سنة التدافع وعوامل النصر (16)

سنة التدافع وعوامل النصر (16)

عمر حيمري

ثانيا الإعداد الاستراتيجي للمعركة  : إن من أعظم  الأمور التي  تدل على صدق الرغبة في الجهاد والعزم عليه ، هي إعداد العدة والاستعداد للجهاد والتأهب للسفر ولملاقاة العدو مع عقد النية والعزم على عدم التولي يوم الزحف ، ولكن المخلفون من المنافقين والذين في قلوبهم مرض فضلوا القعود في منازلهم  مع المرخص لهم من الضعفاء والمرضى والنساء . وحسنا فعلوا ، لأن خروجهم لا يزيد المجاهدين إلا ضعفا وخبالا وفتنة وارتباكا ، والله  سبحانه وتعالى يعلم هذا ، ويعلم سوء سريرتهم ، وخبث نواياهم ، وغشهم للإسلام وعدم الإخلاص لأهله ، وضررهم لجند الإسلام إن هم خرجوا معه . فثبطهم  وقيل لهم اقعدوا مع القاعدين ، وأنزل في حقهم قرآن يفضحهم كظاهرة نفاقية تتكرر عبر الزمان والمكان ، كما هو وارد في قوله تعالى  ; [ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره  الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين  لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ] ( سورة التوبة آية 46 - 47 )  وهذا حال المنافقين في كل وقت وحين ، جبناء ، لا يواجهون الجهاد ولا يعدوا له عدة ، لمرض في قلوبهم المرتابة ولنفوسهم الفارغة من الإيمان واليقين ، يميلون بألسنتهم خوفا وجبنا وكيدا ، وتأبى قلوبهم أن تميل . يعتمدون النميمة ونشر البغضاء بين المؤمنين بغية الوقيعة والتفرقة والفتنة وشق الصفوف لتعم الفوضى ويرتبك الجيش ويضطرب وقد يصيبه الضعف فيفسد ويفسد الخطة  الحربية المعول عليها سلفا ، وقد يتقهقر وينهزم بسبب هذا الكم من مكائد المنافقين . ولهذا كره الله مشاركتهم في القتال إلى جانب المسلمين ، أو انضمامهم إلى صفوفهم ، كما وجبت الحيطة منهم ووضعهم في الحسبان عند الإعداد لكل إستراتيجية قتالية ضد العدو واعتبارهم منذ البداية عدو داخلي لا يقاتلون معنا عدوا ولا نثق فيهم ، فهم طابور خامس ولاؤهم لعدونا وليس لنا في السلم والحرب معا وإن كانوا يتوارون خلف الشعارات المعسولة في حالة السلم والضعف .

إن من الإعداد الإستراتيجي للمعركة ضد الشرك والمشركين ، والعلمانيين والليبراليين والمنافقين والمرجفين ، وكل قوى الشر المعادية للإسلام والمسلمين إجمالا ، فضح خططهم الرامية إلى التشكيك في مقوماتنا الدينية والأخلاقية ومميزاتنا الذاتية  وعلى رأسها نظرياتهم الداعية إلى التجزئة والتفرقة تحت شعارات خادعة ودعايات كاذبة من شأنها تشويه الإسلام وجنده ، كتلك التي تنادي بتجزئة المغرب العربي إلى عرب وبربر، والسودان إلى شمال وجنوب على أساس الدين ، ومن قبل عزلوه عن مصر ، واليوم خلقوا له مشكلة دارفور في الغرب على أساس عرقيقي وقبلي ، مع العلم أن الفروق العرقية والقبلية بين قبائل دارفور غير واضحة المعالم خصوصا وأنهم جميعا يدينون بدين الإسلام، ومصر هي الأخرى ، لم تسلم من مكر الطابور الخامس عملاء الشر ، إذ قسموها  إلى إخوان وأقباط وفراعنة ، والعراق لم تكن أكثر حظا من مصر إذ فتتوها  أكراد وعرب وشيعة وسنة وهذه الرابطة الإسلامية ، وتلك الرابطة الشرقية والأخرى الرابطة العربية  والرابطة الأمازيغية  وجعلوا من الإسلام ، إسلاما متطرفا وإسلاما معتدلا وإسلاما أمريكيا وإسلاما إرهابيا ( الإسلام فوبيا ) ... مع العلم أن الإسلام إسلام واحد ، كما هو قرآن واحد وسنة واحدة . ومن شد مكرهم وحقدهم على الإسلام وأهله ، وظفوا  فقهاء من الأزهر تابعين للنظام ، فأصدروا فتاوى لصالح العسكر ورجاله ليحلوا لهم ما أحلوه لأنفسهم من قبل وقد حرمه  الله عليهم  ، فأباحوا قتل الإخوان وكفروهم ودعوا إلى ضربهم بالمليان  وعملوا على شيطنتهم ، وقد تشجع آخرون من الخليج ، دعوا إلى الاقتداء بفقهاء عسكر مصر وكفروا هم الآخرون المسلمين غير الراضين على أسلوبهم في الحكم باتهامهم باطلا بكونهم من الخوارج  وغيرهم أجاز انضمام المسلمين في أمريكا إلى الجيش الأمريكي ، والمشاركة في القتال معه ضد إخوانهم  في أفغانستان والعراق بحجة أن المسلم الأمريكي ملزم بموالاة الدولة التي يقيم فيها . كما يجوز للمسلم العربي أن يقاتل المسلم الأمريكي وكأن الموالاة لأمريكا لا لله . ومن صنف هذه الفتاوى ،   الفتوى الداعية إلى هدم الكنائس في الإمارات العربية والكويت ، بهدف  زرع الفوضى والفتنة الطائفية في الشرق الأوسط ، خدمة للمشروع الإسرائيلي  الأمريكي الرامي إلى ترسيم حدود جديدة للخارطة السياسية وطمس الصحوة الإسلامية  .... كل هذا بقصد تمزيق الأمة الإسلامية سياسيا وفكريا وثقافيا واجتماعيا ودينيا ، مع التركيز على هدم اللغة العربية والدين باعتبارهما ثوابت الأمة الإسلامية ، لأن العدو يعلم ، أن زوالهما ضمان لكسبه المعركة ضد الإسلام  وتنفيذ مخططاته النتنة الرامية إلى السيطرة  السياسية  والاقتصادية اعتمادا على أنصار له من بني جلدتنا ويحملون أسماء كأسمائنا ولكنهم ابتغوا السلطة والثروة عند عدونا ، فتنكروا لنا وتآمروا علينا ، فكانوا بهذا أشد خطرا علينا من عدونا في عملية التغريب وطمس هويتنا الدينية . أضف إلى هذا تآمر الفقهاء علينا وتخليهم  عن واجبهم الدعوي ألتبليغي وعن مساندة أمتهم وكرههم  التضحية في سبيل دينهم فانسحبوا من مواجهة السلطان والحكام ، إما خوفا وجبنا وإما طمعا في دنيا زائلة ، ناسين أو متناسين أنهم ورثة الأنبياء المأمورون بالتبليغ والبيان وعدم كتمان الحق الذي يعلمونه أو إخفائه ، ليلا تحدث البلبلة والاضطراب في فهم الدين وفي صحة وحدة الأمة الإسلامية  فصدق عليهم قوله تعالى [ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ] ( سورة آل عمران ) ( آية 187 )

.إن الأزهر لم تعد مستقلة ، كما كانت في عهد محمد عبده والششتاوي المنياوي وغيرهما من الأتقياء ، من علماء الأزهر الشرفاء وفقهاؤها وغيرهم من فقهاء الأمة الإسلامية بل خضعت لحكم العسكر وتخلى فقهاؤها  عن الفكر وقعدوا عن البحث العلمي وكتموا الحق وأفتوا بفتاوى غريبة لا يستسيغها العقل السليم وسيتهجنها الحس السليم . فقد الناس الثقة بها وبعلمائها وفقهائها ، وأفتوا لأنفسهم بما تهواه أنفسهم ويخدم مصالحهم ، فاتسعت الطائفية وكثرت الفتن واشتد الاقتتال بين المسلمين ، وأصبح بعضهم يضرب رقاب بعض ويستبيح بعضهم أموال وأعراض بعض ويبيع بعضهم نساء بعض وكلهم يصيح الله أكبر ، وكلهم يصيح قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ... وخوفي أن يتوجه الناس توجها علمانيا ويحصروا الدين في المساجد ، ويحملوه مسؤولية تخلف المجتمعات الإسلامية عن التقدم الحضاري ، فيستسلموا للغزو والتغريب الفكري والاجتماعي كمشروع حضاري يروج له العدو الداخلي من العلمانيين والمنافقين وبإيعاز من العدو الخارجي سلاحهم في ذلك القوة والإغراء وتشجيع الفساد والتطرف والعنف بأنواعه وألوانه .

إن استراتيجية  مواجهة العدو تقتضي منا  تحصين البنية الداخلية للمجتمع الإسلامي والعمل على تماسك جسمه وتضامن قواه البشرية والعقدية ونبذ التفرقة والطائفية والعصبية المتعاونة مع الظلم والباطل ، لقوله صلى الله عليه وسلم :{ ليس منا من دعا إلى  عصبية ، أو من قاتل من أجل عصبية ، أو من مات من أجل عصبية }  ( رواه أبو داود ) وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم محذرا من العصبية { دعوها فإنها منتنة } ( رواه البخاري ومسلم ) .  ومن استراتيجية مواجهة العدو محاربة  الاستلاب الثقافي الذي يمهد للتغريب ولمحاكاة الغرب سلوكيا وفكريا  على مستوى الفرد والمجتمع ، قبل أن تنصهر أمتنا بالكامل في الغرب وتنقلب رأسا على عقب على قيمنا وأخلاقنا  الإسلامية وتتحول إلى معاول تهدم المجتمع وقيمه من الداخل ، وقد بدأت بالفعل بعض أصوات العلمانيين ترتفع منادية بالتنكر لتاريخنا الإسلامي والتشكيك في صحته وتدعوا في نفس الوقت إلى الانفصال والانفصام عن الماضي والالتحاق بالغرب والسير خلف أمريكا وأوربا ، محتقرة العقلية الشرقية ومحطة من قيمتها متخذة أدونيس وسلامة موسى نموذجا لها ، سلامة موسى ، الذي  يقول في كتابه " اليوم والغد " ( يجب علينا أن نخرج من آسيا وأن نلحق بأوربا ، فإني كلما ازدادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له ، وشعوري بأنه غريب عني ، وكلما زادت معرفتي بأوروبا زاد حي لها وتعلقي بها وزاد شعوري بأنها مني وأنا منها )  .

علينا أن ننتج فكرا وثقافة بناءة نواجه بها الثقافة الهابطة ، وننشر كتبا  ومجلات وأشرطة وفيديوهات وأناشيد وأغاني ملتزمة كبديل للمجلات والأشرطة والأغاني الساقطة والصور الخليعة ...وتكون في نفس الوقت  قادرة على مواجهة التيار الإلحادي التخريبي والشعارات المتسترة تحت حقوق الإنسان والحرية الشخصية والحرية الجسدية والانفتاح على الآخر. هذه الشعارات  التي تهدف بالأساس إلى تشويه الإسلام وقيمه والنبيلة وإلى نشر الفاحشة وإفساد المجتمع وإلى النيل من من عقيدة وهوية ولغة المسلم كفرد وكجماعة .  

ومن استراتيجية المواجهة أيضا أن نقوم بالتعليم ، ونعد جيلا  للغد من فقهاء والعلماء ،  لا يسمحون بأدنى مس لثوابت الأمة العقدية والشرعية ، حتى وإن كان في ذلك قطع أعناقهم  ونشر أجسادهم ، لا يتملقون للحاكم ولا يخافون بطشه وسخطه والتضييق عليهم في الأرزاق ، ينظمون المظاهرات ويدعون لها ويخرجون على رأسها مطالبين  بتطبيق الشريعة ، ورفع الظلم والمحسوبية ومنددين بمن لا دين لهم ولا أخلاق من دعاة الكفر والشذوذ والمثلية والتعري وأكل رمضان جهارا نهارا . إن جيل الفقهاء الجديد الذي تريده الشعوب  يجب أن يكون على شاكلة  الإمام مالك ، وأحمد بن حنبل، والبنا ، والسيد قطب، والعز بن عبد السلام ، وعلال الفاسي ، وعبد الحميد بن بديس،  ومحمد البشير الإبراهيمي ، و بديع الزمان سعيد النرسي ... وأن يشارك في الانتخابات ، ويترشح للمناصب العليا ، التي تسمح له باتخاذ القرارات المصيرية للأمة ، كرئاسة الحكومة والبرلمان والمجالس البلدية والقروية ... ومن جهة أخرى يجب أن نتخلى عن فقهاء العسكر والسلطان ، الذين يكتفون من الفقه والعلم بمقالة تنشر بعد أن يفعل المقص فيها ما يفعل ، أو قراءة خطبة جمعة ، أو مباركة زفاف أو فتوى يتزلف بها  لملأ البطون ... نهمش هذا النوع من الفقهاء ، لأنهم محتلون عقليا ونفسيا ، ولأننا فقدنا الثقة بهم ، ولأنهم  لم يعودوا في نظر الشعوب ورثة للنبي ، ولأنهم حولوا مهماتهم الدينية والدعوية وتغيير المنكر والأمر بالمعروف ، إلى مهمات شكلية كحضور المؤتمرات الوطنية والدولية لإعطائها الشرعية للنيل من الإسلام ( نموذج حوار الأديان ) وتزيين الولائم الفاخرة بالكلمات الرنانة المؤثرة ، تملقا وتقربا من أصحاب الجاه والمال والسلطان ، والتسابق على إصدار الفتاوى ضد بعضهم البعض ، إرضاء لمن يدفع لهم ، أو لمن يخافون بطشه وسيفه . ( نموذج فتاوى حرب العراق  الأولى ) فهذا الفقيه يجيز الاستعانة بالكافر على المسلم والآخر يحرم ذلك وهذا مع الجهاد والآخر يحرمه ويسميه إرهابا ... لقد سئمنا من فتوى غرف النوم ومضاجعة الزوجة الميتة ( الزمزمي ) وكيفية شد الإزار أثناء الحيض والنفاس والعجز الجنسي وجواز زواج القاصر واستبدال الآدميات بالبلاستيكيات ( الزمزمي ) وإرضاع السائق وزميل العمل ( الخليجيين ) وجواز الصلح مع إسرائيل وتحريم العمليات الاستشهادية ضدها ...

ومن الإعداد الاستراتيجي لمواجهة العدو الإعداد الجيد الذي يعتمد عليه الجهاد في جميع الجوانب المطلوبة لقوله تعالى [ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ] ( سورة الأنفال لآية 60 ).