كلمات صادقة ومن صدقها أبكتني

كلمات صادقة ومن صدقها أبكتني

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

هي ليست أكثر من رسالة قصيرة من ممثلي الثورة في دير الزور الحرة الأبية

تروى قصة عن محمد الفاتح رحمه الله  عندما أراد أن يفتح القسطنطينية قال لخادمه أو وزيره تعال معي إلى السوق غداً ومتنكرين في الصباح حتى لايعرفنا أحد, وفي الموعد الذي يفتتح السوق أبوابه ذهب السلطان ومعه مرافقه إلى السوق وذهب لعند أحد التجار وقال له اعطني ذك الحبل , فقال له التاجر لو تكرمت ياأخي وذهبت إلى عند جاري التاجر فعنده نفس الحبل فاشتري من عنده , لأنني قد استفتحت البيع والحمد لله ولكن جاري لم يستفتح بعد , فنظر السلطان لمرافقه وقال بمثل هذا الشعب نستطيع أن نفتح القسطنطينية

لنعد لطبيعة الأنظمة الديكتاتورية والشمولية وعلينا بالمثل الحاضر أمامنا , هو ماآل إليه المجتمع السوري في ظل النظام الشمولي الأسدي البعثي , لأضرب مثلاً بسيطاً واقعياً تبدأ القصة عندما عادت زوجتي والأولاد لسورية , وبعد تقسيم تركة والدي رحمه الله تعالى , يوجد في حصتي بعضاً منها كان قد استولى عليها ابن عمتي , وعندما أرادت زوجتي استردادها منهم حاولوا بشتى الوسائل الإمتناع عن التنازل عن الأراضي التي اغتصبوها سابقاً وحجتهم في ذلك يقولون للزوجة والأولاد أنتم لاجئون هنا , فاذهبوا  إلى المكان الذي جئتم منه .

أهلنا في ادلب وحماة وحمص هاجرت عوائل كثيرة منهم إلى حلب تنشد الأمان والإطمئنان في حلب , فاستغل أهل حلب الموقف ورفعوا إيجار البيوت واستغلوا موقف المضطر , أي أنهم لم يعتبروهم لاجئين أو مشردين وإنما اعتبروهم سواح قادمون من شتى بقاع المعمورة , وأصبحت ايجارات الشقق والبيوت تعطى بأسعار سياحية

الأهل الكرام في دير الزور بكلمات قليلة معبرة أرسلوا الرسالة الآتية لأهلهم في المحافظات كافة , إن كل بيت في دور الزور هم أنتم مالكوه , وأنتم أصحاب البيوت ونحن ضيوف عندكم , وأنتم المهاجرون ونحن الأنصار لكم

أمثلة ثلاثة نبني عليها قواعد اجتماعية هامة , فالثورة في قريتي لم تصل إليها , وفي حلب بعيدة عنها , ودير الزور في قمة الثورة

فالثورة هنا نسفت مباشرة سياسة النظام الشمولي وعادت لأصالتها السابقة , في الكرم والثقة بين الناس ومؤاثرة المحتاج على نفسه , وعودة الثقة والطمأنينة بين عناصر المجتمع 

لأن نزع الثقة بين الناس هي من أهم الركائز التي يعتمد عليها النظام الديكتاتوري في السيطرة على الشعب , وهي التي تعطيه فترة أوسع وأطول في البقاء , فالكل يخاف من الكل والكل لايثق بالبعض ولا البعض يثق في الكل , وحتى داخل العائلة نفسها لاثقة بين الأب والأبناء ولا الزوج والزوجة  ولا مجال للثقة بينهما في ظل النظام القمعي الشمولي

فمن أولى ثمارات الثورة في المناطق التي تعم فيها المظاهرات هو عودة الثقة بين الناس , وهذه الثقة المسترجعة  من مباركات الثورة , استرجعت أيضا الثقة بالتفس , ليس هناك أخطر على الفرد والمجتمع من ضياع الثقة بين الفرد والفرد الآخر والذي يؤدي لمرض فقدان الثقة بالذات , وعندما يثق الفرد بنفسه ينعكس ذلك بثقته بالآخرين , لتتولد عن هذه الحالة مجتمع متكاتف متوازن محب لبعضه بعضاً , وعندما يعم الحب في المجتمع والمبني على ثقة الفرد بنفسه وبمجتمعه وثقة المجتمع المنبثقة أيضاً , فلا يمكن لأي قوة غاشمة أن تكسر , أو تميت هذا الحب .

فأهل حلب كما أهل قريتي لم يتذوقوا طعم الحب هذا والناتج عن الثقة المتبادلة والناتجة من ثقة الفرد بنفسه , ليعم ذلك على تحول المجتمع من مجتمع شكاك مرتاب لمجتمع يؤمن بأنه قادر على تجاوز الصعاب , كما نشاهده في المناطق الثائرة من وطننا الحبيب , وكيف أن الناس تخرج هادرة كموج البحر في تشيع شهيد وهي غير متأكدة من العودة مرة أخرى وتعرف أن الموت أمامها وبانتظارها , ولكن الحب والعزيمة والإصرار النابع من الثقة المطلقة بالذات تقف أمام الصعاب كلها

ستنتصر الثورة إن شاء الله قريباً وسيعاني المتخلفون في المستقبل الكثير الكثير من المعاناة , في أنهم لم يتذوقوا طعم الحب والتكاتف والتآذر الذي بثته الثورة في نفوس الثائرين

فألف تحية لكم ياأهلنا في دير الزور , فالكريم يتميز بالرجولة والبخيل يتميز بالجبن , فالكريم محبوب من الله وملائكته ومن الناس , والبخيل مكروه من الله وملائمكته ومن الناس .

فاخترتم الطيب والخير وإن الطيور على أشكالها تقع.