رسائل من أحمد الجدع (62)
أحمد الجدع
الأستاذ العلامة : قدري حافظ طوقان
بينما كنت أتجول في مكتبتي وقعت عيناي على كتابك "العلوم عند العرب والمسلمين" الصادر عن مكتبة الاستقلال في عمان في طبعته الثالثة عام 1961م ، وكانت طبعته الأولى قد صدرت في مصر ضمن مشروع الألف كتاب بعنوان "العلوم عند العرب" وذلك في عام 1956م .
وعندما استعرضت الكتاب في نظرة سريعة وجدته في بابين ، يدرس الباب الأول مآثر العرب في الطب والصيدلة والكيمياء والنبات والطبيعة والرياضة والفلك والجغرافيا ويدرس الباب الثاني عدداً من أعلام العرب ممن برزوا في العلوم مثل جابر بن حيان والخوارزمي والكندي والرازي والفارابي وابن سينا وابن الهيثم والبيروني وابن رشد وغيرهم .
يرتبط اسمك بكلية النجاح الوطنية بنابلس ، فقد تأسست الكلية عام 1918م ، تلقيت تعليمك الابتدائي والثانوي فيها ، ثم عملت مدرساً للرياضيات فيها ، ثم عملت مساعداً لمدير المدرسة ، ثم مديراً لها ، وأصبحت الكلية عام 1965م كلية للمعلمين ، وقد عملت جاداً في تحويل الكلية إلى جامعة ، وقد تحقق ذلك بعد موتك حيث قامت هيئة عمادة النجاح باتخاذ قرار تاريخي يقضي بتطوير كلية النجاح وتحويلها إلى جامعة النجاح الوطنية وكان ذلك بتاريخ 12/8/1976م ، وبدأت الجامعة عامها الدراسي الأول في الخامس من تشرين الثاني عام 1977م .
فصلت هذا الحديث عن كلية النجاح منذ إنشائها إلى أن غدت جامعة لأني كنت أحد طلابها عام 1958-1959م عندما كانت لا تزال كلية وقد درست فيها التوجيهية على النظام المصري ، وكان ذلك عندما كنت أنت مديراً لها .
عندما كنت طالباً في الكلية كانت الكلية تموج بالأحزاب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ، وكنت أنا دائماً مع الاتجاهات الإسلامية ، وكان الإسلاميون من الطلاب أكثرية في الكلية فشكلنا لجنة كنتُ أحد أعضائها للمطالبة بإحدى غرف الكلية لنخصصها مسجداً ، وقد راوغتنا كثيراً لصرفنا عن طلبنا بحجة أن الكلية مكتظة ولا نجد غرفة من غرفها فارغة ولكننا ناقشنا وحاججنا وعندما قلنا لك بأن الأصل أن يكون المسجد قبل المدرسة لأن رسول الله r كان يفعل ذلك ، وكان المسلمون من بعده يتبعون هذا المسلك وعدتنا أن تنجز لنا ما طلبنا ، وقد فعلت ، وأسأل الله أن يجزيك عن ذلك خيراً .
واستطراداً أقول بأنك منحتني شهادة تزكية عندما أنهيت دراستي في الكلية لأتعاقد معلماً مع معارف الكويت ، وعندما عدلتُ عن ذلك إلى السعودية لم أستخدمها ، ولكنها باقية عندي اعتزازاً بها لأنها صادرة منك وبخطك الكريم .
كنت يا سيدي واحداً من اثنين اهتموا بتاريخ العلوم عند العرب ، وثانيك هو الدكتور عمر فروخ ، وهو أستاذي أيضاً في جامعة بيروت العربية .
ومن كتبك في هذا المجال بالإضافة إلى الكتاب الذي تحدثتُ عنه :
1- تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك ، كانت طبعته الأولى عام 1941م ، وهذا العام هو عام مولدي ، طبعت هذه الطبعة مجلة المقتطف ، أما طبعته الثانية فقد طبعتها لجنة التأليف والترجمة والنشر عام 1954م ، وطبعت الكتاب طبعة ثالثة دار القلم عام 1963م .
2- مقام العقل عند العرب ، طبعته عام 1960م دار المعارف بمصر ، ثم طبعته في بيروت دار القدس عام 1974م .
3- أثر العرب في تقدم علم الفلك ، طبعته لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر عام 1961م .
ولمن لا يعرفك أقول : ولدتَ عام 1910م في مدينة نابلس ، حصلت على بكالوريوس في الرياضيات من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1929م ، وبسبب نشاطاتك الوطنية نفتك حكومة الانتداب البريطانية إلى صرفند عام 1936م ، وقضيت في المنفى تسعة أشهر ، ثم أطلق سراحك لتواصل أعمالك الوطنية .
لقد كنت جمّ النشاط دؤوباً على العمل ، تضع نصب عينيك خدمة الوطن والذود عن حياضه وحرماته .
ومن هنا كنت عضواً للجنة الثقافية العربية في فلسطين منذ عام 1945م ونائب رئيس الاتحاد العلمي العربي ، وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق ، وعضو المجلس الأعلى للتعليم بالأردن ، ورئيس الجمعية الملكية في الأردن عام 1955م ، ومؤسس ورئيس اللجنة الأردنية للتعريب والترجمة والنشر ، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأردنية ، وعضو اللجنة القومية لليونسكو ، وعضو المجمع العلمي لدول البحر المتوسط في إيطاليا ، ثم إنك انتخبت مرتين نائباً في مجلس الأمة الأردني عام 1950م و1954م ، ثم اختاروك وزيراً للخارجية الأردنية عام 1964م .
وبسبب من هذا النشاط الكبير حصلت على عدد من الأوسمة الرسمية من الأردن والمغرب ومصر .
توفاك الله في بيروت عام 1971م ، ثم نقلوا جثمانك إلى نابلس عن طريق الأردن ، ودفنت إلى جانب ابن عمك شاعر فلسطين الأكبر : إبراهيم عبد الفتاح طوقان .
الأستاذ علامة فلسطين : قدري حافظ طوقان : رحمك الله ورحمني معك .