صور ناطقة للتحوت والروابض 39+40+41
أحمد الجدع
[39]
-- -----------------------------
لست أدري لماذا تكره النساءُ النساءَ ؟
أقول هذا وأنا أرى النساء يتحلقن حول المرأة التي حملت وجاءها المخاض ، وكلهن يدعون الله لها بأن تنجب بذكر ، لا تسمع منهن دعوة واحدة أن تنجب بأنثى مع أنهن كلهن إناث .
كان ضجيج النساء المنتظرات يزعج الرجال المنتظرين ، فصرخ بالنساء رجل يدعوهن للصمت ، ثم يقول : صلين على النبي ... فترد النساء : عندما يأتي الصبي نصلي على النبي !
بمعنى أنها لو جاءت أنثى فلا صلاة على النبي ... وأكثر من هذا أنهن في انتظار المولود لا يصلين على النبي ويأبين ذلك حتى يرون نتيجة الوضع !
كانت الزوجة المسكينة قد أنجبت بثلاث من البنات ، وقالت لها الطبيبة المولِّدة : لا حمل بعد الآن ، وذلك لأن الحمل خطر على حياتك .
رجعت إلى بيتها تحمل الثالثة في ذلة ومسكنة وانكسار لأنها تعلم كيف سيكون استقبال نساء أسرة زوجها لهذه المرأة المئناث ... وحتى أمها كانت تشارك في هذا التهجم تضرب كفاً بكف على ما أتت به ابنتها من مصيبة .
هي لم تنس تحذير الطبيبة من خطورة الحمل على حياتها ، ولكنها لشدة الضغوط النفسية عليها من نساء الأسرة ومن زوجها أصرت على أن تحمل لعلها أن ترزق بولد صبي حتى تصلي نساء الأسرة على النبي !
وحملت ، وعانت من متاعب الحمل ما عانت ، وكانت الطبيبة تنصحها في بداية حملها بإسقاط الجنين لأن الحمل سيودي بحياتها ، ولكنها كانت تصم آذانها عن ذلك ، وتأبى أن تسمع آذانها إلا ملاحقة نساء البيت بالسخرية اللاذعة عند مناداتها بأم البنات !
وانتهى الحمل إلى إبَّانِه .
وحملت المسكينة إلى المستشفى وهي في الرمق الخير من حياتها ، لا تكاد تتنفس إلا (بطلوع الروح) كما يقولون ... وكانت فعلاً تعاني سكرات الموت عندما ولدت .
ووضعت بأنثى ... لم يعلمها أحد بما وضعت ... ولكنها وهي تلفظ أنفاسها كانت تقول بفم ضعيف منهك : هل جاء الصبي ؟
وأسلمت روحها إلى بارئها .
لقد ماتت هذه المرأة مقتولة ، قتلها زوجها ونساء أسرتها ، ولست أدري لماذا يهمل القانون العقاب لمثل هذه الجريمة .
هناك قوم منا لا زالوا يعيشون بأفكار الجاهلية ، وهنا لم يئدوا المولود ، بل وأدوا الوالدة .
حسبنا الله .
==========
[40]
-------------------------------
كنت أعرف رجلاً في خليج العرب ميسور الحال عاشقاً للأولاد ، يود لو كان نسله كله من الذكور ، بل بلغ به الأمر إذا تزوج وجاءت زوجته بأنثى طلقها وتزوج أخرى لعلها أن تأتيه بذكر أو بذكور .
لم يكن هذا الرجل مصدقاً بالعلم الذي يؤكد أن الرجل هو المسؤول عن حمل الزوجة بولد أو ببنت ، ولم يكن متنبهاً إلى ذم القرآن لؤلائك الذين يضطهدون البنات وتظل وجوههم مسودة وقلوبهم كاظمة على الغيظ بسبب هذا المولود الأنثى !
ظل هذا الرجل على غيه مع الزوجات ذوات البنات ، لا يبقيها على ذمته متى أنجبت بأنثى ، وطال به العمر حتى غدا عنده قبيلة من البنين ، ومجموعة من البنات ، وكإنسان يصاب كمثله من البشر بالأمراض فقد أدركته أمراض الشيخوخة ، فكان كلما دخل المستشفى للعلاج نظمت بناته أنفسهن لملء ساعات النهار والليل في رعاية الأب العزيز ، أما الأبناء فقليلاً ما يلمون بغرفته في المشفى ، فإذا ألموا سلموا وانصرفوا .
أدرك الرجل ما غاب عنه طوال السنين : الأنثى أفضل من الذكر ، على الأقلّ في رعاية شيخوخة الوالدين ، وفي السهر على راحتهما ، وفي مواساتهما ، فكان يقول لكل زائر من زواره : عليك بالبنات ... عليك بالبنات ، وكان زواره يعجبون من قوله هذا ، وهو الذي كان يسودُّ وجهه ويكظم غيظه كلما بُشر بالأنثى ، علاوة على ما يرون من أبنائه من نجاح في هذه الحياة الدنيا ، ومن ثراء عريض يحسدهم عليه الناس أجمعون .
في لحظاته الأخيرة كان كثير الاستغفار من ذنوبه ، فلما سأله رجل عن ذنوبه التي يستغفر الله منها قال : ظلمت البنات بحبي البنين ... ثم يعود إلى الاستغفار .
أيها الناس ، احمدوا الله على عطائه ذكراً كان أم أنثى ، فربما كان الخير في الإناث .
حسبنا الله .
==========
[41]
-------------------------------
كان شديد الحرص على إرضاء رؤسائه ، وكان مستعداً أن يسلك أية طريق في سبيل ذلك مهما كانت وعرة ومهما كانت ذات بنيات مضلة .
دخل ذات يوم على أحد المدرسين يصحح سؤالاً في العربية ، وقد وضع لأحد الطلاب صفراً على إجابته ، ولما تمعن الإجابة التفت إلى المدرس قائلاً : لماذا أعطيت هذا الطالب صفراً ؟ أجاب المدرس : لأنه أخطأ الجواب ، ردّ السيد الموجّه : لو دققت الإجابة لأدركت أن الطالب كان يريد أن يكتب الإجابة الصحيحة فلم يوفق ، وعليه فإنه يستحق الدرجة الكاملة !
كانت هذه من الطالب كما يرى الموجّه : زلة قلم !
وعندما أعلن رئيس أمريكا الحرب الصليبية المعاصرة على المسلمين ، وأذاع ذلك بعظْمة لسانه ، انبرى التحوت والروابض من أبناء هذه الأمة المظلومة يستدركون عليه قوله ، وينفون عنه صليبيته ، ويدعون أن ما قاله مجرد زلة لسان !
ثم إنهم أخذوا يصفون أمتهم المجاهدة التي تقف في وجه المعتدي تذب عن أوطانها وعن دينها وعن أعراضها بأنها أمة الإرهاب والتطرف ، يبتدعون في وصفها أبشع الألفاظ ويصورونها بأبشع الصور ، ومضوا في ذلك حتى صار كل مسلم إرهابياً ومتطرفاً ، حتى ولو لم يحمل السلاح ، فالتهمة اتسعت حتى شملت أولئك الذين يلوذون بالصمت ويؤثرون السلامة ، وحتى كاد قوم من المسلمين يتبرؤون من دينهم ويفرون من إسلامهم .
هؤلاء الذين قطعوا عشرات الآلاف من الأميال حاملين معهم آلات الدمار المادية والمعنوية أناس طيبون لا يريدون إلا الخير للمسلمين وإن أبادوا منهم الملايين ، أما من حاول أن يدافع عن دينه ولو بكلمة خجلى فهو المعتدي وهو الإرهابي الذي يجب إبادته .
وابتداءً من "زلة قلم" وإلى "زلة لسان" أضعنا أوطاننا وفرطنا في أعراضنا وتزلزل الدين في أعماقنا ... فإلى أين المسير ؟
"وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" .
أتفهمون ما يقول ربنا يا أيها التحوت ويا أيها الروابض ؟
حسبنا الله .