أوراق قديمة لسالم جبران
يوميات نصراوي:
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
تحل الذكرى الثالثة لرحيل الشاعر والمفكر والإعلامي سالم جبران في أواسط كانون أول الجاري.
لفت سالم جبران الانتباه والاهتمام بشعره قبل ان ينتقل للعمل الإعلامي والسياسي مناضلا ومثقفا ثوريا.
كان سالم سياسيا مجربا تمرس في النضال اليومي والنشاط الحزبي السياسي والإعلامي والتنظيمي، ترأّس تحرير مجلة الشباب "الغد"، ومجلة "الجديد" الثقافية، وصحيفة "الاتحاد".
في بداية 2000 استلم سالم جبران رئاسة تحرير جريدة "الأهالي" المستقلة التي صدرت في البداية كصحيفة أسبوعية ثم ثلاث مرات في الأسبوع، وقد عملت معه نائبا لرئيس التحرير، وكانت تلك جامعتي الفكرية والإعلامية، وأغلقت تلك التجربة عام 2005 لأسباب مادية.
المعروف ان سالم ترك الشعر وغرق بكل فكره وطاقاته بالنشاط الإعلامي، لكن الحقيقة ان سالم كان "يقمع" روحه الشعرية.. ربما من شعوره انه "تخلّف" عن ركب رفيق عمره محمود درويش، ولقناعته أن النشاط السياسي والإعلامي بات ضرورة ماسّة لا تقل أهمية عن التفرغ للشعر.
هل حقا ترك سالم الشعر؟
صداقتي مع سالم سبقت العمل في "الأهالي" واستمرت بعد "الأهالي"، بدأت صداقتنا منذ كنت طالبا ثانويا في مدرسة اورط في الناصرة، حيث جاء سالم جبران، محرر مجلة "الغد" وقتها، ليغطي إضرابا كنا قد أعلنّاه احتجاجا على النقص في التجهيزات التعليمية، عرفني من قصة قصيرة كنت قد نشرتها في مجلة "الجديد" (ربما عام 1962)، وحثّني ان انضمّ للشبيبة الشيوعية وان يضمّني لهيئة تحرير مجلة "الغد". طبعا تحمّست وشعرت اني أسبح في الفضاء.. يومها جنّدت عددا من الطلاب (8 أو 9) لنلتقي أسبوعيا مع سالم جبران في نادي الشبيبة الشيوعية في الناصرة، قدّم لنا سالم جبران محاضرات عديدة، ثقافية، فكرية وسياسية. بدأنا نتعرف على الفكر الشيوعي ومفاهيم الإشتركية، ثم شارك في المحاضرات لفريقنا الصغير قادة حزبيون، كان منهم المرحوم د. إميل توما، والمرحوم نمر مرقص سكرتير منطقة الناصرة للشبيبة الشيوعية في ذلك الوقت.
استمرت تلك المحاضرات لمجموعتنا أكثر من ستة أشهر قبل ان ننضم كلنا إلى صفوف الشبيبة الشيوعية. انا شخصيا كنت قد بدأت أنشط في هيئة تحرير مجلة "الغد"، كتبت ريبورتاجات وتقارير فنية، دفعني سالم لاستعراض بعض الكتب، طبعا مررت بتجربة مثيرة كثيرا ما اضطرني سالم ان أعيد الصياغة كلها أو مقاطع منها لتكون لغتي متماسكة واضحة، استطيع القول ان نشاطي في "الغد"، إلى جانب تطوير لغتي الصحفية ومفاهيمي الإعلامية، فتحت أمامي آفاقا حدودها السماء، لم أتوقف عن الكتابة بكل أشكالها حتى وأنا أعمل في مجال الحدادة، بعد ان فشلت في الحصول على وظيفة مناسبة.
حين استلم سالم رئاسة تحرير جريدة "الأهالي" كنت قد تقاعدت من الحدادة إثر إصابة عمل، وكانت "الأهالي" تبحث عن محرر آخر فتقدمت بطلب للعمل في "الأهالي"، كانت هناك أسماء صحفية بارزة، لم أتوقع ان يصر سالم على صاحب الجريدة السيد علي دغيم بأن يختارني من بين أكثر من خمسة صحفيين لهم تجربة لا يستهان بها.
تجربتي في الأهالي إلى جانب سالم أحدثت انقلابا في تفكيري ونشاطي الإعلامي، بعد فترة قصيرة سُمّيت رسميا كنائب لرئيس التحرير، رغم اني عمليا كنت نائب رئيس التحرير من اليوم الأول، واستلمت رئاسة تحرير مجلة "طلاب الأهالي".
قربي من سالم يجعلني اشهد ان سالم لم يخن الشعر. لكنه لم ينشر ما كان يكتب. كنت أحاول إقناعه ولسبب لا أفهمه يصر على الرفض. اعرف شيئا آخر، لسالم نصوص شعرية نثرية كتبها بين (2003 – 2004) فقدناها، تشكل ديوانا كاملا. ما زلت آمل ان نجدها.. قرأها لي ولعدد من الأصدقاء بينهم شاعر العامية سيمون عيلوطي.
في فترة عملنا أعطاني لأقرأ قصيدتين.. لشاعر اسمه رفيق الشريف.. هذا اسم مستعار استعمله سالم في مجلة "الغد". سألته لماذا لا ينشرهما باسمه؟ لا أتذكر جوابه.. أعطيت القصيدتين للطباعة. كنت أنوي نشرهما بدون إذنه حتى باسم رفيق الشريف لأني اعتقد ان أكثرية القراء كانوا يعرفون من هو رفيق الشريف. لكني كنت مضطرا ان أعطيه نسخة ليصححها.. قال بطريقة أغلق فيها النقاش: لا أريد نشرهما!!
يبدو ان نسخة مسوّدة ظلّت بين أوراقي. قبل فترة قصيرة تفاجأت وانا ارتب مكتبتي بالقصيدتين بين أوراقي. راجعت ديوانه الكامل فلم أجدهما. طبعا سأنشرهما.. لكني أخاف ان تكون أخطاء ما لم تصحَّح وأردت ان أتأكد مرة أخرى ان رفيق الشريف هو سالم جبران.
المرجع الأفضل لذلك هو البروفسور سليمان جبران رئيس كرسي اللغة العربية بجامعة تل أبيب سابقا، باحث لغوي وناقد، وأخ سالم جبران. راجع القصيدتين وأخبرني بالطبع هذه روح سالم وأسلوبه واسمه المستعار. صحح القصيدتين وأرجعهما لي وها انا أقدمهما للقراء بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيله.
أوراق قديمة لسالم جبران:
1) عتــاب
أتهجرني...
وتترك قلبي الراعفْ
بلا كفنِ؟!
ولا تسألْ
كأنكَ لست تعرفني
ويُغضبني
ويُلهب كلّ أعصابي
وجومك حين تلمحني
وكانت بسمة جذلى
تنير ظلام أيّامي
وتجعلني أحبّ الناس، كلّ الناسِ
في وطني وفي الكونِ
فما ذنبي لتتركني
وحيدا أقطع الدربا
وأحزاني
نصال تقطع القلبا
***
أنا ماشٍ على دربي
كئيبا يائسا تعِبا
ولكنّي
سأبقى رغم أحزاني
طوال العمر مرتقبا!
********
2) لهــا ولا ذنـــب لهـــــا
لها حبّ كأطراف المساميرِ
ولي قلب كأوراق الأزاهير، وأهواها..
وكم تقسو ولا تأسو
وكم أرضى ولا أقسو
وأسلو عن خطاياها
فيا وجدا برى جسدي
وخلاني
جريحا نازفا كبدي
ويا شوقا يسهّدني
ويُجهدني
كفاني ظلم أيامي
ويكفيني
الذي ألقاه في وطني
من الآلام والمحنِ!