الخوارج تاريخ وعقيدة 15

محمد فاروق الإمام

الخوارج تاريخ وعقيدة

الحلقة (15)

صفات الخوارج

محمد فاروق الإمام

[email protected]

لقد اتصفت الخوارج بصفات متميزة، جعلت منهم فئة تجادل عن اعتقادها باندفاع وحماس وعنف. وأهم ما اتصف به الخوارج الآتي:

الفصاحة وطلاقة اللسان ورصين البيان وأسلوب تأثير الكلام.

التشدد في العبادة والانهماك فيها. فقد كانوا أهل صلاة وصيام وتلاوة قرآن، وإخلاص لما يعتقدون حتى درجة الفداء والموت في سبيل الذود عن اعتقادهم.  

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أواخر أيامه: "لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه".

وقال عمر بن عبد العزيز لبعض الخوارج: "إني قد علمت أنكم لم تخرجوا مخرجكم هذا لطلب دنيا أو متاع.. ولكنكم أدركتم الآخرة فأخطأتم سبيلها".

الشجاعة النادرة.

حبهم للجدل والمناقشة والحوار والمناظرة ومذاكرة الشعر وكلام العرب، كما غلب التعصب على جدلهم وعدم التسليم للخصوم بحجة، وعدم الاقتناع بفكرة مهما كانت قريبة من الحق أو واضحة الصواب.

ومن الحق أن نعترف أن الإخلاص كان سمة الكثيرين منهم، ولكنه إخلاص يصاحبه الانحياز لناحية معينة قد استولت على مداركهم. ونسوق هنا بعض الحقائق التي تبين انحيازهم لما يعتقدون:

عند مسير خوارج البصرة إلى عبد الله بن وهب الراسبي، صادفوا في طريقهم رجلا يسوق بامرأة على حمار، فعبروا إليه، فدعوه فتهددوه وأفزعوه، وقالوا له: من أنت ؟ قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أهوى إلى ثوبه يتناوله من الأرض - وكان سقط عنه لما أفزعوه - فقالوا له: أفزعناك، قال: نعم، قالوا له: لا روع عليك ! فحدثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لعل الله ينفعنا به ! قال: حدثني أبي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن فتنة تكون ! يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه، يمسي فيها مؤمناً ويصبح كافرا، ويصبح فيها كافراً ويمسي فيها مؤمنا".

فقالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فأثنى عليهما خيرا. قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها ؟ قال: إنه كان محقا في أولها وفي آخرها. قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده ؟ قال: إنه أعلم بالله منكم، وأشد توقيا على دينه، وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا. فأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم، حتى نزلت تحت نخل مواتر، فسقطت منه رطبة، فأخذها أحدهم فقذف بها في فمه، فقال أحدهم: بغير حلها، وبغير ثمن ! فلفظها وألقاها من فمه، ثم أخذ سيفه بيمينه، فمر خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه. فقالوا: هذا فساد في الأرض، فأتى صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره، فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي منكم بأس، إني لمسلم، ما أحدثت في الإسلام حدثا، ولقد أمنتموني، قلتم: لا روع عليك ! فجاؤوا به فأضجعوه فذبحوه، وسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة، فقالت: إنما أنا امرأة، ألا تتقون الله ! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة في طيء، وقتلوا أم سنان الصيداوية.

هذا مظهر من مظاهر إخلاصهم، ومع ذلك فالتحيز يسيطر عليهم، فقد قتلوا عبد الله بن خباب لأنه لم يقل لهم: علي مشرك، وأبوا أن يأخذوا تمر النصراني بغير ثمن. وساموا رجلا نصرانيا بنخلة فقال: هي لكم، فقالوا: والله ما كنا لنأخذها إلا بثمن. قال النصراني: ما أعجب هذا أتقتلون مثل عبد الله بن خباب ولا تقبلون منا نخلة !!

وهكذا نرى التناقض واضحا في صفاتهم، وازدواجية في المعايير، تقوى وإخلاص يرافقه انحراف وهوس، وتشدد وخشونة وجفوة، وتهور واندفاع في الدعوة إلى ما يعتقدون، وحملهم الناس على قبول آرائهم المنحرفة المتميزة بالعنف والقسوة والبطش من غير رفق، وبما لا يتفق وسماحة الإسلام كحال خوارج زماننا". والله تعالى يقول: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وقال تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).