دور النظام الأسدي الصفوي في حرب حزيران (2)

ونشرت مجلة الحوادث اللبنانية، العدد (604) في (7/6/1967م ) ما جاء في كتاب ( المسلمون والحرب الرابعة ) :

رواية الضابط اللبناني :

قال ضابط لبناني في مرصد مشترك مع السوريين : ( في الساعة العاشرة من يوم ( الجمعة في 9/6/1967م ) تحرك لواء مدرع اسرائيلي - بعد التمهيد من الطيران والمدفعية - بدأ بالتحرك ومعه جرافات بالجنازير وبرج لحماية السدنة إلى ( تل قاضي )، المنطقة الأقل تحصيناً لأنه لايخطر في بال سوري أو لبناني أو عربي دخول القوات منها لوعورتها وارتفاعها الحاد، واستطاعت مدرعات البلدوزر اختراق الصخور، وبعد ذلك أخلت الطريق للدبابات الإسرائيلية التي أخذت تتسلق الطريق في محاولة لتطويق التحصينات السورية وضربها من الخلف، وكانت كل دبابة ترافقها مصفحتان، أحدهما للوقود، والثانية للذخيرة، كما أن السائق وحده في الدبابة حتى اجتازت المنحدر الصخري، ثم ألحق بقية السدنة بالطائرات العمودية ...

والأصل في الخطة أن تقوم المدرعات السورية الموجودة بهجوم معاكس، تقضي على الدبابات الصهيونية التي اخترقت خط الدفاع الأول، وكانت الدبابات السورية موجودة، ولم تتأثر بالقصف المدفعي كالعادة، ولكن قامت بهجوم معاكس معاكس ...كما سنرى.

كان المفروض أن يتصل الضابط السوري الموجود في المرصد المشترك  مع اللبناني  بقيادته ليعين لها زوايا وجود اللواء المدرع الصهيوني بواسطة المنظار المكبر، لكن سرعان ماتبين أنه لايعرف استعمال هذا المنظار، لقد كان من أشد المتحمسين للنظام، ولكنه كان معلم مدرسة لم تمض عليه في الخدمة أكثر من ستة شهور في الجيش ) ... ( وعندما وصلت الدبابات الاسرائيلية سفح ( تل قاضي ) منهكة وفي منتهى الارهاق، توقعت أن يخرج لها اللواء السوري المدرع الموجود بالقرب منها، في تحصيناته التي لم يؤثر عليها التمهيد المدفعي، ولا الطيران، توقعت أن يقوم بهجوم معاكس عليها- كما تعلمنا في الكلية العسكرية - وفعلاً رأينا الدبابات السورية تخرج من مخابئها، وبدأت أرقص فرحاً وحمية، ولكن المفاجأة أذهلتني، عندما رأيت الدبابات السورية تخرج من تحصيناتها لتتجه نحو القنيطرة هاربة، لا لتقوم بهجوم معاكس ([1]).

وشاء الله عزوجل أن تتعطل إحدى الدبابات في آخر الرتل، فاضطر قائدها للقتال، ووجه مدفعه نحو العدو وبدأ بالاشتباك، فدمر ست دبابات، وأوقف الهجوم الاسرائيلي حتى وصل الطيران الصهيوني فيدمر هذه الدبابة بصاروخ جو  أرض .

وتابع الضابط اللبناني : إن كثيراً من الضباط السوريين من رتبة ملازم إلى رتبة نقيب، يتمتعون بمزايا حزبية عالية، ولكنهم لايتمتعون بمزايا عسكرية مماثلة ([2]) . ثم يقول مصطفى خليل ( ص  99) :

الانسحاب أو الهروب الكبير :

منذ مساء الخميس (8/6/1967م) بدأت الشائعات تسري سريان النار في الهشيم، عن أوامر صدرت بالانسحاب، وبدأ قسم من الضباط - وحتى القادة - الانسحاب، وساهموا في نشر تلك الشائعات عن أوامر صدرت من القيادة العامة، تنص على الانسحاب كيفياً . ويالهول ماحدث !!! قائد الجيش اللواء أحمد سويداني انهزم إلى ( نوى ) ومنها إلى دمشق، تاركاً وحدات الجبهة ووحدات احتياط الجيش دون قيادة، واقعة في حيرة من أمرها، وقادتها لايدرون ماذا يفعلون !!!

وقائد الجبهة العقيد ( أحمد المير ) فر على ظهر حمار لأنه لم يجرؤ على الفرار بواسطة آلية عسكرية، خوفاً من الطيران الصهيوني، ثم أكمل الرحلة إلى دمشق ماشياً حتى تورمت قدماه ...

واتصل عدد من الضباط بقائد الجبهة قبل فراره فرفض التصرف، وقال لهم بالحرف الواحد : أنا لست قائدَ جبهة، اتصلوا بوزير الدفاع، فأقيمت الاتصالات بين (قمر 1 ) و (قمر 2) فأجاب وزير الدفاع : أنه قد أخذ العلم بالوضع، وأنه اتخذ الاجراءات اللازمة ...

لجأ بعض الضباط من وحدات اللواء (80) إلى قيادة موقع القنيطرة بعد فقدان الاتصال بقائد اللواء وأي مسؤول في قيادة اللواء، فوجدوا المقدم ( وجيه بدر ) ماكثاً في القنيطرة يترقب الأخبار، ولما حاولوا أن يفهموا منه صورة حقيقة عن الوضع، تبين أنه لايفقه شيئاً، وحاول الجميع الاتصال بقيادة الجبهة، فوجدوها خلواً من أي مسؤول عندها دب الفزع في قلوب عدد كبير منهم، واتخذوا وجهتهم نحو دمشق، طالبين النجاة بأرواحهم، تاركين جنودهم كتلاً لحمية تتدافع على الطرقات، يدوس القوي منها الضعيف، وأزيز الطائرات المعادية وأصوات المكبرات تناديهم : ألقوا سلاحكم، تنجوا بأرواحكم، فيستجيب الفارون للنداء ويتخلصون من هذا السلاح، الذي صار يهددهم بالموت بعد أن كان مدافعاً عنهم ...

وانفرط العقد ... عقد السيطرة القيادية، وصار القادة الصغار يتصرفون حسب هواهم أو بداهتهم، فالكثيرون هربوا وأمروا جنودهم بالهرب - وقليل جداً - من غير البعثيين- صمدوا وقاتلوا وظهرت بطولات فردية [ انظر رواية دم سقى الجولان للدكتور عبد الله الدهامشة ] ...

إذن بدأ الهرب من العدو ومن القتال مساء الخميس ( 8/6/1967)، قبل أن تهجم إسرائيل على الجبهة السورية، لأن هجومها كان صباح الجمعة ( 9/6/1967م) ... وبلغ الهرب ذروته بعد إذاعة بلاغ سقوط القنيطرة  ...

حقيقة الأمر بالانسحاب :

يقول مصطفى خليل (ص 169) : [ وحتى أوامر الانسحاب المزعومة ...لم تصدر بشكل رسمي، ولم تبلغ بصورتها العسكرية الصحيحة إلى الوحدات، وإنما تم إبلاغها بصورة هامسة إلى الضباط الحزبيين، والقادة الكبار بالتوجه إلى دمشق، وحضور اجتماعات حزبية ...الذين ماعتموا أن أداروا ظهورهم لوحداتهم، وولوا أدبارهم للعدو، واتخذوا وجهة الهروب إلى دمشق، ومنها إلى حمص ... لأن قيادة الحزب كانت قد عملت حسابها أن دمشق ستسقط بيد العدو الصهيوني ...

أما الوحدات ... وخاصة الأمامية أو المعزولة أو المطوقة، فلم تبلغ شيئاً من أوامر الانسحاب هذه، ومكث أكثرها في أماكنهم حتى يوم الجمعة (9/6/1967)، فوجدوا أنفسهم وقد أصبحوا معزولين عن باقي الوحدات ... وأخذت أجهزة الهاتف تمارس البكم القاتل ... وشعر الذين بقوا في أماكنهم حتى ذلك التاريخ ... أنهم قد أصبحوا بقايا قافلة ...تخلى عنها قادتها وحادوها وأدلاؤها ...بعد أن تسللوا ليلاً إلى واحات مجاورة ... وتركوها مشتتة في وجه الإعصار المحرق ... وهكذا كان الهروب الكبير ...

الهجوم المعاكس :

في صباح يوم الجمعة (9/6/1967م) - بعد الخرق الصهيوني - أمر اللواء أحمد سويداني اللواء السبعين ( دبابات ت 54 يومذاك أحدث دبابات الجيش السوري )، أمره أن يقوم بالهجوم المعاكس على القوات الصهيونية التي خرقت قطاع الجبهة،ولكن اللواء (عواد باغ ) - أفضل شخصية عسكرية باقية في الجيش يومذاك - وكان يشغل رئيس شعبة عمليات الجيش، عارض اللواء سويداني بقيام هجوم معاكس نهاراً بدون غطاء جوي، وتكفل بتنفيذ الهجوم المعاكس ليلاً، وتراجع السويداني وفوض الأمر للواء عواد باغ ... الذي أمر قائد اللواء السبعين ( العقيد العلوي عزة جديد )؛ بتنفيذ الهجوم المعاكس والتحرك ليلاً ليكون في الصباح على تماس بالعدو، وينتشر للهجوم عند ذلك، ولايستطيع طيران العدو التدخل عندما تتداخل القوات ببعضها ...

إلا أن ( العقيد عزة جديد) حامي الثورة ونظام البعث، رفض الأوامر، بحجة عدم التحرك بدون حماية جوية، واتصل مع صلاح جديد وحافظ الأسد؛ فشجعاه على ذلك ... ورفض ( العقيد عزة جديد) الأوامر ... ورفض أن يشن هجوماً معاكساً على القوات الصهيونية المنهكة من القتال في سيناء، والتي نقلت بعد أربعة أيام للقتال في الجولان، رفض الأوامر العسكرية .... وضاعت الجريمة ولم يحاكم ... بل استمر حامي حمى الثورة والنظام ...

وفي الليل تحرك اللواء السبعون ... ليقوم بتحرك معاكس ... نحو دمشق .. وليس نحو الجولان ...ووصل دمشق في الليل نفسه، واستقر في بساتين الغوطة وحدائقها ...

ويتذكرالشعب  العربي السوري أغنية البعثيين عن طائرة الميغ عندما يقول ذلك الساقط ( ميراج طيارك هرب، مهزوم من نسر العرب . والميغ طارت واعتلت بالجو تتحدى القدر )، ويؤكد عبد الناصر أن البعثيين هم الذين ورطوه في الحرب، ثم لم يقدموا شيئاً أبداً، ومن خلال قراءة كتاب سقوط الجولان يلاحظ أن البعثيين لم يسمحوا للجيش أن يقاتل، حتى أن خسائرسورياكانت حوالي(120) جندياً فقط، بينما بلغت خسائر مصركما أعلنها عبد الناصر(5000 1)عسكري بينهم (1000) ضابط منهم (35) طياراً .

بلاغ سقوط القنيطرة

القنيطرة بلدة سورية صغيرة تعتبرمركز إداري للجولان، تبعد عن دمشق قرابة أربعين كيلاً، وفي يوم السبت (10/6/ 1967م ) أعلن وزيرالدفاع حافظ الأسد (الساعة 30 ر9 ) عن سقوط القنيطرة بالبلاغ رقم (66) وجاء في البلاغ (... إن قتالاًعنيفاً لايزال يدور داخل مدينة القنيطرة وعلى مشارفها). ويقول الدكتورسامي الجندي في كتابه كسرة خبز(وهومن قادة البعثيين المنشقين عن الحزب):(إن إعلان سقوط القنيطرة قبل أن يحصل؛ أمريحار فيه كل تعليل مبني على حسن النية). ( إن تداعي الأفكار البسيطة، يربط بين عدم وقف إطلاق النار والحدود سليمة، والإلحاح بل الاستغاثة لوقفه بعد أن توغل الجيش الإسرائيلي في الجولان، ويخلص إلى الاستنتاج بوجود خطة !!؟).

ويتابع سامي الجندي وكان سفيراً لسوريا في باريس(فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون مندوب سوريا في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة، ووصول قوات إسرائيل إلى مشارف دمشق، والمندوب الإسرائيلي يؤكدأن شيئاً من ذلك لم يحصل، وقال لي الدكتور ماخوس فيمابعد أنهاكانت خطة ماهرة لإرعاب العالم من أجل إنقاذ دمشق([3]).

وروى وزيرالصحة السوري عبد الرحمن الأكتع لأحد أصدقائه قال: كنت في جولة تفقدية في الجبهة عند إعلان سقوط القنيطرة، وظننت أن خطأً قد حدث، فاتصلت بوزيرالدفاع حافظ الأسد وأخبرته أن القنيطرة لم تسقط، بل ولم يقترب العدومنها، وأنا الآن جنوبها، ولم نرَ العدو أبداً،  ودهشت حقاً عندما راح وزير الدفاع يشتمني شتائم مقذعة،ويهددني إن عدت لمثلها، وتدخلت في أمورلاتعنيني، فاعتذرت منه، وعلمت أنها مؤامرة مدبرة([4]) .

ومن المفارقات أن قيادة الجيش سحبت طعام الطوارئ من الوحدات العسكرية في الجبهة قبل الحرب بأسبوعين، لاستبداله بطعام جديد، ولم يأت الجديدوبقي الجنود بلاطعام طوارئ خلال الحرب .

والمفارقة الثانية أن أسرالضباط العلويين تم ترحيلهامن القنيطرة، مع أثاث بيوتهاقبل الحرب، بالشاحنات العسكرية، على الرغم من أوامر عبد الحليم خدام محافظ القنيطرة يومذاك؛ بأنه سيقتل كل من يغادرالقنيطرة.ولكن الضباط العلويين لايردون على الأستاذ خدام، أو أي بعثي غير علوي، ثم تركت السلطة عتادالجيش ووثائقه، وأموال البلدية، وأموال البنك الحكومي الوحيد، ورحلت عائلات الضباط ( العلويين) وحدهم ؟.

النظام الأسدي يترك الجولان للصهاينة

بدأ قادة الجبهة يهربون منذيوم الخميس(8 /6 / 1967م ) وكان قائد الجيش(فيمابعد) اللواء أحمد سويداني في طليعة الفارين،حيث خلع رتبته،ولبس ثياب راعي غنم ولجأ إلى قريته(نوى)، التي تبعد بضعة أميال عن القنيطرة . وتبعه قائد الجبهة العقيد أحمدالمير الذي فرعلى ظهرحمار، ولحق بهما المقدم رئيف علواني، والعقيد عزت جديد والنقيب رفعت الأسدوسائرالرفاق من مختلف قطاعات الجبهة([5]).

كماغادرت الحكومة وكبارالضباط دمشق إلى حمص، وأخذوامعهم أموال البنك المركزي، لأنه كمايبدومن تصريح ماخوس، أنهم توقعوا سقوط دمشق،وتخلواعنها، يقول ماخوس:(وإننا من جهتنا كنا عاملين حسابنا على أن دمشق ستسقط بيد العدو...)، ولكن إسرائيل جبنت عن المضي إلى دمشق واكتفت بالجولان والقنيطرة .

                

1-   مجلة الحوادث، اللبنانية، العدد رقم (406 ) في (7/6/ 1968م ) عن كتاب المسلمون والحرب الرابعة ص 172

2 المرجع السابق .

([3])   سامي الجندي، كسرة خبز، ص  17وسامي الجندي من كبار البعثيين القادة الذين انشقوا عن صلاح جديد وحافظ الأسد فأبعدوه إلى باريس سفيراً لسوريا .

([4])  عبد الغني النواوي، ص 42 .

([5])  عبد الغني النواوي، ص 421.