تكسير الأصنام

تكسير الأصنام

إيلاف العباسي

[email protected]

تغيرت حياة المسلم عما كانت عليه من قبل هذا الجيل  , بل ومنذ أجيال الصحابة , فلو رجعنا إلى عصر النبوة المطهرة , عصر الصحابة , عصر الجيل الأول من هذه الأمة لرأيناه عصراً يتميز بالعبودية الخالصة لله تعالى , عصراً تميز بطاعة الله بكل جوارحهم والتفاني في التلذذ بطاعته , والتفنن في ممارسة شعائره تعالى . فهو عصرٌ يتميز بالخلو من كل مظاهر المادية العمياء التي أعمت عيون الكثير منا , وهو عصرٌ يتميز بالعبودية التامة لله سبحانه .

ففي الصلاة وفي الصوم وفي الزكاة وفي الحج وفي سائر العبادات , من سننٍ وواجبات , نوافل وفرائض كنا نرى نماذج قرآنية تمثَلها عصر الجيل الطاهر من صحابة ٍ وسلف ٍ كرام رضي الله عن الجميع , وهم أبعد ما يكونوا عن مظاهر التلف والسرف , مظاهر الشهوات الدنيوية وطلبها أو البحث عنها .

فهم أولئك النفر الذين تطهرت قلوبهم إلا من حب الله , وتطهرت عقولهم إلا من التفكر بخلق الله , وتطهرت أجسادهم إلا من حمل أوامر الله وتطبيقها , أولئك النفر الطاهر الشريف الذي كسّر صنم العبودية العمياء لأصنامٍ من حجرٍ وشجرٍ وتمر ليعبدوا الله الواحد الأحد الذي أنقذهم من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام , من غباء التقليد إلى فطنة التوحيد , من حماقة الأصنام إلى عبادة رب الأرض والسماء سبحانه .

فكسّروا صنم التقليد للآباء وكسّروا صنم عبادة ما لا ينطق ولا يسمع , وكسروا أصنام كل شيءٍ حوتها حياتهم ولم تجعلهم يصلون للعبودية المخلصة لله تعالى .

لو استعرضنا حياتنا الآن لوقفنا على أصنامٍ عديدة تسيطر على عقولنا وتُهيمن على قلوبنا , أصنام جعلها البعض في حياته بالضبط كــ لاة ٍ وعُزّى ومناة , بالضبط كأصنام قريش التي كانت تعبدها إن لم يكن أسوء منها وأكثر عدداً .

لقد باتت قلوبنا معابد لكثيرٍ من الأصنام تُسيطر علينا وعلى حياتنا وعلى اتخاذ قرارنا وتسيطر على عبوديتنا لله تعالى , فإذا ما كانت الجاهلية العمياء تتميز بأصنامٍ من حجرٍ وشجر فقد صارت حياتنا أصنام من نوعٍ آخر , لم يكن المال أولها ولم تكن الشهوة أوسطها ولم تكن البعد عن الله آخرها , بل هناك أصنام ٌ كثيرةٌ في حياتنا مازالت تُعشش في صمامات قلوبنا وتسير مجرى الدم من أجسادنا , أصنامٌ ارتضيناها آلهٌ نعبدها من دون الله .

نعم قد لا نٌظهر هذه العبودية كما كان يفعل أهل الجاهلية الأولى ولكن واقع حالنا يقول إننا أسوء حالاً منا في عبادتنا لهذه الأصنام .

فكم منا من أشغلته أمواله عن الخيرات وفعلها , عن صلة الأرحام , عن أداء الواجبات من صلواتٍ ونوافل وسُنن , عن عيادة مريض وزيارة محتاج والطرق على بابِ جرٍ قريبٍ منا , حتى باتت حاراتنا وعماراتنا وأزقة دورنا كالغرباء لا يعرف الجار جاره ولا المسلم أخاه .

وكم ما أشغلتنا شهوات أنفسنا ومشاعر أجسادنا عن الله تعالى , فصارت عيوننا تتلفت يميناً ويساراً بحثاً عن حسناوات و شقراوات الأسواق والشوارع ! , وكم ما أشغلتنا نظرات عيوننا عن الخوف من رب العالمين فصارت ومع الأسف نساء الأمة حفيدات عائشة وفاطمة وأسماء وخديجة هنّ من يبحثن عن فرائس لهنّ .

 واقع حالنا يحكي أننا من ابعد ما نكون عن الله تعالى من بعد ما انشغل الكثير منا عن هدفٍ سامي راقي عالي هادف في حياته يخدم به أمته ويُقدم الصلاح لإخوته .

واقع الحال يقول أننا تلك الأمة التي أضاعت الأمانة وأقامت الخيانة ولهفت وراء الحرام وتركت الحلال , وباركت للسارق وذمّت الفقير المتعفف .

واقع الحال يشتكي من هذه الأمة أنها التي ألّهتْ اصناماً آلهة في حياتها أكثر من الأصنام التي كان يعبدها ابو جهل وأبو لهب وعتبه وشيبة !

واقع الحال يلعن الكثير منا صباحاً ومساء ممن سهر الليالي على مسلسلات هابطة وأفلام خليعة وضيّع صلاة الفجر من غير سببٍ مشهود أو عذرٍ مقبول  .

واقع حالنا هو الذي يقول أننا الأمة التي تهاونا في أكل الربا وتساهلنا في تسريحات الشعر والتزيّن بسلاسل وحلقات أذنٍ كما يفعل النساء واشد .

هذا واقع حالنا وهذه هي نماذج من الأصنام التي جعلناها في حياتنا , وحتى نشهد عصر الأمة الأول وفجر اليوم المشهود وضحى الغد المشرق يجب علينا أن نختلي بأنفسنا لنُحدد الأصنام التي نعبدها تلك ونسعى ونبدأ في تكسيرها , نتقرب لله تعالى بأننا نفعل ذلك لا أن تكون غايتنا دنيوية أو مصالح حياتية .

لقد وصلت الأمم للقمر وما زلنا نتصارع على الأرض , ووصلت أممٌ للفضاء وما زال مصيرنا نبحث تحت ركام القمامات , بدأت الغرب والشرق والشمال والجنوب في التفكير عن مصادر للطاقة جديدة ومازال حالنا  يتساءل من أي الدول سيكون صدقات ومحاسن يقدمونها لنا باسم الإغاثة الدولية والمساعدات الإنسانية وكأننا نعيش في وسط كهفٍ لا نملك العدّة والعتاد .

مازال حالنا أن يسرق نفطنا ويُذهب به إلى الدول الكبرى يتم تكريره من جديد وتصديره لنا بأضعاف أضعاف ما أخذوه منا كل هذا ونحن فرحين بأن دولنا تنتج في اليوم كذا كذا ألف برميل من النفط , مازال عندنا أكبر دولة للبغاء في الشرق الأوسط والتي تتفاخر بطول عماراتها وبغربية بناياتها ويسعى الشرق والغرب للتملك في هذه الدولة مع العلم أن هذه الدولة أو من حولها لا تمتلك القدرة على التصدي لأي عدوٍ مجاورٍ لها .

مازال حالنا يحكي عن وجود أجمل دولة في الشرق الأوسط من ناحية الطبيعة والمناخ ولكن هذه الدولة إذا ما عُدّ العالم الأول والثاني والثالث فهذه الدولة هي من العالم العاشر .

مازال عندنا دولة تضم في باطن أرضها ثاني أكبر مخزون في العالم من النفط ومنتجات أخرى غازية , كبريت , معادن , زراعة , سياحة , تجارة , انهار , وديان , سهول , هضاب ,  و و و و و و إلاّ أن هذه الدولة المشرد من أهلها في داخل البلد وخارجه ما يزيد عن 7 مليون شخص لشهوة حكمٍ أو حماقة حاكم .

واقعٌ نعيشه في حياتنا ويومنا ويؤسفنا أن نكتبه عن بلادنا ولكنها كلها من تلك الأصنام التي أبت إلا أن تسكن في حياتنا وتهمزنا في يومنا بأن نعبدها من دون الله , وأعتقد أن آن الوقت كي نكسر هذه الأصنام ونبدأ حياتنا ونهضتنا من جديد .

ولم اقصد بهذه الأصنام أولئك النفر من  القادة والحكام الذي يحكمون دولنا وينهبون خيراتنا , فموضوعي أكبر من حصر سبب تعاستنا في سببٍ واحد من أسباب التخلف والجهل الذي نعيشه , بل قصدي: تلك الأصنام المادية والحياتية والأخلاقية اتي في قلوبنا وعقولنا والتي جاء الوقت وحان كي نُبددها ونقضي عليها لنسعى لحياة ِ الأفضل وواقعٍ أكرم وعزٍ أسمى  .

إضاءة : رضي الله عن من قال: لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها .

كان أهل الشرك قبل الإسلام يُعظمون إلهاً واحداً من دون الله, أما نحن فصارت هناك آلهة كثيرة تُعبد في حياتنا من دون الله, وإذا ما أرادت هذه الأمة عزها فيجب أن تتفرغ لكسر هذه الأصنام.