ثلاثية الثورة السورية وثوابتها (1)
سلمية الثورة
م. محمد حسن فقيه
تبنت الثورة السورية منذ انطلاقتها في ربيع آذار ثلاثة ثوابت توافق عليها جميع الناشطين والمتظاهرين والداعمين والأنصار والمؤيدين في الداخل والخارج ، رغم محاولات النظام اليائسة ، وردات فعله الغاشمة ، وتحركاته وعملياته المتهالكة ، لحرف مسار الثورة عن أهدافها ومبادئها وثوابتها الوطنية ، بهدف تشويه صورتها ، واتخاذ أي ذريعة للنيل منها ، وجرّها إلى المجهول .
وقد تمثلت هذه الثوابت والمبادئ الثلاثة في :
*( سلمية الثورة ) وعدم استخدام السلاح .
* ( وطنية الثورة ) ورفض تدخل الأجنبي والإستقواء بالخارج .
* ( شمولية الثورة ) ووطنيتها ، بعيدة عن أي شعار طائفي أو اثني أو مذهبي .
الثابت الأول : سلمية الثورة - لا ...... لإستخدام السلاح .
خرج المتظاهرون من بداية الثورة إلى يومنا هذا بصدور عارية يهتفون ضد النظام وينادون بالحرية والكرامة ، لا يملكون غير حناجرهم التي تصدح بمطالبهم العادلة وأياديهم التي ترفع الشعارات الوطنية التي يحلمون بها ويطالبون بتحقيقها .
حاول النظام من الوهلة الأولى أن يجرّم هؤلاء الثوار الأحرار الذين تحدّوا بطش النظام وهمجيته الوحشية في التصدي للتظاهرات السلمية والمطالب المشروعة في الحرية والعدالة والكرامة والإنسانية وحقوق المواطنة المتساوية ، فبدأ النظام بكيل الاتهامامات الكاذبة ، وتدبيج الفبركات الإعلامية المضللة ، زاعما وجود عصابات مسلحة حينا ،أو عناصر مندسة مدعومة من الخارج حينا آخر، وكم تخبط النظام وأبواقه الإعلامية لتحديد هذا الخارج وهوية هذه العصابات المسلحة والطرف الثالث المزعوم ، فمرة دخل من لبنان ، وأخرى انسل من الأردن ، وثالثة اندس من تركيا أو تسلل من العراق ! بعد إعلان النظام المزعوم عن ضبط أسلحة مهربة من العراق للثوار في سورية ! وهذا بالطبع قبل تعميم الأوامر من ولي الفقيه لربيبهم المالكي بالوقوف مع النظام السوري، ودعم اقتصاده المنهار بمليارات الدنانير، وحماية حدوده .
ولا أظنه خاف على أي محلل أو متابع الموقف ( الإنقلابي )الجديد لحكومة المالكي المخزي من الثورة السورية ، متناغما مع موقف سادته في قم وطهران وزملائه من أتباع حسن نصر الله في جنوب لبنان ، وتطوعه بحراسة حدود سوريا الشرقية ، وقد كان بالأمس يشكو من عدم ضبط حدوده مع سورية ويتهمها بتسهيل تسلل الإرهابيين وتصدير الأسلحة والمخربين إلى بلاده ، وها هو اليوم يتطوع بحماية حدود نظام البعث السوري ، والذي يطالب باجتثاثه في بلاده ، لمنع تسلل أو هروب الأطفال والشيوخ والنساء عبر الحدود من قمع النظام السوري وبطشه ، أو من قصف مدافعه ونيران دباباته ، التي تركت الجولان وحدود الجبهة مع إسرائيل ، وديعة برسم الأمانة عند الأحباب والأصحاب من المحتلين آل بني صهيون ، وأرسلت بجيوشها ودباباتها لمحاصرة أبناء الوطن من درعا فحمص إلى جسر الشغور ، ثم إلى حماه ودير الزور فالبوكمال ... لتحريرها من - العدو الحقيقي - الشباب الثائرين الأحرار، وكتم صرخات الحق المدوية في شتى أنحاء سورية وبقاعها ، في سهلها وجبلها وغابها وباديتها وريفها ومدنها وعربيها وكرديها ومسلمها ومسيحيها وجميع أبناء طوائفها ومذاهبها .
لقد حاول النظام جرّ الشباب المتظاهرين إلى استخدام السلاح منذ الأسبوع الأول من انطلاقة الثورة السورية والتظاهرات في درعا ، وذلك باستخدامه العنف المفرط ، وتوجيه العبارات الاستفزازية ، والتصرفات المتعجرفة العنجهية من ضباط ومسؤولي الأمن ، بزعامة قريب بشار المدعو عاطف نجيب السيئ السمعة والذكر ، في مجتمع فطري محافظ ، يغلب عليه الطبيعة العشائرية ، وتتمثل فيه نخوة الرجال والشهامة العربية وأخلاق الأباة الأحرار، الذين يرفضون الذل ويأبون الضيم ، ويبذلون أرواحهم رخيصة في سبيل مبادئهم ، والذب عن كرامتهم ، والذود عن حياض ممتلكاتهم ، والدفاع عن حرماتهم .
مع كل هذا الأستفزاز ومحاولة الإذلال والإهانة قام عناصر أمن النظام برمي السلاح على المواطنين في درعا بتمثيلية محبوكة ، ظاهرها التعاطف بين عناصر النظام وبين المواطنين المتظاهرين ، وحقيقتها توريط الشباب المندفع باستخدام السلاح ، ليتخذ النظام ذريعة لأعماله الإجرامية من قتل وبطش وانتقام ، وكرر مثل هذه المسرحية المغرضة في حمص ... وغيرها .
ثم أكمل تلك المحاولة الفاشلة بمسرحية هزيلة التأليف والإخراج ، عندما اقتحم المسجد العمري في درعا بعد محاصرته وقتل الشباب المؤمنين المعتصمين بداخله مع الجرحى والطاقم الطبي الذي كان يعالجهم ... ثم قام بعد ذلك بتصوير أسلحة جديدة بجانبهم لم تستخدم ، وعلب ذخائر للسلاح مختومة لم تفتح ، ورزما من أموال مرمية بجانبهم ! ! .
* كما برز ذلك أيضا بإرسال عناصر أمن النظام لدعم الشبيحة بالسلاح في دير الزور .
حيث تم القبض عليهم مع الأسلحة التي بحوذتهم ، وأدلوا باعترافاتهم المسجلة والتي أكدوا فيها أنهم قد أحضروا السلاح لدعم الشبيحة في ديرالزور لخلق فتنة بين المواطنين ، تستدعي الرد على الشبيحة بالمثل ، من بعض الشباب الثائرين والمندفعين ، في مجتمع هو الآخر عشائري يعتز بعروبته ويفخر بقيمه وأعرافه ، ولا يقبل الذل والضيم من عناصر الشبيحة .. والذين في حقيقة الأمر والتي يعرفها كل سوري شريف ، ما هم إلا سقط الأمة وسفلتها ... كان أغلبهم من المجرمين ومهربي المخدرات ونزلاء السجون ، أفرج عنهم النظام ومنحهم حريتهم ، مقابل اصطفافهم معه ضد أبناء الوطن من الأحرار والشرفاء الأباة ...
هذا ما يريده النظام ويلعب عليه لينتقم من أبناء الشعب الشرفاء الذين رفضوا الذل والهوان وتمردوا على الاستبداد والاستعباد ، وهتفت حناجرهم بنداء الحرية والكرامة .
* مثلها فعل النظام في جسر الشغور من تصرفات استفزازية وإذلال واغتصاب وقتل للمدنيين لنساء وأطفال ، وتدمير المدينة ونهب المحلات وتخريب المتلكات ، ثم انتقل خارج المدينة ليقوم بحرق المحاصيل وقتل البهائم العجماء انتقاما وحقدا واستفزازا .
هذه المدينة التي لم تسلم من مجازرهم الوحشية والمحاكمات العسكرية والإعدامات الميدانية في ثمانينيات القرن الماضي ، إلا أن ضباط الجيش الأحرار- هذه المرة - والذين كانوا يرقبون المشهد ، ووجهوا إنذارهم للأمن والشبيحة عدة مرات دون أن يرتدعوا أو يكفوا عن القتل وإذلال المدنيين ، فقام ضباط الجيش الأحرار بالتصدي لهم ... وتلقينهم درسا قاسيا ارتعدت لها فرائص هذا النظام الجبان ، فصب جام حقده وغضبه على هذه المدينة الجريحة ، فهرب معظم سكانها إلى القرى المحيطة ، أو طلبوا اللجوء داخل تركية بعد أن تحولت الجسر إلى مدينة أشباح .
يبقى السؤال الرئيسي والملحّ ، والذي يتردد من كل حدب وصوب .... إلى متى ؟ !
إلى متى سيبقى المجرمون القتلة من عصابات أمن النظام وشبيحته يقتلون ويدمرون ويروعون العزل والآمنين ، ويعتدون على المتظاهرين ويذلون الشيوخ والنساء ، ويستهدفون الأطفال ، ويعتقلون المثقفين والأحرار ، ويخطفون المتظاهرين ، ويصفّون الناشطين ... وتبقى الثورة سلمية ؟ ! .
إلى متى سيبقى هذا الشعب المنكوب بهذا النظام المجرم الدموي ، صابرا على قصف الدبابات ودك المدافع العشوائية لبيوت المواطنين الأبرياء العزل ، في حماة ودير الزور وحمص ودرعا وإدلب والحولة والزبداني والمعضمية وكناكر وتل كلخ والقصير والرستن و.....
إلى متى يمكن أن يبقى هذا الشعب الذبيح يصبر على كل تلك الجراح والمصائب والآلام ... وسط صمت عربي ودولي مخز ومهين ، ير ى المجازر والمذابح والانتهاكات الصارخة كل ساعة ولحظة من كل يوم ، في جميع مدن سورية وهو يقف موقف المتفرج .
لقد برهن هذا الشعب الذي خرج بصدور عارية وهامات مرفوعة وأيد ممدودة بالحب والسلام لجميع أبناء الوطن ومكوناته ، وأوصل رسالته السلمية للعالم أجمع مطالبا بأبسط أهدافه المشروعة ، من حريته المصادرة ، وكرامته المهدورة ، وحقوقه المسلوبة .
فإلى متى سيبقى هذا النظام مكابرا وهو يصر على إجرامه وصلفه ونفاقه ودجله ، وهو يعلم حقيقة هذا الشعب الثائر ومطالبه المشروعة والعادلة ، وقد انحاز إليه جميع أبناء الشعب المقهورين ، ولم يبق في صف هذا النظام البائس سوى العصابة المجرمة المتحكمة ، وزمرة الفتات المنتفعين ، وشلة اللصوص الفاسدين ، ورهط من الجبناء والإمعات الخائفين .
ألن يرعوي هذا النظام المجرم ويكف عن المجازر وسفك الدماء الطاهرة الزكية بحق شعبه ، وقد تفوق على همجية هولاكو وإجرام نيرون ؟ .
وإلى متى سيبقى العالم المتمدن ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع الدولي يتفرج عل هذه المذابح ولا يكبح جماح هذا النظام الدموي المجرم ...
وإلى متى سيبقى الجيش الوطني حماة الديار يدافع عن عصابة المافيا ، توجهه أحهزة أمن النظام الفاسد ، وتهدده عصابات الشبيحة المنحطة ، وتقنصه العصابات السوداء المستوردة من طهران وأذنابها في جنوب لبنان ؟
متى سيصحو هذا الجبش ويهب للقيام بدوره الحقيقي الموكل إليه من حماة الديار وحماة الأوطان ، بدلا من قمع الشعب وتدمير الوطن للحفاظ على مافيا الفساد والاستبداد التي تحتل البلد وتذل أبناءه ؟ !
هل تكفي صور القمع والقتل على الفضائيات التي تعري عصابة الحكم وتفضح إجرامها لمواجهة مدافعها ودباباتها ، ولوكانت بعض الصور حينا أقوى من قذيفة الدبابة والمدفع ، إلا أن الشعب والمجتمع الدولي يتعامل مع عصابة ينطبف عليه قول : ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) ، بعد أن نزع منها الحياء وتجردت من كل القيم والأخلاق ... والأعراف ,,,,,,,,,,,,و الانسانية ؟ّ
هل يمكن أن يبقى الشعب المثخن بالجراح صابرا ومتحملا هذا الوضع المأسوي ، رافضا استخدام حقه المشروع في جميع الأعراف والأديان بالدفاع عن النفس ضد القتل والقمع والظلم والبطش وسفك الدماء ؟ .
لقد صبر هذا الشعب وصابر كثيرا ... ولكن كما يقال : ( للصبر حدود ) ! .
وقد تجاوز هذا النظام في ظلمه وعسفه وتنكيله ضد شعبه الأعزل .. كل الحدود !.