الصدق والشفافية
م. أسامة الطنطاوي
تتداول هذه الايام بعض المصطلحات التي يتم ترديدها بشكل متكرر لدى الكثيرين وذلك للتعبير عن أوضاع وظروف معينة نمر بها قد تختلف عما سبق من الأيام الماضية ، فقد أضحينا في آخر الزمان نفتقد الى الصدق والشفافية والرأي السديد عندما أصبحنا ندور في حلقة مفرغة وأحداث متسارعة، حيث تدور الدنيا وتتبدل الأدوار وتتغير كما هي نواميس الحياة وقوانينها، حيث أن دوام المحال من المحال، ولكن تبقى المعاني الخالدة لمكارم الاخلاق و الفضائل مهما تقامدت عليها العصور والازمان .
ومما لاشك فيه أنه سوف يلحقنا العذاب نتيجة بعدنا عن الصدق في الأقوال والأفعال والأخذ على يد الظالم و الذي جاء في الوعيد من الله ورسوله، فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: «يا أيها الناس تقرأون هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم)، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله تعالى بعذاب منه»، إسناده صحيح رواه جماعة منهم أبو داود والترمذي والنسائي.
وحيث أن البعض يفرق بين الشفافية والصدق، وأن أكثرية أصحاب المناصب في الإدارة يستعملون كلمة الشفافية بدلا من كلمة الصدق في أغلب ما يصرحون به عبر وسائل الإعلام المختلفة والسؤال هنا عن السبب في عدم استعمال كلمة الصدق بدلا من كلمة الشفافية.
فهل هناك فرق في المعنى في لغة الضاد بين الكلمتين الشفافية والصدق، فهذا هو مربط الفرس وهو ماأود توضيحه من وجهة نظري ومدى فهمي للأمر.
فالصدق هو أن تقول الحقيقة أي أن تخبر الآخرين عن أمر ما كما حدث بالكامل، أما الوضوح أي الشفافية فهو عكس الغموض أي أن تكون واضحا لما في أفكارك وكلامك يحتمل وجها واحدا وبعيدا عن الشك أو التفسير بأكثر من وجه. والشفافية هي أن يكون ما في قلبك على لسانك والشفاف من يكون وجهه ولسانه مرآة لقلبه.
ولقد دأب بعض الناس على استعمال لفظ الشفافية التي تدعو إليها المؤسسات والهيئات الحكومية والأهلية على حد سواء، تنفيذا للنظم التي تدعو للشفافية وعدم التحسس من الرأي الآخر.
أقول دأبوا على استعمال هذا اللفظ في مقدمة حديثهم لإيهام السامع والمتلقي بحسن نيتهم وصدق غيرتهم أو صراحتهم ، وذلك تمهيدا لما سوف يقوم بإفراغه من جعبته نحو الآخرين، وما ظن أولئك النفر أن للشفافية حدودا وآدابا وأخلاقا واحتراما للغير، وهذا هو لباس الشفافية الذي يزينها ويجعلها مقبولة لدى الآخرين، وتحقق المعنى والمبنى المقصود من هذه الكلمة.
أما الشفافية فهي سلاح ذو حدين يمكن عن طريقها تحقيق الأهداف المنشودة منها، والإصلاح والتطوير أو عن طريقها يمكن تقدير جهد الآخرين واحترام آرائهم ومشاعرهم، كما يمكن عن طريقها الإساءة إلى الآخرين واغتيال عطاءاتهم والتقليل من إنجازاتهم، وكذلك يمكن عن طريقها بث السموم والأفكار والآراء المغرضة التي تسيء وتؤذي الغير.
الفرق بين الشفافية والصدق أشرحه في الذي ينظر إلى الكأس ويقول: الكأس نصفها مليء أو يقول إن الكأس نصفها فارغ فهذا يتحدث بالشفافية وليس بالصدق، أما من ينظر إلى الكأس ويقول: الكأس نصفها مليء ونصفها فارغ فهذا يتحدث بالصدق، فالشفافية ناقصة أما الصدق فهو كامل، ويبقى الأهم الا وهو ترجمة الأقوال إلى أفعال على أرض الواقع وهذه هي الغاية و الهدف المنشود.