ماضٍ ثري.. وتطلعٌ لمستقبلٍ واعد
سالم الزائدي
إن الماضي عملية استشراف أو استلهام للمستقبل، ونحن حين نتباهى بالماضي العريق، لا نفعل ذلك لمجرد التباهي أو التفاخر، وإنما نفعله لكي نستمد الثقة لأنفسنا وتطلعا ًللمستقبل.
إن أمة بلا ماضٍ ثري لا يمكن أن تتطلع إلى غد، ذلك لأن ما يربط الأمة ويحدد معالمها هو عطاؤها الحضاري : ثقافةً، وأدبا ً، وفنا ً، وعلما ً...أي تراثها الذي ترتبط به.
نتطلع نحن كعرب وإسلام الى القوة الخلاقة التي ستشكل محرك التطور وتدفع عجلة التقدم نحو الأمام بعد طول تغيب وتغييب وذلك من خلال جيل قادر يتمسك بهويته ويتميز في عرض وتقديم رؤية استكشافية جديدة للفكر الإسلامي مع ترجمة عصرية لهذا الفكر والدعوة في إطار (إسلامية علمية عالمية) تكون بمثابة إسهام جديد للوضع الإنساني الحاضر.. يرفع به الغشاوة عن الإرث الإسلامي ويعيد الثقة في المسلم والإسلام " كدين علم وبناء ونهضة " على الرغم من أن أمتنا الإسلامية قد نامت نومة أهل الكهف لعقود.
هدفنا الوصول الى ذاك الرجل الذي ينفجر في التاريخ كلما احتاجت الحياة الوطنية إلى إطلاق قنابلها للنصر، ذاك الرجل الصادق المؤمن القوي الإيمان، الممتلىء ثقة ويقيناً ووفاءً وصدقاً وعزماً وإصراراً على مبادئه السامية. ومدخلنا لذلك هو العلم كمنهج حياة وما يتبعه من دراسة وتطوير تختص بمناهج التعليم الحالية.....
إن ترسيخ الهوية العربية الإسلامية (الذاتية الشرقية) وأداتها البلاغية المتمثلة : باللغة العربية، يستدعي التركيز على مبادىء القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وعلوم البلاغة والمنطق والأدب وعلم الكلام وعلم الأخلاق في المراحل الدراسية الأولى.
أما في المراحل اللاحقة فلابد من التركيز بنسبة أكبر على تدريس تاريخ سيرة علماء المسلمين وإنجازاتهم وآثارهم على الأمة العربية والإسلامية وانعكاساتها على المجتمع الغربي. ونورد مثلاً على أهمية غرس مفاهيم البحث والتقييم لاسهامات العرب في الحضارة الانسانية بالعودة الى ما أشار اليه المؤرخ علي فهمي خشيم في كتابه العروبية ..منشأ اللغات بقوله "عندما نرجع الى المؤرخين الذين أشاروا الى تأثير الفكر العربي القديم في الفكر اليوناني نجد من بينهم المؤرخ الشهير هيرودوت الذي يذهب الى أن جميع آلهة اليونان ليست يونانية وإنما جاءت من ساحل الشام ومن مصر القديمة ومن ليبيا (شمال افريقية) ودراسة واحدة لأسماء هذه الآلهة تبرز لنا أنها عربية الأصل وليست يونانية ... طبعاً أنا أدرك تماماً النغمة التي تقال الآن وهي إننا نريد تعريب العالم . أبداً . كل ما نريده هو أن نسترجع حقنا في أننا صنعنا هذا العالم.. وهذا ما أريد التأكيد عليه".
نعيد ونكرر.. إن منهجية تعتمد البحث العلمي وربط الماضي بالحاضر هي الوسيلة الفعالة لإكساب الطلبة الثقة في نسبهم العريق للإسلام، واكسابهم ثقة في شخصهم بعد ماتعرفوا على أسلافهم وأجدادهم الأوائل وما صنعوا...وهذا سوف يمكنهم من الاضطلاع بدور أكبر.. وفهم أعمق للتوفيق بين العقل والنقل..وهذا يقودنا إلى تحرير العقل من التقليد.
إن من نافلة القول الحديث ولفت النظر الى أهمية تبني منهجيات وأساليب الدراسة الحديثة التي يفهمها أبناء هذا الجيل من تعليم تفاعلي واهتمام بالمشاركات في الجمعيات العلمية والأدبية وورش العمل في كل التخصصات بدون استثناء تدريباً وتمهيداً للانتقال إلى مرحلة التخصص والاطلاع على الثقافة الغربية ومعرفة ينابيعها من خلال علوم الفلسفة والاجتماع وتعلم اللغات الأجنبية الأساسية ولا ننسى أهمية اللغات التركية والصينية والألمانية التي مازالت شعوبها تحتفظ بهويتها الخاصة مما جعلها و مكنها أن تبني حضارة حديثة مستقلة.. لها قيمتها.
إن تركيزنا على المبادىء السابقة يساعد أبناءنا في مراحل التعليم المتقدمة على فهم تاريخهم العربي والإسلامي فهماً عميقاً يؤهلهم لصناعة أمجادهم كلا حسب تخصصه.. كما يكونوا قد تبينوا الطريق واستلهموا العبرة.. وبرز فيهم التنوع والذكاء والتميز... وكلنا أمل أن يكونوا قادرين على تحمل المسوؤلية والتصدي لأى تشويه يمس تاريخنا وإسهاماته الحضارية. ودحض مزاعم المستشرقين أمثال (رينان) الذي يزعم أن العقل الإسلامي من الناحية البيولوجية غير قادر على إنتاج فلسفة يعتد بها لأنه يميل الى البساطة والوحدة، ويرفض التعدد والتركيب.. ويكونوا كذلك طلابنا قادرين على التأكيد على المكانة الرفيعة التي يتبوأها العقل في الإسلام.
نعتقد بأن المعجزة الحقيقية التي يجب أن يتبناها الجيل المعاصر لرفع هاماتهم عالية والوقوف على أرضية ثابتة وصلبة هي في تمسكهم بهويتهم العربية الإسلامية وبكل ما تحمله من مظاهر التسامح والإخاء مع غير المسلمين وأن يكونوا شهوداً على أن التطبيق الإسلامي الصحيح في سياسة العلم والعمل به دافع قوي للنهضة وإثبات واقعي معاصر لمفهوم القدرة التنافسية في التعامل بكفاءة مع متغيرات العصر ضمن بيئة داعمة وثقافة محفزة ..أساسها الإرتقاء بالمسلم معرفياً ومهارياً وقيمياً وتفعيل قدراته الكامنة.. دونما شعور بالإحباط واليأس والتهميش..ودونما تدني في مستوى الطموح وإدراك سلبي للذات.
سوف انتظر فرجة الرجاء فى هذا السياق لينبثق ضياء الفجر ويطلق نور الحياة الدافق.