مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر 6
مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر
-6-
د. موسى الإبراهيم
[email protected]
سادسًا: خطابنا إلى أصحاب المشروع الجهادي (القتالي)
التمهيد : أين الخلل
الجهاد في سبيل الله في مفهومنا الإسلامي هو ذروة سنام الإسلام
و هو ضمان العزة و الكرامة للأمة الإسلامية، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا، والجهاد
ماضٍ إلى يوم القيامة بعز عزيز و ذل ذليل، هذه المعاني هي أصل من أصول ديننا ولا
يسع مسلمًا جهلها ولا الغفلة عنها بحال.
غير أن الأمة الإسلامية بعد سقوط الخلافة تشتت شملها وتعددت
اهتماماتها، واختلفت أولوياتها من بلد لآخر ومن حين لآخر. وتنوعت مناهج العمل
الإسلامي ووسائله تبعًا لذلك، فهناك من يهتم بالعمل الخيري والإغاثي، وآخرون يهتمون
بنشر العلم الشرعي وتربية الأجيال على مقتضى الشريعة الإسلامية وأخلاقها، وآخرون
يهتمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآخرون لهم اهتمامات بالتربية والتزكية
الروحية، وآخرون يوجهون اهتمامهم للإصلاح السياسي، وغيرهم يتجهون للإصلاح الاقتصادي
والمالي، وفي الساحة الإسلامية من يهتمون بالجهاد الإسلامي والدفاع عن عزة الأمة
وكرامتها.
كل هذه المدارس والمناهج موجودة في الساحة الإسلامية، والأمة
تحتاج إليها جميعًا، وكل من تلك النماذج تسد ثغرة لا يغني عنها غيرها، ولا تغني هي
عن غيرها كذلك.
أين المشكلة إذن؟
المشكلة هي أنه يوم كانت للمسلمين خلافة جامعة تقودهم وترعى
شؤونهم وتسوس حياتهم، كانت تلك الخلافة بمثابة مرجعية عليا للأمة يعترف بها الجميع،
وكانت الخلافة ترعى سائر هذه المدارس والمناهج، وتوظف كلاً منها في سياقه وسبيله
الذي يحقق للأمة احتياجاتها ويخدم مصالحها على سائر الثغور والساحات، وبعد انفراط
عقد الخلافة ونشوء الدول القطرية حدث خلل كبير في فكر الأمة الإسلامية وثقافتها،
خصوصًا عندما تبنت بعض الدول القطرية سياسات معادية للإسلام، وتبنت العلمانية
منهجًا لها، وأقصت الإسلام عن الحياة العامة، وحاربت علماء المسلمين والدعاة
الإسلاميين بشكل أوبآخر.
في هذه الأجواء وجدت مفاهيم جديدة، وثقافة جديدة، واجتهادات
جديدة، خصوصًا فيما يتعلق بمناهج الدعوة والعمل الإسلامي، وسط تيارات فكرية معادية
للإسلام، وأمام تحديات عالمية تهدد الأمة الإسلامية في هويتها وأصالتها، وتسعى لسلب
خيراتها ومقدراتها، وبخصوص التيارات الجهادية في الأمة الإسلامية -التي نوجه خطابنا
إليها هنا- فقد حدث غبش في الرؤية، وخلل في التطبيق، وفقدان للبوصلة التي تحدد
الأهداف الحقيقية للجهاد في سبيل الله.
ولا شكّ أن لهذا الحال أسبابه وداوفعه ودواعيه المقدرة، ولكن لا
يجوز بحال أن يترك هذا الأمر على ضبابيته، ولا يجوز أن يترك أيضًا ليجتهد فيه كل من
شاء، ويصل إلى النتائج التي يشاء بعيدًا عن الضوابط الشرعية والمقاصد الشرعية التي
جاءت من الله سبحانه وتعالى لتحفظ للناس أمنهم ومصالحهم، وترسم لهم سبل سعادتهم
وحياتهم الطيبة.
ومن أجل المساهمة في توجيه العمل الإسلامي وترشيده، ومن أجل
تحقيق النصح للأمة والمشاركة في النهوض بها والإقلاع بمسيرتها المتعثرة فإننا نضع
المعالم التالية للأمة الإسلامية عمومًا، ولأصحاب المشروع الجهادي في العمل
الإسلامي بشكل خاص، لعلنا من خلال تلك المعالم نساهم في تصحيح المسيرة الإسلامية،
ونضع الأمور في مسارها الصحيح وفق المنظور الإسلامي الشرعي بإذن الله تعالى.
1. مكانة الجهاد في الإسلام.
- الجهاد في سبيل الله شريعة إسلامية ماضية إلى يوم القيامة بعز
عزيز أو بذل ذليل.
- الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام.
- الشهداء في سبيل الله هم أعلى الناس مكانة عند الله وعند
المسلمين.
- عندما تترك الأمة الجهاد فإنها تبدأ في مسيرة الذل والهوان
والتخلف الحضاري.
- على الأمة الإسلامية، قيادات سياسية وشعوبًا وأحزابًا
وجماعات، أن تدعم الجهاد والمجاهدين بكل ما يمليه الواجب وما تستطيعه تلك الدول
والشعوب، والمسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يظلمه ولا يسلمه.
وإنه لمن العار والشنار أن تدمر فلسطين وغزة والعراق
وأفغانستان والصومال، والعالم الإسلامي يتفرج ولا يحرك ساكنًا، وإنها لمسؤولية كبرى
أمام الله والتاريخ يجب أن يحسب لها حسابها.
2. طبيعة الصراع بين الحق والباطل.
- التدافع بين الناس سنة ربانية كونية ثابتة لا يمكن تجاهلها.
- من فجر التاريخ وإلى يوم الناس هذا الصراع بين الحق والباطل
لم يهدأ.
- لو ألقى أصحاب الحق سلاحهم وأعلنوا نواياهم الحسنة تجاه أهل
الباطل فإن أهل الباطل لن يلقوا سلاحهم ولن يزدادوا إلا تنمرًا وتدميرًا لأهل الحق.
- كل حق ليس وراءه قوة تحميه هو حق ضائع ومهدور.
3. ساحات الجهاد وميادينه.
- الجهاد في سبيل الله هو ما كانت رايته واضحة "لإعلاء كلمة
الله" فقط.
- الجهاد في سبيل الله ساحاته وميادينه إنما هي بين الإسلام
والكفر، وبين المسلمين وأعداء الإسلام المتربصين به.
- الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يكون بين المسلمين والمسلمين
بحال، ولا يمكن أن يكون لتحقيق أغراض ومصالح شخصية لأفراد أو أحزاب أو جماعات
سياسية أو اقتصادية أو غيرها.
- ساحات الجهاد والقتال في سبيل الله مفتوحة ومشرعة في كل أرض
يتغلب عليها ويستعمرها غير المسلمين، فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان وكشمير
والشيشان، أمثلة حية لساحات الجهاد الإسلامي في وجه الغزاة والمحتلين، ويجب دعم هذه
المواقع بكل ما يستطيعه المسلم مما تتطلبه المسيرة الجهادية في تلك الديار المقدسة
–وكل أرض إسلامية مقدسة- وأهل مكة أدرى بشعابها، والقرار الذي يجب احترامه قرار
قيادات الجهاد الحقيقية التي تدافع عن الأمة الإسلامية في تلك المواقع والساحات
الإسلامية.
4. طبيعة العلاقة بين الشعوب والعلماء والدعاة وبين القيادات
السياسية والأنظمة الحاكمة.
- العلاقات بين الشعوب الإسلامية والعلماء والدعاة والمصلحين من
جهة وبين القيادات السياسية والأنظمة الحاكمة للعالم الإسلامي يجب أن تسود فيها لغة
التوحد والتفاهم والحوار حفاظًا على هيبة الأمة أمام أعدائها، وتمهيدًا لتفجير
طاقات الأمة وتوظيف كفاءاتها بما يبوئها المكانة الريادية للعالم.
- الواجب على العلماء والدعاة والمصلحين نصح القيادات السياسية
وترشيدها عندما تنحرف عن الجادة وتبتعد عن هدي الإسلام في سياساتها وأدائها،
وبالحجة والبرهان، وبإيضاح الحق دون تلجلج أو ضعف أو خوف إلا من الله تعالى.
- استخدام السلاح والقوة في وجه القيادات السياسية والأنظمة
الحاكمة يوقع الأمة في الحرج والهرج والفتن، ويعقد الأزمات بدلاً من حلها
ومعالجتها، وكل شواهد التاريخ القديمة والحديثة تؤكد ذلك، ومثل هذا النهج لا يُسمى
جهادًا في سبيل الله، والسبيل الأحكم والأنجع هو الحوار والبيان وبكل تجرد وإخلاص
وقوة ووضوح واستحضار للتوجيه النبوي الكريم: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام
جائر فأمره ونهاه فقتله)، فلا مهادنة مع الباطل وأهله، ولا خوف من الحاكم وبطشه،
ولا تجاوز لضوابط الشرع وهديه "وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين"، "ولا
يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى".
- حالة الأمة الإسلامية مؤلمة، فرقة وتمزق واختلاف وأنظمة حاكمة
قطرية مختلفة السياسات متعددة الولاءات، المسافات بينها وبين الإسلام ليست على
سواء، ورغم كل هذا فالواجب على المصلحين والدعاة معالجة هذا الحال الذي تحياه الأمة
بالحكمة والأناة ورسم المناهج والسياسات الإصلاحية الراشدة بعيدًا عن الغلو
والتطرف، وبعيدًا عن الخداع والنفاق، وبعيدًا عن الاستفزاز والتهويش، وبعيدًا عن
الضعف والتبرير، وبعيدًا عن الأغراض الشخصية والمصالح الخاصة.
5. الأصل في العلاقات الدولية هو السلم بين الناس، ولكن السلم
لا يمكن أن يتحقق دون توازن القوىبين الدول المختلفة في عقائدها وفلسفتها ومذاهبها،
ولذلك فعلى الدول الإسلامية التحقق بأعلى مراتب القوة والإعداد إذا كانت حريصة على
السلم والسلام الدولي.
6. الأمة الإسلامية واحدة، والدول القطرية القائمة يجب ألا
تفرق وحدة الأمة أمام أعدائها من غير المسلمين، وعلى منظمة المؤتمر الإسلامي
والجامعة العربية أن تأخذا الدور الرائد والحقيقي في وحدة الأمة العربية
والإسلامية.
7. هذه المعالم الجهادية يجب أن تؤخذ كلها مجتمعة حتى تحقق
الرؤية الكاملة والصادقة للمشروع الجهادي الإسلامي، ولا يجوز بحال أن يؤخذ منها بعض
المعالم ليوظف في غير سياقه حتى لا نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا.
أيها الإخوة الأحبة العاملون للإسلام في العالم الإٍسلامي، هذه
رؤية متواضعة، ومعالم وإشارات نقدمها لكم جميعًا ولأصحاب المشروع الجهادي على وجه
الخصوص، لعلها تساهم في إصلاح هذه الأمة وعودتها إلى رشدها، والله المستعان، وهو
الهادي إلى سواء السبيل.