سوريا ما قبل الأسد 2
د. هشام الشامي
[email protected]
في سوريا وطن المجد و التاريخ و الحضارة ( و ليس سوريا الأسد ) و في زمن رئيس منتخب آخر ، كان اسمه ناظم القدسي ، الذي كان يخرج يومياً إلى صلاة الفجر من منزله إلى المسجد سيراً على الأقدام ، فطلب منه بعض المصلين ، أن يرافقه أحد في هذا المشوار الليلي ، خشية عليه من أهل السوء ، فأبى و قال : أنا ذاهب لبيت الله و من يخرج إلى بيت الله لا ينبغي أن يخبر أحداً ، و الحامي هو الله 0 لم نظلم أو نسرق أحداً ، و لا نخاف إلا من الله.
و قبل أن يصبح رئيساً قدم إليه مالك أرض في منطقة (خان شيخون التابعة لمحافظة حلب يومها ) يشكو إليه جاراً له قد تجاوز على ملكه ، وطلب منه أن يكون وكيلاً محامياً عنه في الموضوع ، فما كان من القدسي المحامي بعد أن استمع إلى بينة الشاكي إلا أن طلب منه أن يقسم يميناً على القرآن الكريم بأن كل ما أفاد به إنما هو صدق وحق وذلك قبل أن يقبل الوكالة عنه ، وبعد أن أقسم ، استدعى خصم الرجل وقام بحل الخلاف ودياً بين الجارين فالعبرة لديه ولدى أمثاله من المحامين تحقيق الحق والعدل ، وليس القانون أو تسويف و تأجيل القضية حتى تحقيق أكبر مردود مادي من القضية دون النظر لعدالتها .
و بعد أن ترك الرئاسة و أصبح منفياً من سوريا الأسد و عند وفاة زوجته قبل وفاته بعام طلب من المعزين عدم الإعلان في الصحف والتبرع بأجورها لدور البر والإحسان ، وهذه الوصية نفذت أيضاً حين وفاته .
فمن هو الرئيس ناظم القدسي :
ولد ناظم في مدينة حلب الشهباء عام 1905 م ، درس الحقوق في دمشق ثم في الجامعة الأمريكية في بيروت و حصل على الدكتوراه من جامعة جنيف، انضم إلى الكتلة الوطنية ( التي كانت تقاوم ضد الاحتلال الفرنسي ) عام 1935م، ترك الكتلة عام 1939م بسبب فشلها في قضية ضم لواء الإسكندرون لتركيا ،و انتخب في برلمان عام 1943م عن حلب ،و عينه شكري القوتلي كأول سفير لسوريا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قدم اعتماده أمام فرانكلين روزفلت في 19آذار مارس 1945م ، حيث قام ببناء سفارة سوريا في واشنطن من الصفر .
أسس مع رشدي الكيخيا و بعض أعيان حلب حزب الشعب المعارض للحزب الوطني بقيادة شكري القوتلي وذلك عام 1947م ،و فاز القدسي في الانتخابات البرلمانية مرشحاً عن حزبه لأعوام 1947و 1949 و 1962 م 0
و بعد انقلاب العسكر بقيادة حسني الزعيم على الشرعية في 29آذار 1949 و الإطاحة بحكومة القوتلي ، طلب الزعيم من القدسي تشكيل الحكومة لكنه رفض ذلك معترضاً على الطريقة غير الدستورية لوصول الزعيم للسلطة ، فاعتقله الزعيم و أغلق مكاتب حزب الشعب ، ثم أطلق سراحه و وضعه تحت الإقامة الجبرية بمنزله في حلب لكن ذلك لم يمنع القدسي من استمرار معارضته للزعيم و خاصة عندما أغلق الحدود مع الأردن و العراق و أراد شن حرب عليهما 0
و بعد انقلاب سامي الحناوي على الزعيم في 14آب أغسطس 1949 ، و إعدام الزعيم ، أسس الحناوي لجنة سياسية بقيادة القدسي لإدارة البلاد في غياب وجود حكومة نظامية ،قام القدسي بسن دستور جديد و أصبح وزيراً للخارجية في أول حكومة برئاسة هاشم الأتاسي ، و قام القدسي بإجراء محادثات مع الأمير عبد الله ولي عهد العرش العراقي عارضاً عليه إقامة وحدة فدرالية بين سوريا و العراق تحافظ على حكومتين مستقلتين في دمشق و بغداد و تجمع الشؤون العسكرية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و السياسية للبلدين ، كما عرض برامج مماثلة في اجتماع جامعة الدول العربية في 1كانون الثاني يناير 1951.
وبعد أن أطاح أديب الشيشكلي بسامي الحناوي كلفه هاشم الأتاسي المنتخب حديثاً في 24كانون الأول ديسمبر 1949 بتشكيل حكومة . لكن العسكر عارضوا حكومته لعدم وجود أي ضابط فيها و لأن أعضاء حكومته معارضين لتدخل العسكر في السياسة فاستقال بعد خمسة أيام، ثم شكل حكومة جديدة في 4حزيران يونيو1950 ضمن فيها عدم معارضة العسكر بتعيين فوزي سلو ( اليد اليمنى لأديب الشيشكلي ) وزيراً للدفاع فيها ، ثم عاد فاستقال من الحكومة لتدخل العسكر في 27 آذار مارس 1951 ، و انتخب في 1تشرين الأول أكتوبر من نفس العام ناطقاً باسم البرلمان ، و في 28تشرين الثاني نوفمبر استولى أديب الشيشكلي على الحكم و أوقف كل قيادات حزب الشعب و عين فوزي سلو رئيساً مؤقتاً للجمهورية و أرسل القدسي لسجن المزة . ثم أطلق سراحه في كانون الثاني يناير1952 و وضع تحت الإقامة الجبرية حتى أطيح بالشيشكلي في شباط فبراير1954.
في تشرين الأول أكتوبر1954 أصبح نائباً في أول برلمان بعد فترة الشيشكلي ، و انتخب ناطقاً باسم البرلمان ،و في 12 تشرين الأول أكتوبر1957 استقال من منصبه بعد أن اتهمته جريدة ناصرية بالعمالة و حل محله الاشتراكي أكرم الحوراني ، صوت القدسي ضد الوحدة مع مصر ، و عندما قامت الوحدة مع مصر استقال من العمل السياسي و عاد إلى مدينته حلب .
و بعد فشل الوحدة مع مصر وحصول انقلاب الانفصال بقيادة عبد الكريم النحلاوي في 28 أيلول سبتمبر1961 تم تشكيل وزارة انتقالية في اليوم التالي برئاسة الدكتور مأمون الكزبري التي وعدت بالانتقال إلى الأوضاع الدستورية للبلاد خلال فترة أقصاها أربعة أشهر .
و قد أوفت الحكومة بوعدها و أقيمت أخر انتخابات حقيقية في سوريا و فاز بها الرئيس ناظم القدسي و شكل معروف الدواليبي الحكومة .
و في تاريخ6/10/1961 صدر بيان ثورة العهد الجديد الاشتراكية العربية الذي ضم الخطوط العامة لسياسة الثورة ‘ فأعيد للعمال حقوقهم المغتصبة و أعيد العمل بقانون العمل القديم و ألغي قانون التأميم و الإصلاح الزراعي و أقر قانون جديد يعوض على المتضررين من القانون السابق 0
و إثر انقلاب العسكر في 8آذار مارس 1963 أطيح بحكومة القدسي الذي رفض مقاومة القوات المجابهة للشرعية بقوة السلاح حقناً لدماء السوريين.
و توفي بعيداً عن وطنه في عمان الأردن في السادس من شباط فبراير 1998.