالمية بعد ذلك تباعاً حسب ترتيبهم في الأهمية وثقلهم في ميزان السياسة العالمية. وافتتح الاجتماع، فقام الجالس على رأس الطاولة فقال: "إني جمعتكم اليوم لنبحث أمراً بالغ الأهمية، أمر سوريا التي تثور وتضطرب، وإنكم كما رأيتم ولمستم بأنفسكم أيها السادة، فإن حزب البعث ماض إلى حتفه لا محالة، إنه إلا زوال، إلى موت! كان أضعف وأشد خزياً وهواناً -وأشد حمقاً وأذهب رأياً!- من أن يصمد أمام عصيان شعبه وإن شعبه لقاتله قريباً، فإن تركناه يقتله وحده ولم نشارك في قتله ضاعت علينا مغانم كثيرة، وعرضنا أمن حليفتنا إسرائيل لخطر عظيم، وقد علمتم أننا ما عنينا يوماً إلا إياها كلما تشدقنا بحرصنا على حفظ أمن واستقرار المنطقة (أي منطقة الشرق الأوسط)!". وهنا رفع العديد من الحاضرين أيديهم إلى أفواههم يخفون بها ابتساماتهم، وجلس قائد الفرس وزميلاه الشيوعيان صامتين متأملين؛ لقد ظل الثلاثة يراهنون على صديقهم القديم وهم يحسبونه حصاناً رابحاً فإذا به حمار وأي حمار! كانوا معه في مركب واحد فجعلوا من أنفسهم ظهراً وسنداً له، وعطفوا عليه فأخذوا يذودون عنه في حلبة السياسة الدولية التي لا ترحم، ثم يميلون -وهم في خلواتهم- على أذنه فيهمسون له بالنصح والمشورة، فكان جزاؤهم منه أن فضحهم أمام العالم برعونته وحماقته، وهداه ذكاؤه إلى استعداء الدنيا كلها عليه، فهو لا يرضى إلا عمن يسلم له وينصاع الإنصياع الكامل الذي لا تشوبه شائبة، فإن وجد من أحد حلفائه موافقة في تسع وتسعين ومخالفة في واحدة رماه من أجل هذه الواحدة واتخذه عدواً! حزب أخرق لا يصلح لشيء، وخردة بائدة من أيام الدينصورات!

ولحظ مدير طاولة المفاوضات الجالس على رأسها ذلك منهم ورأى سكوتهم ووجومهم فسره ذلك منهم وارتسمت على وجهه بسمة خبيثة، ذلك أن صاحبنا لم يدعهم اليوم إلى طاولة المفاوضات إلا وهو يعلم ما هم فيه، وإلا وقد جهز ما يطيب خواطرهم ويغريهم به على قطع آخر خيط من خيوط الود والرجعة بقي بينهم وبين حليفهم القديم: الحمار الذي يسمونه حزب البعث، ومد الخبيث يده إلى جيبه ليخرج ما كان أعده من صفقات ترضي جميع الأطراف وتجمع كلمتهم على ما أعدهم اليوم من أجله.

في ذلك اليوم عقدت صفقات عديدة ما زلنا لا نعرف بعد تفاصيلها، ولكننا نعرف شيئاً واحداً على الأقل، وهو أن العالم كله باع حزب البعث! باعه لأمريكا التي بيتت النية على إعدام النظام، ولعل أمريكا توشك قريباً أن تبيعه لثوار سوريا الأحرار. ولكن الحيلة لن تنطلي عليهم. آلآن، بعدما مضت خمسة أشهر والعالم كله يتفرج عليهم؟

فليعلم العالم أنه وإن باع حزب البعث أنه لم يتفضل بذرة واحدة على ثوار سوريا، وأن هذه الثورة هي ثورتهم هم وحدهم وكما احتملوا مغارمها فإنهم يستحقون مغانمها كاملة غير منقوصة، وعلى العالم أن يقبل مسروراً أن سوريا -كرماً منها- ستسامحه عن خذلانه إياها لما كانت تقاتل وحدها في محنتها، فصبرت ونالت، وإن نصرها لقريب بإذن الله.