معارضة الثورات العربية في فلسطين

معارضة الثورات العربية في فلسطين

رأي القدس

اشتركت في معاداة الثورات العربية جبهة سياسية واسعة انتظمت تحت مظلتها أطياف متعددة تتنافر أيديولوجيا (قوميّون، شيوعيون، يساريون، إسلاميون الخ…)، أو تختلف اجتماعياً (رجال أعمال كبار مع عناصر بلطجة وتشبيح رثة تعمل بالقطعة)، وتتواجه طائفياً أو إثنياً، بحسب مواقع تقاربها أو تباعدها مع النظم الحاكمة (أقلّيات وأكثريات، شيعة وسنة، أقباط ومسلمون، أكراد وتركمان وإيرانيون الخ…) وما كان يجمعها، على تنافراتها الغريبة، سوى الكره القاطع لأي تغيير في واقع الحال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.

لم يكن هؤلاء كلهم من المستفيدين من استمرار الأنظمة، فالكثيرون منهم هم من أسوأ ضحاياها المباشرين، سواء بكونهم فئات معرضة للبطش أو للاستغلال من خلال توظيفهم، عند الحاجة، للبطش بأمثالهم في صفات جلادين وزبانية وعناصر جاهزة لطحن أيّا كان بالمهراس الأيديولوجي أو الطائفي أو الإثني.

تختلف الأطراف المعارضة للثورة أيديولوجياً، ولو على المستوى الشكليّ (كما في حال أنصار أنظمةمصر وسوريا وليبيا) لكن معالم طغمها الحاكمة تشبه، أكثر ما تشبه، نادياً مغلقاً يجمع أعضاءه برنامج افتراس الشعوب وتمكين أحلاف أجهزة الاستخبارات ومؤسسات العسكر وشركات وأفراد الفساد، كما تجمعهم الاستهانة الفظيعة بانتهاك سيادات بلدانهم الوطنية على يد قوى إقليمية أو عالمية، والذي يقابله استئسادهم على الضعفاء اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً، في دائرة متواصلة من الانتهاك تستسلم فيها للأقوى وتتوحش ضد الأضعف منها.

ما كانت هذه الأنظمة كلها تخجل، رغم كل تواريخها المشينة (وربما بسببها) من المزاودة على الفلسطينيين في إدعاء دعم قضيتهم، في الوقت الذي تتنافس فيه مع إسرائيل وقوى الاستكبار الأخرى على اضطهاد للفلسطينيين والتشنيع عليهم إعلامياً، والتضييق على حركتهم، وحقوقهم في السكن والطبابة والدراسة والعيش الكريم، حتى وصل الأمر بإحدى الدول «الديمقراطية» العربية أن منعت الفلسطينيين من مزاولة حوالي 100 مهنة من بينها، على سبيل المثال، حراسة المرمى في لعبة كرة القدم!

وقد وصل الأمر بهذه الأنظمة أن إسرائيل كانت تعتبر الرئيس (المعزول) لأكبر الدول العربية، مصر، حسني مبارك، على حدّ تعبير أحد قادتها، «كنزاً استراتيجياً» للدولة العبرية.

وفي سوريا، إحدى أكبر قلاع المزاودة في القضية الفلسطينية، ومنذ استلام حزب البعث السلطة عام 1963، فتحت السجون ومراكز الاعتقال والتحقيق (وأشهرها «فرع فلسطين» الذي يشكل وجوده أكبر إساءة لاسم فلسطين) التي أسرت وعذّبت وأهانت عشرات الآلاف من الفلسطينيين وانفردت دمشق، منذ ذلك الحين، بكونها سجنت كبار قادة فلسطين، وحاصرت مخيم «تل الزعتر» وحاصر حلفاؤها في حركة «أمل» «صبرا وشاتيلا»، وشاركت في تدمير «مخيم نهر البارد».

كان الزجّ باسم فلسطين ضد الثورات العربية هو أخبث ما استخدمته الأنظمة وأجهزتها الأمنية والإعلامية، فاستخدمت لازمة متكررة عن أن الثورات انشغلت عن فلسطين، ولم ترفع أعلامها، وأنها شغلت العالم عن قضيتها، وهو منطق متهافت يضع فلسطين، أمّ الانتفاضات، منذ انتفاضة 1936، ورأس معاداة الاستبداد في العالم، في وجه الثورات التي قامت ضد أركان هذا الاستبداد وحلفائه العرب.

وأكثر ما حتّ في عضد الثورات العربية، دخول إيران على خط الدفاع عن النظام السوريّ، مما قدّم للكثيرين من أيديولوجيي الممانعة، من بعثيي اليمن وموريتانيا، إلى يساريّي الأردن وتونس، فرصة للدفاع عن النظام الوحشيّ منطلقين من فكرة فظيعة في تهافتها، ولكنّها أثّرت في كثيرين عرباً وفلسطينيين وأجانب حتى، تغفر لمن حارب إسرائيل (أو ساهم في محاربتها يوماً) طغيانه اليوم وإيغاله في دماء شعبه، وترفع بذلك من شأن ضحيّة للاستبداد للتهوين من شأن ضحية أخرى، وبذلك تسيء لفلسطين بقدر إساءتها للثورات.

لكنّ حلف الضحايا لا يتجزأ وكذلك حلف الطغاة.