المنطق الفرعوني في سياسة الولايات المتحدة مع الأمة العربية

المنطق الفرعوني في سياسة الولايات المتحدة

مع الأمة العربية

محمد شركي

[email protected]

معلوم أن رمز الطغيان في التاريخ البشري هو فرعون الذي طغى في الأرض ، وأكثر فيها الفساد ، وعلا واستكبر إلى درجة أنه حشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى . ومنذ عهد فرعون صار كل طاغية جبار ينسب إليه . والمنطق الفرعوني هوما جاء في قول الله عز وجل على لسان فرعون: (( قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )) سورة غافر الآية 29 ،فقول فرعون " ما أريكم إلا ما أرى " يعكس مدى استبداده بحيث لا يمكن لمن كانوا معه أن يروا سوى ما يرى مهما كان الذي يراه باطلا ، كما أن قوله " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " يعكس مدى غروره واعتقاده بأنه على صواب ،وأن سبيله سبيل رشاد لا سبيل ضلال . وإذا كان هذا حال فرعون فحال قومه كما وصفهم الله عز وجل في محكم التنزيل :(( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )) سورة الزخرف الآية 54 . ومعلوم أن قصة فرعون وقومه إنما ساقها الله عز وجل في كتابه الكريم لتكون عبرة لمن يعتبر من البشر مصداقا لقوله تعالى : (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )) سورة يوسف الآية 111 . ومما يلتفت إليه أولو الألباب في زماننا هذا أن مثال فرعون ينسحب على الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد اجتمع لها ما اجتمع لفرعون من مظاهر الطغيان فهي قوة عسكرية واقتصادية فرضت نفسها على الدول الأوروبية إثر تدخلها في حرب كانت أوروبية فصارت عالمية بتدخلها . ومعلوم أن الولايات المتحدة ة بلد يحكمه اللوبي الصهيوني المسيطر على مصادر الثروة ، والمتحكم في اقتصاد العالم وصاحب القرار بسبب ذلك . والولايات المتحدة بحكم وضعيتها العسكرية والاقتصادية تستعمل المنطق الفرعوني ، ولا تريد من العالم بأسره أن يرى سوى ما تراه هي ، وهي تعتقد أنها تسير بالعالم في سبيل رشاد لا في سبيل ضلال وعدوان واستبداد ، ون سياستها أن سياستها سياسة صائبة موفقة . و حال دول العالم الخاضعة للولايات المتحدة الأمريكية سواء كانت دولا أوروبية أو دول ما يسمى العالم الثالث ومن ضمنها الدول العربية كحال قوم فرعون حيث تستخف الولايات المتحدة دول العالم الخاضعة لها فتطيعها هذه الدول فيما تقرر من قرارات دون النظر في صوابها أو ضلالها . والاستخفاف عبارة عن احتقار يرى المستخف في المستخف به ضعف العقل أو السفاهة التي توجب الوصاية عليه . والولايات المتحدة تفرض وصايتها على العالم لأنها تستخف به . وعند التأمل نجد أن ما لحق العالم من شرور إنما مصدره طغيان الولايات المتحدة واستخفافها بمن في هذا العالم ، وطاعة هذا العالم لها أو خضوعه لها . فالعالم العربي على سبيل المثال يطيع الولايات المتحدة التي تستخف به أبشع استخفاف ، فهي التي استنبتت الكيان الصهيوني في قلب هذا العالم العربي ، ومكنت للعصابات الصهيونية في أرض ليست لهم ، وخاضت إلى جانبهم كل الحروب التي خاضها العرب من أجل استرجاع ما ضاع منهم من أرض احتلها اليهود بدعم كامل وغير مشروط . ومع مرور الزمن وبالمنطق الفرعوني استخفت الولايات المتحدة بالأنظمة العربية ، وجعلتها لا ترى إلا ما ترى هي ، علما بأنها رأت أنه لا بد لليهود من وطن في قلب العالم العربي ، لهذا تخلت الأنظمة العربية عن فكرة استرجاع الأرض المحتلة من قبل الصهاينة ، وخاضت فيما يسمى مسلسلات السلام ، وهي في الحقيقة مسلسلات استسلام . ولم يقف استخفاف الولايات المتحدة بالأنظمة العربية عند حد معين بل هو مستمر إلى أبعد الحدود . ومن استخفاف الولايات المتحدة بالأنظمة العربية تسليطها على رقاب شعوبها بالظلم والاستبداد والطغيان . والمتأمل اليوم لوضع الوطن العربي يرى أن العرب يتقاتلون ويسفكون دماء بعضهم البعض لأنه الولايات المتحدة تريهم ما ترى ، وهي ترى أن الدم العربي يجب أن يراق ، وتهديهم السبيل التي تريدها ، وهي سبيل تدمير العالم العربي تدميرا شاملا من أجل التمكين للمحتل الصهيوني فيه. ومن استخفاف الولايات المتحدة بالعرب أنها تقوم بالتحريش فيما بينهم تماما كما يقع في عالم الحيوان ، فيتخلى العرب عن عقولهم وقد استخف بهم ، ويرون ما ترى الولايات المتحدة ، ويستجيبون لتحريشها فتسيل الدماء فيما بينهم أنهارا ووديانا ، وتزهق الأرواح ، وتهتك الأعراض ، وتسلب الأموال ، ويشرد الملايين منهم ، وتحدث التصفيات العرقية بين عرب لهم عرق واحد ونسب واحد ، وما فرقهم سوى التحريش الأمريكي على أساس مغالطات لا تستقيم عند أولي الألباب ، وهي عند المستخف بعقولهم ذرائع مقبولة ومعقولة للتطاحن والاقتتال . أفلا يعود العرب إلى رشدهم لحظة فيفكروا في الدماء التي تنزف والأرواح التي تزهق والأعراض التي تهتك ، والأموال التي تنهب ... فهي عربية فقط لا أمريكية ولا غربية ولا صهيونية أفلا يعقلون ؟ ومعلوم أن الذي يستخف بعقله فيطيع المستخف به يكون فاسقا كما جاء في وصف قوم فرعون في كتاب الله عز وجل ، والفسوق خروج عن الجادة . فمتى ستفيق الشعوب العربية من سبات الاستخفاف الأمريكي الصهيوني بها ، فتقول للمستخف إني أرى ما لا ترى ، وإنك لا تهديني إلا إلى سبيل الضلال ؟ ومتى سيصير حال الأمة العربية كحال سحرة فرعون الذين رأوا خلاف ما كان يرى وأعلنوها صراحة في وجهه : (( فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثر على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى )) سورة طه الآيات من 69 إلى73 . ومعلوم أن الأمة العربية إذا ما رأت غير ما ترى الولايات المتحدة فسيكون رد فعل هذه الأخيرة على غرار رد فعل فرعون مع السحرة ، وعليه لا بد لهذه الأمة من رد على الولايات المتحدة كرد السحرة على فرعون ، والله خير وأبقى .