حول الضربة الإسرائيلية لدمشق

م. عبد الله زيزان

[email protected]

الضربة الإسرائيلية السادسة لهذا العام

لم تكن الضربة الأخيرة الموجهة لدمشق من قبل الطيران الإسرائيلي الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد، فقد استباح الطيران الإسرائيلي الأجواء السورية ست مرات في هذا العام وحده، وهناك حديث عن غارات أخرى لم يركز عليها الإعلام وظلت طي الكتمان، وهو ما يشير إلى أنّ أجواء سورية باتت مستباحة تماماً للعدو الصهيوني وغيره أكثر من أي وقت مضى، فقدت استغنى النظام حتى عن عبارته المشهورة "الاحتفاظ بحق الرد"، واكتفى هذه المرة بالإدانة، وساندته إيران وروسيا بهذه الإدانة...

وبعيداً عن محاولات النظام اليائسة في استثمار الحدث من خلال وسائل إعلامه المرئية ووسائل التواصل الاجتماعي، يبقى الهدف من هذه الغارات غير واضح في ظل التقارير والتسريبات المتناقضة التي تحدثت عن أسباب ودوافع هذه الضربة، خاصة في ظل التكتم الإسرائيلي وعدم تبنيها لهذه العملية وعدم إعلانها عن الأهداف المضروبة وأسباب تلك الضربة..

الاستثمار الفاشل النظام للضربة

حاول النظام يائساً استثمار الحدث وتحويل الضربة لصالحه، في ظل تراجع التأييد الذي كان يحظى به من قبل مؤيديه وطائفته بعد النكسات التي مُني بها النظام على عدة جبهات في سورية، وهو ما كلفه آلاف القتلى بين طائفته ومؤيديه، من درعا جنوباً حتى حلب شمالاً والمنطقة الشرقية عموماً...

فقد ادعى أنصار النظام أنّ استهداف إسرائيل لهم دليل وطنيّتهم، وأنها جاءت رفعاً لمعنويات الثوار، وقد حاول الترويج لانتصار وهمي من خلال هذه الضربة، محاولاً استعادة شيءٍ من شرعيته المبنية أساساً على كذبة الممانعة والمقاومة، والتي انطلت على فئات من الشعب السورية والشعوب العربية لعقود مضت، ولم يتمكن أحد من كشف عورته كما فعلت الثورة السورية، والتي عرّت النظام تماماً...

فقد تبين خلال الثورة أن النظام يمتلك ترسانة عسكرية كبيرة، لم يستخدم أياً منها باتجاه المحتل الإسرائيلي، بل كان يبني ترسانته تلك لمواجهة الشعب في حال أراد الانتفاض بوجهه، أو الانقلاب عليه..

أسباب الضربة:

كما ذكرنا فإنه في ظل الصمت الإسرائيلي حيال الضربة وعدم تبنيه لها أو إعلانه عن أهدافها، فإن الخيارات تبقى مفتوحة حول أسباب تلك الضربة، ويبقى المجال للتحليل والتخمين واسعاً، خاصة مع عدم وجود أي دليل مادي يثبت أن من قام بالضرب هي طائرات إسرائيلية من حيث المبدأ...

فهناك تحليلات تقول أنّ من نفذ الهجوم هي طائرات أمريكية أرادت من خلالها الضغط على النظام السوري، والتأسيس لمرحلة جديدة من الصراع في سورية..

وهناك حديث عن قيام الطيران الإسرائيلي باستهداف مستودعات الذخيرة خشية سقوطها بيد الجيش الحر، والكتائب الإسلامية العاملة على الحدود من دمشق، مما يشكل خطراً على الكيان الصهيوني حال وصول تلك الأسلحة لتلك الجماعات...

في حين أراد وزير استخبارات إسرائيل "يوفال شتاينيتزن" خلط الأوراق حيث قال في أول تصريح رسمي بعد الغارات، إن تل أبيب مصممة على منع نقل أي أسلحة متطورة من سوريا إلى لبنان، في إشارة إلى التقارير التي تحدثت عن عزم دمشق نقل بعض الأسلحة المتطورة إلى حزب الله في لبنان، وقد دمرت الغارات تلك الأسلحة قبل تحركها من مستودعاتها...

وهو ما أكده موقع "ديبكا" الإسرائيلي الذي أشار أن إسرائيل دمرت مكونات صواريخ روسية متطورة مضادة للدروع من نوع S-300 قررت موسكو نقلها لحزب الله اللبناني عبر سوريا، وهذه الأنظمة الروسية وصلت قبل أيام بواسطة طائرات نقل روسية للجزء العسكري من مطار دمشق الدولي.

حيث يؤكد الموقع الشهير بتسريباته أن الروس يدرسون منذ عدة أسابيع طريقة الانتقام من الولايات المتحدة وإسرائيل، بعد سقوط أكبر قاعدة استخبارية روسية في أيدي الثوار خلال الأسبوع الأول من أكتوبر الماضي، في تل الحارة القريبة من درعا، حيث تؤكد مصادر استخبارية غربية إن هذه القاعدة كانت واحدة من أكبر القواعد الاستخبارية الروسية المتطورة خارج الحدود الروسية، وأن الثوار حصلوا على أجهزة وأدوات استخبارية روسية لم يعرفها الغرب من قبل.

وتبقى هذه الضربات سراً من الأسرار التي امتلأت بها الثورة السورية، ولن يكشف حقيقتها إلا الزمن أو اعتراف الجاني الحقيقي بها وبأهدافها..

النفاق الغربي المفضوح

إذا ما تجنبنا الحديث عن كذبة الممانعة التي بات أمرها مفضوحاً للشعوب العربية أكثر من أي وقت مضى، فإن التركيز يجب أن يكون عن قيام إسرائيل بضرب المواقع دون موافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، والتي استخدمها الأمريكيون ذريعة لعدم قدرتهم التدخل في سورية، فكانت تتستر بالفيتو الروسي، لتبرير إهمالها ملفات حقوق الإنسان وعدم مواجهة النظام كما فعلت في ليبيا لحماية مصالحها النفطية هناك...

يتضح لنا الآن أكثر من أي وقت مضى مدى تلاعب الغرب بالشعوب الأخرى، ومدى استهتارهم بحقوق الإنسان غير الغربي، فالضربة الأخيرة تدل على أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن ما هي إلا ذريعة يستخدمها الغرب متى شاءوا ويتجاهلونها متى أرادوا، لتحقيق أهدافهم البعيدة كل البعد عن المنطق الأخلاقي والمبدئي...