الأزهر والأوقاف
الأزهر والأوقاف
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
يتحرك الأزهر في اتجاه استعادة دوره القديم الذي كان قبل تخريبه
وتدميره بالقانون 113 لستة 1961 على يد الحكومة المستبدة التي قامت بتصفية الأحزاب
والمؤسسات التي يمكن أن تمثل حجر عثرة في طريق الفاشية العسكرية البوليسية ، وقد
كان لثورة يناير فضل كبير بعد الله في توجيه الأمور ليكون الأزهريون على توافق
لاستعادة الدور الضائع ، وتحقيق الاستقلال ، وتشكيل هيئة كبار العلماء ، والوقوف من
أحداث المجتمع موقفا أفضل يقترب مما يرتضيه الله ورسوله .
وقد آن الأوان أن تعود أوقاف الأزهر إليه ، وأن تنضم إليه وزارة
الأوقاف بمساجدها ومؤسساتها المختلفة لتكون الدعوة الإسلامية مستقلة ،وبعيدة عن
ضغوط الأجهزة الأمنية وغيرها .. فقد عرف الناس أن وزارة الأوقاف تحولت في العقدين
الأخيرين إلى فرع من فروع ( السافاك ) أمن الدولة ، تأتمر بأمره ، وتنفذ رغباته ،
وتحول الدعوة الإسلامية إلى دعوة للنظام والسلطة ولو كانت مخالفة لما اتفق عليه
جمهور الأمة ، ويكفي أنها تفرغت لقضايا موجهة من النظام مثل تحديد النسل والختان
والنقاب ، ولم يفتح الله عليها بكلمة في مواجهة خصوم الإسلام الذين لا يكفون ليلا
أو نهارا عن هجائه وتشويهه ، وتسميته بالإظلام ، ووصمه بالتخلف والجمود والرجعية ،
فضلا عن إهانة العلماء والدعاة ، بل إن هؤلاء الخصوم تمادوا في غيهم حين طالبوا
بحذف المادة الثانية من الدستور ، وطالبوا بنزع الصفة الإسلامية من الدولة وتسميتها
بالمدنية ، وكأن الإسلام يقوم على الكهنوت ورجال الدين الذين لا وجود لهم في ديننا
الحنيف !
أقوى الإدارات في وزارة الأوقاف ، الإدارة الأمنية ، وهي جزء
من جهاز السافاك أو أمن الدولة ، ومهمتها الأولى محاربة الإسلام ، وكل إمام أو موظف
تشتم فيه رائحة عزة الإسلام كان مصيره إلى المجهول - المعلوم ، وهناك حكايات كثيرة
تروى عن الضباط الذين كانوا يمثلون أسوأ أنواع البشر ، ويتحكمون في كل صغيرة وكبيرة
داخل الوزارة ، لدرجة أن الوزير كان لا يرد لهم أمرا كي يرضوا عنه ويستمر في منصبه
.
الوزير السابق للأوقاف كان خاتما في إصبع ضابط الأمن يحركه كيف
يشاء ، لذا رفض تعيين الأئمة المتدينين ، ورضي أن يعين بدلا منهم أئمة شبه أميين ،
لا يحفظون القرآن ولا علاقة لهم بالدين ولا بالأخلاق ، بل إن بعضهم يعمل في الوقت
ذاته في مجالات لا تليق بالإمام الذي يعظ ويوجه ويربي ويقوم على شئون الدعوة !
وكان حصاد ذلك أن معالي الوزير فاز بمقعد في مجلس الشورى عن
طريق التزوير السافر الفاضح ، فقد قالت السلطة إنه حصل على 293 ألف صوت من أصوات
الناخبين في دائرته الانتخابية ، ويعلم الناس جميعا أن عدد من ذهبوا إلى لجان
الانتخابات لا يتجاوزون ثلاثمائة شخص ، فالجمهور يعلم أن السلطة الفاشية كانت تقوم
نيابة عن الناس بتسويد الأوراق ، واختيار من تريد هي لا من يريد الناس !
ثم إن الوزير المذكور أراد أن يثبت أقدامه لدى النظام الفاشي
الموالى لأعداء الله ، فأطلق دعوة غريبة لزيارة القدس المحتلة ليزورها المسلمون
بتأشيرات كيان الغزو النازي اليهودي ، بدلا من إعلان الجهاد لتحرير القدس كما يفرض
ديننا الحنيف !
وعندما قامت ثورة يناير ، وسقط هذا الوزير مع نظامه الفاسد
البائد ، خلفه آخر أكثر منه سوءا ، وأشد بطشا بأهل وزارته ، وتاريخه غير مضيء بحال
، فقد كان مديرا لجامعة الأزهر وفي ظل إدارته قام المجرمون من جهاز الأمن ( الحرس
الجامعي ) بضرب طالبة أزهرية في جامعة الزقازيق ، وإهانتها بطريقة وحشية ، ولكن
صاحبنا بدلا من الدفاع عن كرامة الجامعة وكرامته وكرامة الطالبة ، أطلق تصريحا
مخزيا ذليلا يدل على تبعيته لجهاز الأمن وارتمائه في أحضانه حيث وصف سيادته إهانة
الطالبة بـ "السيناريو المعد مسبقا" والدليل على ذلك، حسب قوله، هو وجود الكاميرات
وتصوير ما حدث، وأنه لم يحدث اعتداء على الطالبات وأن ما حدث هو طلب الأمن لهؤلاء
الطالبات بفتح الشنط الخاصة بهن لثبوت أنها تحتوى على منشورات، فرفضت الطالبات
بدعوة أن الأمن يريد تفتيشهن ذاتيا وهذا ما لم يحدُث(؟؟!) هل هذا كلام رئيس جامعة
يحرص على كرامة الجامعة وكرامة طالباته وكرامته أولا ؟
ثم قال المذكور: إنه لن يسمح لطلاب "المحظورة" – يقصد الإخوان
المسلمين - بمحاولة سلب عقول طلاب الأزهر لنشر أفكارهم داخل الجامعة، مشددا أنه لن
يسمح لأحد أن يخترق الأزهر أو اتجاهات أبنائه ! ( اليوم السابع 17/10/2010)
إنها لغة الأمن الفاشي المعادية للإسلام ، وهي اللغة ذاتها التي
تحدث بها مع السفيرة الأميركية مارجريت سكوبي حين قابلته ، وتدخلت في شئون الدعوة
والإسلام حيث أكد لها ( 27/4/2011) ، أنه لا خوف على مصر من التيارات المتشددة
التي تواجهها المؤسسات الدينية (؟) المعتدلة بالفكر السليم المعتدل، الذي ينطلق من
المنهج الإسلامي في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي
هي أحسن. مشددا على أن جميع المساجد والزوايا خاضعة لإشراف وزارة الأوقاف، ولن
تتخلى الوزارة عن دورها، وستظل مسئولة عن تعيين دعاة المساجد وخطباء الجمعة، ويتم
التنسيق بصفة مستمرة مع كل مؤسسات الدولة (؟) ، من أجل تطبيق القانون، ولن نسمح
لأحد باغتصاب المنابر أو الاستيلاء على المساجد.وقال وزير الأوقاف: إن رسالة
الوزارة في ظل الظروف الحالية، ترتكز على عدة محاور، أهمها: التركيز على قيم
المواطنة، والانتماء للوطن، وتأصيل ثقافة التعددية، والتعاون مع الجميع، للتصدي لكل
ما يمس وحدة الشعب المصري، والتصدي لدعاة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وبالتالي
فإن دعاة الوزارة حريصون على أن يكونوا دعاة للوحدة ومواجهة الغلو والتشدد،
والتفاعل مع قضايا الوطن وهمومه وتحدياته.
إن الرجل يتحدث بلسان رجل أمن ، وليس رجل دعوة يخاف على الإسلام
، ويدافع عن عزة المسلمين ، ولم يطلب من السفيرة عد التدخل في شئون الإسلام
والمسلمين مثلا ، ولكنه يقدم فروض الولاء والطاعة لمندوبة أكبر دولة ظالمة في
العالم ، ثم يستعير خطاب الحظيرة الثقافية في عدوانها على الإسلام والحركة
الإسلامية جميعا . ثم إن المذكور تورط وهو رئيس الجامعة ، فى صرف تسعة آلاف يوم،
مكافآت للحرس الجامعي، مقابل جهود غير عادية بذلها الحرس (؟) ولا نعرف ما هي هذه
الجهود غير العادية ؟
ثم تأمل موقفه من مسجد النور ، وإصراره على الاستيلاء على
المسجد ضاربا عرض الحائط بالأحكام القضائية النهائية التي تعيد المسجد وملحقاته
لجمعية الهداية التي أنشأته ، كي يرضى عنه جهاز السافاك وجهات أخرى ، ونسي أن مصر
أسقطت السافاك ( أمن الدولة ) وستسقط بإذن الله كل الجهات المعادية لحرية الشعب
واستقلاله ، والمعادية للإسلام وأهله .
ولأن صاحبنا متخصص في إهدار أحكام القضاء ، فقد قضت محكمة جنح
مدينة نصر بمعاقبته بالحبس3 سنوات وكفالة 10 آلاف جنيه لاتهامه بالامتناع عن
تنفيذ حكم قضائي صادر لمصلحة طالب حصل علي تقدير امتياز مع
مرتبة الشرف ، ولم يتم تعيينه معيدا بالجامعة عندما كان
رئيسا للجامعة ، لأسباب أمنية (الأهرام 15/3/2011م) .
ثم تأمل موقفه من الأئمة الذين اعتصموا بالوزارة لتعيينهم بعد
أن رفض السافاك تعيينهم ، فأمر (بكنسهم !) ، وقد أكدوا أنه أمر الشرطة بأن “تكنسهم”
من أمام الوزارة، مدعيًا أنهم إرهابيون ومجرمون ( برنامج “صباحك عندنا” علي قناة
“المحور” 29/6/2011) :
هل مثل هذا الذي لم يعرف عنه أنه ألقي خطبة على منبر ، أو شرح
درسا في مسجد ، أو قدم حديثا في إذاعة يمثل وزارة الأوقاف ؟
إن هذا الوزير وسلفه من أسوأ النماذج التي عرفتها وزارة الأوقاف
في خدمة النظام الفاسد البائد ، ومعهما بعض من ساعدوهما في العمل الإداري ، لقد
تركوا أمر الدعوة ، وتفرغوا لتنفيذ إرادة الأمن الفاشي ، وتأميم مساجد مصر كلها
لتكون تحت قبضة النظام المعادي للإسلام ، بعد أن تناسوا واجبات الدفاع عن الدين ،
واستعادة الأوقاف المنهوبة ، حتى صارت مؤسسة الأوقاف فاسدة حتى النخاع ، ومن
يعملون بالأوقاف يعرفون جيدا حجم الفساد الذي تجذر وتعمق وتمدد في أروقة الوزارة
التي يفترض أن تكون نموذجا للآخرين في الاستقامة والطهارة والالتزام .
إن ضم الأوقاف إلى الأزهر يمثل ضرورة قصوى لتخليصها من الميراث
المظلم الذي استمر قرابة عشرين عاما ، وتوحيد أجهزة الدعوة والتدريب في إطار مؤسسة
الأزهر المستقلة ، واستعادة الأزهر للأوقاف المنهوبة أو التي استولت عليها بعض
الجهات الرسمية أسوة بأوقاف الكنيسة التي ردت إليها ، وتوفير الدعاة والقراء الذين
تحتاجهم الأمة الإسلامية في أرجاء الأرض .