الأزمة السورية... والخروج من المأزق
م. محمد حسن فقيه
يعد أن عصفت رياح التغيير في منطقتنا العربية ، وانطلقت موجات التسونامي من زلزال بوعزيزي ، ذلك الانسان البسيط الذي يتوزع ملايين المقهورين من أمثاله في عالمنا العربي ، عندما أراد أن ينتصر لإرادته المكسورة وكرامته المسحوقة ، على طريقة المحبطين العاجزين بجلد الذات والهروب الخلفي ، فأقدم على حرق نفسه أمام مبنى البلدية التي أهين داخلها وصودرت ممتلكاته من عربة الخضار التي تمثل مصدر رزقه وتعيشه ، وهي كل ما يملك من ثروات بالإضافة إلى شهادته الجامعية المركونة جانبا .
انتشرت العدوى من هذا الوباء القاتل ضد المستبدين والفاسدين ، لكن هؤلاء الطغاة لم يأبهوا للأمر واستمروا في استخفافهم بشعوبهم ومعاملتهم لهم كقطيع من النعاج ، وظنوا أنهم بمنأى عن التغيير بما لديهم من أجهزة قمع غاشمة تتكفل بحمايتهم وسحق كل من يثور ضدهم من أبناء الشعب المقهور وقتله ، وأعلن جميعهم أن المعادلة تختلف وأن مصر ليست تونس ، وليبيا ليست مصر أو تونس ، واليمن ليست ليبيا أو مصر أوتونس ، وسورية ليست كل هؤلاء وأنها حالة فريدة لا شبيه لها على سطح الكرة الأرضية ، فهي بلد معزول وشبابها معيب وغير مهيء للإصلاح ، وعلى مثقفيها وأحرارها انتظار جيل آخر لتصبح مهيأة للإصلاح ! لكن المفاجأة كشفت أن الشعب السوري مهيء للإصلاح وأهل له ، وأن النظام وقادته هم المغيبون والمتخلفون عن ركب الحضارة ، ويعيشون على هامش الحياة .
ومن عجائب القدر أن شرارة الثورة السورية انطلقت من المحافظة ( درعا ) التي لا يتوقعها النظام ، بل كانت أكثر محافظة يأمن جانبها ، ويعتبرها من مؤيديه ... والمرضيّ عنها .
حاول النظام السوري أن يركب الموجة ووعد بباقة من الإصلاحات ، إلا أن القمع والبطش بالمواطنين والتنكيل بالأحرار والمثقفين كان هو سيد الموقف ، والنهج الحقيقي المطبق على أرض الواقع ، والإعلان عن الإصلاحات الحقيقية لم بكن إلا وهما ، وظن النظام أنه بتضليله الإعلامي يمكن أن يستفيد من الوقت ريثما يقوم بالإلتفاف على ( المطالب المحقة للجماهير) ليقوم بوأدها في مهدها ... هي ومطالبيها .
وجهت كثير من النصائح والرسائل والمناشدات ، من شخصيات سياسية وإعلامية وأكاديمية ومعارضة من الداخل والخارج ، ومن المثقفين والعلماء والأحرار والغيورين على هذا الوطن وأبنائه ، طالبوا وناشدوا هدا النظام الحاكم ورئيسه بشارلاستباق الأمور والقيام بإصلاحات حقيقية حقنا للدماء ، فهؤلاء متظاهرون يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة والمواطنة المتساوية ، وحذر الكثير من مغبة إصلاحات الفتات والتجزئة وإصلاحات التسكين والتخدير ، وكان حينها بشاريمكن أن يقود الوطن إلى بر الأمان لو أنه كان جريئا ... وصادقا .
اقتنع بشار أو أقنع بأن الحل الأمنى هو الأجدى وأن القمع هو الأسرع ، وظن أنه يقاتل حزبا معارضا أو فصيلا معينا ، ويمكنه أن يمارس معه أسلوب الترويع مع تشويه صورة رموزهذا الحزب ورميه بالخيانة والتآمر والعمالة والأجندة الخارجية ... وغيرها مع الحرب الإعلامية والتضليل ، إضافة إلى المتاجرة بأسطورة المقاومة والممانعة والتي يمكن أن تقدم له الحصانة ، وتعطيه شهادة البراءة مهما استخدم من قمع وأوغل في القتل والتنكيل من حصار ومجازر ... وربما ظن أن تركيب الخريطة السورية وما فيها من طوائف واثنيات ومذاهب قد يكون بالنسبة له ورقة أخرى يتاجر بها ، ويهدد بشبح حرب طائفية وجرّ البلد إلى حرب أهلية لكسب أبناء طائفته وتجييشهم خلفه ، وربما خدعه بعض الناصحين وأقنعه بأن المعادلة الإقليمية والدولية سوف تكون في صالحه وتلعب إلى جانبه ... وبالتالي فإن نظامه الحالي سيبقى عصيا على التغيير، وإلا فقد تتغير التوازنات في المنطقة ... وربما في العالم .
نسي بشار ونخبته الحاكمة أنه يقاتل الشعب ، الشعب بكل فئاته ومكوناته الذي صودرت إرادته وسحقت كرامته وسرقت أمواله من خيرات بلاده ومقدراتها من قبل هذا النظام وعصاباته الفاسدة ، وسيم الذل والهوان على أيديهم ، وعاش حياة القهر والحرمان .
نسي بشار ولم يدرك مستشاروه الذين حوله ، أن هذا الشعب قد يئس من هذه الحياة البائسة وعافها في ظل نظام مستبد فاسد ، وأنه شعب يعشق الحرية ، وأن هذا الشعب قد حزم أمره وقررأن ينال حريته ويستعيد كرامته ويمارس حياته كبني الانسان ، ولن يرضى بعد اليوم حياة القطيع ومعاملة العبودية .
لم تعلم أجهزة مخابرات بشار وزبانيته أن الشعب لا يتلقى أوامره من تعليمات خارجية ، ولا يهوله التضليل والحرب الإعلامية ، وإذا انتفض لا يوقفه شيء دون إسقاط النظام .
خرج هذا الشعب في جميع مدنه وريفه وبواديه يطالب بالحرية متحديا الرصاص الحي ودبابات النظام ومدافعه التي أطلقها بشار لتدك بيوتهم وتقصف تجمعاتهم وتحصد كبيرهم وصغيرهم وحرائرهم ، والتي دفع ثمنها هذا الشعب من عرق جبينه ولقمة عيشه وحليب أطفاله لتحميه من أعدائه وممن يحتلون أرضه .
لقد كسر هذا الشعب حاجز الخوف ، وانطلق يتحدى بصدور عارية وهامات مرفوعة جميع آلات القمع والقتل الخفيفة منها والثقيلة ،غير آبه بالطاغوت وزبانيته وأجهزة قمعه .
ووصل إلى قناعة أن شهادة بشرف للتحرر من هذا النظام ، خير من حياة المذلة والهوان .
إذا أراد النظام الخروج من هذا المأزق وتجاوزهذه الأزمة بشكل حقيقي وصادق بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه ، عليه أن يتحلى بالشجاعة ويقدم للشعب بجرأة غير مسبوقة باقة حقيقية من الإصلاحات مع إثبات مصداقيته وجسن النية ، لمد الجسور وردم الهوة التي حفرتها ممارسات قمعه وفساده واستبداده ، لعلها تكون مخرجا حقيقيا وتوجه سفينة الوطن نحو بر الأمان ، وتنحو بها بعيدا عن الدوامات والعواصف والأمواج العاتية ، إذا حملت هذه الإصلاحات على محمل الجد وعلى جناح السرعة .
1 – إيقاف الحل الأمني مباشرة من قمع وقتل وحصار وترويع ، ومحاسبة المسؤولين عن أعمال القتل وتعويض أسر الضحايا والمتضررين .
2 – إصدار قرارواضح بالعفو يشمل الجميع داخل السجون وخارجها مع عودة المهجرين وتعةيض الأضرار، وطي صفحة الماضي كاملة بدون استثناءات وتذييلات ، وبدون تجزئة للمشكلة أوحل مشكلة على حساب أخرى ، مع إلغاء القرار (49) من عام 1980 بمرسوم جمهوري جديد والإعلان عن ذلك بشكل رسمي .
3- تفعيل قانون إلغاء الطوارئ والعمل بتطبيقه ورفع حالة الطوارئ فعلا ... لا قولا .
4 – تشكيل لجنة لمحاربة الفساد وفتح أرصدة جميع المسؤولين أمام هذه اللجنة ، للتحقيق معهم من رأس هرم السلطة إلى أصغر فاسد في هذا البلد .
5 – العمل على تبني قانون يضمن حقوق مواطنة متساوية ، وفرص عمل متكافئة أمام الحميع .
6 – أن لا يستبدل قانون حالة الطوارئ أو المرسوم الجمهوري (49 ) غدا بقانون آخر تحت مسميات إعلامية تضليلية ، كمكافحة الإرهاب ، أو سن قوانين ضد المندسين والعصابات والمتآمرين ، أو العمالة والأجندة الخارجية وقلب النظام وهيبة الوطن .... وغيرها من هذه العبارات التسويقية ، التي يراد من ورائها مصادرة حقوق المواطن وكبت الحرية والاستمرر في سياسة الفساد والاستبداد ، كما لوح النظام بإصدار قانون مكافحة الإرهاب كبديل عن قانون رفع حالة الطوارئ ، والذي قد يكون أسوأ من سابقه .
7 – الإعتراف بجميع قوى المعارضة الممنوعة والمحظور نشاطها ، والسماح لها بتشكيل أحزاب ضمن قانون تعددية حزبية تسمح بانتقال سلمي للسلطة ، وإعطاء فرص متساوية لجميع الأحزاب على حد سواء .
8 – اعتبار الشعب والمعارضة شريك في الحكم والقرار ، وليسوا أرقاما لهز الرؤوس والتصفبق ، أو رعايا عليهم التبعية والإنصياع .
9 - الغاء المادة رقم ( 8 ) من الدستور التي تنصب حزب البعث قائدا للأمة والمجتمع .
10 – حل الحكومة ومجلس الشعب وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لفترة انتقالية من كفاءات وطنية ، تتكون من جميع الأطياف والمعارضة والمستقلين من الداخل والخارج .
11 –تشكيل جهاز قضائي نزيه ومستقل .
12 – صياغة دستور جديد من لجنة أكاديمية مختصة ومحايدة ، يرسخ نظام دولة المؤسسات ، ويكفل حرية الرأي والتعبير والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية .
13 – عمل انتخابات برلمانية حرة ونزيهة وشفافة بمراقبة دولية .
قد تكون مثل هذه القرارات الجريئة لو اتخذت مع ضمانات التطبيق الحقيقي واثبات حسن النية ، حلا في الوقت الحاضر لوقف نزيف الدم وخروج البلد من هذه المحنة القاسية .
إلا أن هذه النقاط قد لا تكون كافية البتة غدا أو بعد غد ، وقد لا تتكرر الفرصة أكثر من مرة .