وفي العام 2014 بات لبنان أكثر ارتباطاً بالأتون السوري
وفي العام 2014
بات لبنان أكثر ارتباطاً بالأتون السوري
فادي شامية
ما بين النأي بالنفس وتوريط النفس فارق كبير. في العام 2012 رفعت حكومة الرئيس ميقاتي شعار "النأي بالنفس" تجاه الأزمة السورية. ظل هذا الشعار نظرياً، لأن طرفاً أساسياً في لبنان كان مشاركاً في الحرب السورية بقوة، ما استدعى تأكيد الرئيس ميشال سليمان وقتها على هذا المضمون من خلال إعلان بعبدا؛ الذي وافق عليه الحزب ثم نفض يده منه.
بالنظر إلى حصيلة العام 2014؛ يبدو أن الأمر ازداد سوءاً، ليس لأن شعار "النأي بالنفس" غاب كلياً عن الخطاب الرسمي اللبناني، وإنما لأن أداء أجهزة الدولة –فضلاً عن "حزب الله"- بات يسعى نحو توريط النفس واستجلاب النار السورية إلى لبنان.
القضية السورية: مرحلة 2014
يقفل العام 2014 على مشهد سوري قاتم. مئات آلاف القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين. ملايين المشردين واللاجئين. وبلدٌ مدمر ومقسم؛ نسيجه الاجتماعي ممزق، وجاذب لكل راغب بالقتال... وأشنع من ذلك كله أن لا أفق واضحاً للخروج من أتون النار المستعرة، فاللاعبون الدوليون لم يتفاهموا على حلٍ بعد، وكل منهم له حساباته وخططه المستقبلية.
وسط هذا المشهد؛ تتربع داعش؛ المنظمة التي صارت دولة؛ على جزء من العراق وجزء من سوريا. عنفها وجنونها استجر تحالفاً دولياً للقضاء عليها؛ حاول النظام السوري تعويم نفسه على خشبته، وما زال يحاول، فيما انضمت إيران إليه انضماماً غير رسمي، بمشاركة طيرانها في الضربات الجوية بترحيب أمريكي، فضلاً عن قيام الميليشيات العراقية التابعة لها –أصلاً- بمهمة القتال البري، في المناطق العراقية التي سيطرت عليها داعش.
في واقع الحال وبعد قرابة أربعة أعوام من الأزمة في سوريا يبدو النظام صامداً لغياب البديل المرضي عنه دولياً، لكن الكل يعلم؛ بما في ذلك حلفاء النظام، أن بشار الأسد انتهى كحاكم لسوريا، وأن الزمن لا يمكن أن يعود إلى الوراء، وعلى هذا الأساس يحاول الروس التفاوض مع اللاعبين الدوليين على البديل، فيما يعمل الإيرانيون على بناء "حزب الله" السوري، ليكون له دور في مرحلة ما بعد الأسد، فيما يراهن الأخير على منحه دولة علوية، فيما لو سار الحل على سكة الأزمة.
وفيما تبدو الولايات المتحدة الأمريكية، و"إسرائيل"، وحلفائهما، غير مستعجلين لحل الأزمة، بعدما صارت سوريا برمتها أتوناً لكل من يرغبون في استنزافه؛ تبقى التجارة بحقوق الأقليات، ومكافحة الإرهاب خطاباً مفضلاً للنظام السوري وحلفائه(تسببت بكارثة على مسيحيي معلولا، وأرمن كسب، والمحاولات مستمرة لتوريط الدروز بفتنة مع السنة).
ملاحظات خطيرة!
استناداً إلى هذا الواقع؛ وبالنظر إلى الأحداث التي وقعت في لبنان خلال العام الجاري؛ فإنه يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
أولاً: ثبوت تهافت نظرية "فلنتقاتل في سوريا ولنحيد لبنان"، التي أطلقها أمين عام "حزب الله"، لأن أول قد خالفها جمهور من أطلق النظرية قبل غيرهم، بدليل قطعهم طريق عرسال وتهديد أهلها والاعتداء عليهم، بعد كل مواجهة قاسية في سورية، فضلاً عن اشتراك مسلحين منهم في تسعير المواجهات في عرسال في شهر آب الماضي.
ثانياً: وهْمُ نظرية "القتال في سوريا من أجل حماية لبنان"، التي أطلقها السيد نصر الله في وقت سابق من العام الجاري (أكد عليها في خطابه في 21/10/2014)، لأن العمليات الإرهابية لم تضرب الضاحية الجنوبية قبل تدخل "حزب الله" في سوريا، ولأن قصف مناطق لبنانية لم يجر قبل قتال الحزب في القصير، ولأن محاولة اجتياح مناطق لبنانية (بريتال وجرودها) لم تحصل قبل أن يدخل مقاتلو الحزب إلى القلمون، ولأن الكرامة الوطنية لم تجرح بقدر ما جرحها اختطاف العسكريين وقتلهم، وهو ما لم يحدث إلا بسبب تدخل "حزب الله" في سوريا، وكرد عليه.
ثالثاً: اشتراك "حزب الله" فعلياً بالتحالف الدولي ضد داعش، من خلال اشتراكه بالقتال البري إلى جانب قوات النظام السوري والميليشيات العراقية التي تستفيد من الضربات الجوية للحلفاء. المفارقة أن "حزب الله"، وإيران، والنظام السوري، أخذوا موقفاً سلبياً من التحالف الدولي؛ وصل إلى حدود تهديد النظام السوري بإسقاط الطائرات الحليفة، لكن -وعلى قاعدة يتمنعن وهن راغبات-، فإن الأطراف الثلاثة داخلة فعلياً في هذا التحالف، فالنظام السوري يطالب علناً بالانضمام إليه، وإيران ضمت طائراتها إلى جانب طائرات التحالف في القصف على مواقع داعش، و"حزب الله" يقاتل على الأرض، ووزير خارجية لبنان – الحليف الأقرب إلى الحزب- انضم إلى مؤتمر التحالف الأخير في بروكسيل، وفاقت مطالبه المشاركين جميعاً، بالاشتراط عدم إدراج بند دعم المعارضة المعتدلة في المقررات، ومطالبته ضرب داعش في لبنان أيضاً!
رابعاً: تحول "حزب الله" بحكم سيطرته على القلمون بعد القصير، وإدارته مناطق بشكل مستقل، إلى قوة احتلال، بما يجعل من لبنان بلداً محتلاً لجيرانه، لأول مرة في تاريخه، مع ملاحظة لا تقل خطورة؛ أن "حزب الله" يحتل أيضاً مناطق لبنانية ويحولها مناطق عسكرية تحت إدارته، في جرود عرسال وفي بلدة فليطة اللبنانية.
خامساً: ثبوت عبثية الانتخابات الرئاسية السورية في أيار الماضي، والتي شهد لبنان مظاهر فاقعة لها؛ فلا هي غيرت في المعادلات الدستورية والميدانية السورية، ولا هي ظهّرت توجهات حقيقية للسوريين في لبنان، بدليل أن الذين فرحوا بأن السوريين في لبنان "طلعوا كلهم مع بشار"، هم أنفسهم عادوا واتهموا السوريين بأنهم إرهابيون أو بيئات حاضنة للإرهاب، فيما تمادت البيئات المؤيدة لبشار الأسد باضطهاد السوريين والطلب منهم مغادرة مناطقهم!
سادساً: نجاح الحزب في توريط لبنان، أكثر من أي وقت مضى في الأتون السوري، مستفيداً من عبثية وتطرف وغباء جماعات سورية مسلحة؛ هاجمت مناطق وأجهزة أمنية لبنانية، ما عزز من فرص الحزب في ضم قدرات الجيش اللبناني إلى جهوده في مواجهة المسلحين في جرود عرسال والتضييق عليهم، وفي تغيير تعاطي الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية مع الواقع السوري في لبنان بما يخدم مصالحه، وفي تجريم أي نشاط يقوم به لبنانيون أو سوريون لخدمة المعارضة المسلحة، وغض النظر بالمقابل – بل تمجيد- نشاطه العسكري والأمني لخدمة النظام السوري. "نجاح" الحزب؛ انعكس وبالاً على المستوى الوطني، فقد زاد من سعار الفتنة المذهبية، ومن منسوب الشعور بالمظلومية السنية، وورط الجيش اللبناني بمعارك كان في غنى عنها، وتسبب بشلل سياسي حكومة؛ أكثر ما يشعر به اليوم أهالي العسكريين المخطوفين.
السؤال الذي يطرح نفسه على أعتاب العام القادم؛ هل سيتحمل الوضع السياسي والأمني الهش في لبنان مزيداً من التورط في الأتون السوري؟ ليس أمام اللبنانيين سوى التفاؤل بالعام القادم رغم قتامة المعطيات.