علماء الأمة والنظام السوري

د. عامر أبو سلامة

انعقد مؤتمر العلماء لنصرة الشعب السوري, وكان لقاء اسطنبول, ذلك اللقاء المهيب الذي التقى في ربوعه مئات العلماء؛ من كل أنحاء العالم الإسلامي, ليؤدوا واجبهم الشرعي, الذي ألقاه الله تبارك وتعالى على عاتق العلماء, وأمرهم أن يقولوا كلمة الحق, خشية لله تعالى ولا يخشون سواه, وبهذا تتحقق رسالة العلماء, التي لا يمكن لها أن تكون لولا هذا الأمر.

العلماء ورثة الأنبياء, والأنبياء الكرام- صلوات ربي وسلامه عليهم جميعاً- كانوا مع الحق يدورون معه حيث دار, لا يخشون في الله لومة لائم, بعيداً عن دنيا تصاب, أو امرأة تنكح, أو منصب يتطلع إليه, ذلك لأنهم يعملون لله تعالى, ومن كان كذلك ترفع عن كل غرض, وتعالى على كل لعاعة.

أما العالم الذي يدور في فلك ذاته, ويعمل في دائرة نفسه, ولا همَّ له إلاً كيف يحقق مصالحه, فهذا أخو الشيطان, لأنه يتخذ من الدين ستاراً يغطي حقيقة هذه التي يريدها ويبغيها, وهنا تكون الطامة, وتحصل الكارثة, ويعمل على التضليل والتزييف, تقرباً لسلطان, أو مداهنة لحاكم, أو سيراً في ركاب الشًر, ولو كان في أبشع صوره, وأسوأ أشكاله, حتى يصل الأمر ببعضهم أن ينزلقوا انزلاقة يدهش لها المرء, ويحار لها الإنسان, أن كيف يسقط هذا العالم أو ذاك مثل هذه السقطة؟ وكيف وقع فلان على أم رأسه تلك الوقعة؟

من هنا كان نداء العلماء في كلماتهم, وفي بيانهم الختامي, التأكيد على دور العلماء, وطالبوا العلماء الذين يقفون إلى جانب النظام, أن يتقوا الله عز وجل, وأن يراجعوا حساباتهم بشكل دقيق, وأن ينحازوا إلى صف الشعب, وأن يتركوا الانحياز إلى صف النظام, ذلك لأن البون شاسع بين الحالتين:

الأولى- الوقوف إلى جانب المظلومين, الاصطفاف مع المنكوبين المعذبين, الانحياز إلى الذين يقتلون ويذبحون ويمثل بهم, فالنصرة واجبة لهؤلاء الأحرار, الذين يطالبون بمطالب تعتبر لب مقاصد الشريعة, ويقابلون بالحديد والنار, والسجون والتعذيب, والإخافة والإرهاب, والتشريد ومحاصرة المدن والقرى, فالبلد كلها مهددة, فلماذا التلكؤ والتردد؟ ولم المداهنة والمواربة؟ والحق واضح أبلج.

الثانية- الانحياز إلى صف الطاغوت, والاصطفاف مع الظالمين الفاسدين, والوقوف إلى جانب القاتل, والمساندة لمشرد الشعب, والتأييد للذي ينتهك الحقوق, ويعبث بالبلاد, وينشر الفساد, حتى فاق أصحاب إرم ذات العماد, فكيف يسوغ هذا؟ وبأي وجه يمكن أن نفهم موقف هذا المنحاز إلى صف هؤلاء المجرمين؟

والعلماء أكًدوا على وجوب الوقوف إلى جانب الشعب الثائر في سورية؛ لأنهم يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, بطرائق سلمية, ووسائل مشروعة, لا يضيق بها ذرعاً إلاً من أبى, ولا يستنكرها إلاً من أراد للشًر أن يبقى, وللسوء أن يستمر, وكلمة حق عند سلطان جائر من أعظم الجهاد, وإن من قضى وهو كذلك مخلصاً لله في عمله, كان شهيداً بإذن الله تبارك وتعالى, فلا مجال للتشكيك في شرعية هذه المسألة, ولا داعي لإثارة الشبهات في إثبات عدم عدالة هذه القضية, بل ينبغي على كل مسلم أن يساند ويؤيد, دون توقف أو تضييع للوقت, فالزمن يمر, ونحن بحاجة إلى الدقيقة الواحدة استثماراً لجهد العمل, تحقيقاً للمراد بأقصر وقت- بإذن الله تعالى- فيا أيها المترددون!! احزموا أمركم, وتقربوا إلى الله بهذا العمل النبيل, قبل أن يمضي القطار, ويفوتكم خير كثير, وفرصة العمر لا تتكرر في كثير من الأحيان, والحياة قصيرة, فاجعلها موقفاً حراً شريفاً نزيهاً, فإن أوذيت فهذا طريق الخير, مملوء بالأشواك, وإن مت فأنت شهيد بعون الله وإذنه.

ومن المطالَبين بالموقف النزيه الشريف, على هيئة التحديد أكثر من غيرهم أبناء الجيش السوري, لأنهم صمام الأمان للأمة إذا ما حلً بها خطب, وما وجد الجيش إلاً ليحمي الأمة, فيجب على الجيش- كما أفتى العلماء- أن ينحازوا إلى صف الشعب, ولا يجوز لهم أن ينحازوا إلى النظام المبطل, لذا يحرم عليهم شرعاً أن يوجهوا السلاح إلى صدور أبناء الشعب؛ ولو طلب منهم ذلك فلا يستجيبوا, فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, لأنهم ربما يضللونكم بقولهم: أوامر عسكرية. الأمر العسكري الذي يطاع هو ذلك الذي يصب في باب الخير, أما أن أقتل شعبي وأهلي فهذه جريمة منكرة, وتلطيخ عار, وأعرافنا لا ترحم في هذا المجال.

فإن هددك قائدك العسكري بالقتل, فقتلت والحال هذه فأنت شهيد, كما أفتى بذلك العلماء, ولأن تموت شهيداً, تدخل الجنة, خير لك من أن تقتل أخاك, فتدخل النار, ويلحقك العار, فتخسر الدنيا والآخرة.

فيا أبناء جيشنا السوري, كونوا مع الشعب, ولا تركنوا إلى الذين ظلموا, فتمسكم النار, كونوا مع أهلكم ولا تخذلوهم ولا تخونوهم, فالرائد لا يكذب أهله, كونوا مع المظلومين المقهورين, بل ثوروا مع الثائرين, وقفوا مع المستضعفين من أبنائكم وإخوانكم وأهليكم, لتسطروا صحائف مجد, تكتب لكم عند الله أولاً, ثم عند شعبكم وأهلكم أهل سورية ثانياً.

وفي لقاء العلماء, حيث كان الجو العام مليئاً بالأمل والتفاؤل, والاستبشار بنصر الله القريب, يقف أحد علماء الخليج- في ختام الملتقى-  ليلقي كلمة بليغة, حركت المشاعر, ودغدغت العواطف, وملأت العقول قناعة, والنفوس بشراً, والصدور أملاً, حيث قال: يا أهل الشام أنتم تنادون: (الشعب يريد إسقاط النظام), وإننا نقول: (الأمة تريد إسقاط النظام), ولو لم يكن كذلك لما جئنا إلى هنا, ذلك أن هذا النظام لم يؤذ السوريين فقط, وإنما آذى الأمة كلها.

حدث ما حدث في مصر وتونس وغيرها من البلدان فلم نتدخل, على أن المشكلة بين الشعب والنظام, أما في سورية تدخلنا لأن المشكلة بين النظام والأمة, والشعب السوري في الواجهة, لذا فالأمة تريد إسقاط النظام, وقام العلماء جميعاً يهتفون ويرددون, بصوت واحد, له دوي تخشع له القلوب المؤمنة, وتنخلع منه قلوب المجرمين هلعاً وفرقاً: الأمة تريد إسقاط النظام.