المقامة الشامية
د. هشام الشامي
مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية
حدثنا بعض الرفاق والرفيقات، من المظليين والمظليّات، الذين أجروا عند سرايا الدفاع دورات، في بداية عقد الثمانينات، من القرن الذي فات، ليحققوا ما لم يستطيعوا تحقيقه بالدراسة والعلامات، ويسقطوا فوق الجامعة بالمظلات، ويقتحموا أفضل الفروع والكلّيات، ويصبحوا من المثقفين والمثقفات، ومن أهل العلم والجامعات، ويتخرجوا مهندسين ومهندسات، وأطباء وطبيبات، فقالوا مفتخرين بمعلمهم رفعت ومفتخرات، بما حققه لهم من منجزات، وبما علمهم من موبقات، وما شجعهم على فعله بحق المواطنين والمواطنات، الذين كان يصفهم بالرجعيين والرجعيات، ويسمهم بالمتخلفين والمتخلفات، والمتآمرين على الثورة والمتآمرات، والذين لا يفهمون إلا بأسلوب القهر والإذلال والمخابرات، ولا ينفع معهم اللين والحسنى والحريات، ويجب تربيتهم بالصرامي والشحّاطات، وإذلالهم بالشتائم والمسبات، وإرهابهم بقوة الجيش والمخابرات، وكسر رؤوسهم بالهراوات، وإخضاعهم لسلطة العسكر والعصابات، وعزل من أبى الخضوع منهم في السجون والمعتقلات، وضربهم وتعذيبهم بالكرابيج والعصي والهراوات، وإعدامهم زرافات وجماعات، وتخضير الصحراء بهم وحشو رؤوسهم بالمحاضرات، حتى يصبحوا ثوريين وثوريات، ومناضلين ومناضلات، وبعثيين وبعثيات، وتقدميين وتقدميات، حدثنا هؤلاء عما تعلموه في تلك المعسكرات، التي اختلطوا فيها مراهقين ومراهقات، فاشبعوا رغباتهم المكبوتة ببعضهم كالحيوانات، وتنافسوا مع مدربيهم على الحسناوات، ومارسوا الجنس بلا خوف من التبعات، فكل شيء مباح في هذه الكرخانات، أما الرفيقات المراهقات؛ فقد حصلن على شهادات؛ تبرر فض بكاراتهن نتيجة نزولهن بالمظلات، وقد كانت هذه المخيمات، فرصة للفتيان والفتيات، تناولوا فيها التدخين والمشروب والمخدرات، فكانت أشبه ما تكون بقلعة الحشايين والحشاشات، وكم ذكّرهم ضباطهم في الخطابات، أن هذه هي الجنات، فتمتعوا بما فيها من الخيرات، و أولغوا كما شئتم في الشهوات، ولا تحرموا أنفسكم من اللذّات، فليس هناك محرمات، سوى الاقتراب من عالي المقامات، كالرفيق الأعلى حافظ والقائد رفعت وبقية السادات، ولا تصدقوا ما يقوله الرجعيون والرجعيات، من أن هناك محلّلات ومحرمات، وأخلاق وقيم ومكرمات، ونفخ في الصور وبعث للأموات، وحساب ونار وجنّات، وربّ ورسل ورسالات، فكل هذه الأقوال خرافات، فربكم حافظ ونبيكم رفعت ورسالتكم كتبت في المنطلقات، وانسوا ما علمكم أباكم من ترهات، وما لقنكم أساتذتكم في المحاضرات، وما سمعتموه من مشايخكم في المساجد و الجمعات، ورهبانكم في الكنائس و العظات، وارموا كل هذا الفكر المتخلف في سلة المهملات، واجعلوا قائدكم رفعت مكان الرب والآباء والأمهات، وأوامره كالآيات المنزلات، وتقديسه من المسلمات، وافدوه بالروح والدم وباقي الغاليات، فتكونوا من المقربين والمقربات، والمكرّمين والمكرمات، ومن المميّزين والمميزات، وتنالوا ما لم ينله الآخرون والأخريات، من المواطنين الرعاع والمواطنات، الذين ستقابلونهم يوم الجمعة في الأجازات، عندما ستنزلون عصراً بالسيارات، وتتوزعون في الشوارع و الساحات، بألبستكم المبرقعة والبصاطير والمسدسات، فترهبون الشيوخ والشباب والسيدات، وعندما ستعودون سنرى ما فعلتم من منجزات، وهل طبقتم ما علمناكم به في تلك الساعات.
وعندما يجتمعون ليلاً في المعسكرات، بعد جمعهم من الساحات، وشحنهم في المركبات، يُسألون فرداً فرداً عما فعلوه من بطولات، وما حققوا من انجازات، في شوارع دمشق والساحات، وتبدأ جلسة المفاخرات والمزايدات، فهذا رأى شاباً وخطيبته فانقض عليها وأشبعها أمامه قبلات، وهذا دخل مع رفيقته إحدى السينمات؛ فمارس معها الجنس في الظلمات؛ فانفض الجمهور وتركوهما في سبات ونبات، وهذا رأى شيخاً عجوزاً فنتف من ذقنه شعرات، وهذا ذهب للخياط فضيّق سرواله العسكري وأعطاه أجره لكمات، وهذه رفعتْ الحجاب عن رؤوس المحجبات، وهذا حلق ذقنه في أحدث الصالونات؛ وعندما طلب الحلاق أجره بصق في وجهه بصقات، وهذا تعشى في أحسن المطاعم وتناول أفضل الوجبات، وهذه سكرت في أكبر الحانات، وهذا حمل معه أفضل الحلويات، وهذه جلبت معها الشوكولا والمكسرات، وهذا جمع بعض المعلبات، وهذه أحضرت بعض المشروبات، وهذا حمل معه الفواكه والخضروات، وكلهم لم يدفعوا ثمناً للمسروقات، سوى الشتائم والصفعات، لمن أبدى انزعاجه منهم من أصحاب المحلات، وعندما انتهى استعراض تلك البطولات، شكرهم قادتهم على تلك الانجازات، وأبدوا رضاهم عن تلك الفعلات، وأملوا منهم أن يطوّروا أفكارهم في قادم الغزوات، ويُذلّوا أهل الشام من المتكبرين والمتكبرات والمتعجرفين والمتعجرفات، والإقطاعيين والإقطاعيات، والبرجوازيين والبرجوازيّات.
أما في سهرة الخميس فقد كانت تقام أكبر الحفلات، ويُدعى لإحيائها أفضل الفنانين والفنانات، وأشهر المطربين والمطربات، وويل لمن يتأخر منهم عن تلبية تلك الدعوات، ولو كان ملتزماً مع أكبر النوادي والصالات، وفي إحدى تلك السهرات، التي أحيتها ميادة مطربة الشباب والشابات، والتي حضرها رفعت وكبار القيادات، وما إن انتهت مطربة الجيل من الأغاني والآهات، حتى تدفق عليها المظليين والمظليات، من كل حدب وصوب وجهات، وأخذوا بتقبيلها وقرصها في سائر الأماكن والمحلات، وتكاثرت على جسدها شبه العاري الأيادي والقبلات، وهي تقابلهم بالابتسامات، وتظهر لهم الرضا وتبادلهم المجاملات، وتكظم غيظها عن أصحاب المقامات، وتخفي انزعاجها عن معالي الحضرات، وأما رفعت فكان مسروراً من هذه المشاهدات، وراضياً عن أبنائه المظليين والمظليات، ويصدر مع رفاقه القادة أعلى القهقهات، وينثر رذاذ فمه في كل الاتجاهات، وكأنه قد عاد لتوه من الجبهات، بعد أن حرر الجولان وسائر المقدسات.
فما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت.