من بشائر تحرير مصر

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

E.mail:[email protected]

تحية إلي كل شهداء وجرحي ثورة الشعب العربي في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن ومن سيلحق بهم في عُرس التحرير.

يالها من بشائر التحرر والشعور بالمكان والمكانة، والكرامة الشخصية والوطنية. إنه الخروج من ربقة القهر والظلم والفساد والطغيان، واحتكار وسرقة ونهب الأوطان.

هاهي الشقيقة "تونس" وقد وضعت أقامها علي طريق تحقيق مطالب ثورتها الرائدة. هرب المتحكم فيها، وحُل حزبه، وحُل جهازه الأمني، وأقيلت حكومته، وجاءت أخري لا اعتراض عليها، وأعلن العفو العام عن السياسيين، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب والجمعيات، وأعلن عن مجلس تأسيسي لصياغة دستور جديد. وستتوالي الخطوات والإنجازات.

وهاهي مصر.. منذ صبيحة يوم السبت 19/3/ 2011م ، في مشهد غير مسبوق منذ عشرات السنين، يصطف الناس في طوابير طويلة خارج لجان الاقتراع ليدلوا بأصواتهم. ينتصف النهار وتشتد حرارة الشمس ويزاد الإقبال ولعله سيضغط باتجاه زيادة مدة الاقتراع عما هو محدد لها سلفا.

لأول مرة تنزل "الكتلة الصامتة" إلي لجان الاقتراع لتلدي برأيها الذي تيقنت أن كل صوت سيكون فارقاً في مسار الاستفتاء علي التعديلات الدستورية.

أصواتهم كانت مُغيبة مُهمشة، لا تضر ولا تنفع، فالنتائج "المُزورة" مُعدة سلفا من نظام فاسد مُفسد، ظالم مستبد.

منذ العام 1985، مدفوعاُ بواجب وضمير محب لهذا البلد، شاركت فيما سبق مما سمي بـ"انتخابات واستفتاءات". اليوم يختلق كل الاختلاف عما حدث علي مدار ما يزيد عن ربع قرن فائت من عمرنا وعمر وطننا الحبيب .. مصر.

يتصل بي أصدقاء من خارج مصر (لم يستطع الكثير منهم تحمل العيش تحت ظروف العهد البائد).. قلقون مهمومون، وآخرون من الداخل لأول مرة سيدلون بأصواتهم، يتشاورون، وهم مقبلون علي أول تجاربهم علي مشوار التحرر والتحرير الحقيقي الطويل.

وحين كتابة هذه السطور، وبعد عودته من الإدلاء بصوته، ها أسمع ابني الكبير يتحاور مع صديقه، عبر الهاتف، في نتائج وتبعات التصويت.. أمر لم يكن مسبوقا من قبل.

من بشائر تحرير مصر أن تخرج ألأسر، الأزواج والزوجات، شيبة وشباباً، كباراً وصغاراً، من له حق التصويت، ومن يصغر عن الثامنة عشرة من العمر. كأنهم يوم عيد، ليروا بلدهم وقد تحررت . ليروا بلدهم ونحن نسلمها لهم علي طري الحرية والتحرر والكرامة والاستقلال الحقيقي ممن أغتصبها، وسرقها، ودمرها، وقتلها.

من بشائر التحرير، أن تتحاور الأسر، ويتشاور الأصدقاء والناس فيما يقدمون عليه، يتفقون أو يختلفون في وجهات نظرهم ورؤاهم المستقبلية، يحدوهم جميعا صالح ومصلحة الوطن.

طريق التحرير طويل وشاق، وسيقوم نفسه بنفسه، مع تضافر كل الجهود.. مع الاحترام لكل المخلصين، والتقدير لتنوع وجهات النظر.. دون قهر أو إكراه أو  إقصاء لأحد.

يبقي الشعبين الشقيقين، الشعب الليبي واليمني، وكل الأمنيات والدعوات أن يستنشقا عبير الحرية والكرامة والنصر علي القتلة.. الفاسدين المفسدين، المتحكمين في رقاب العباد والبلاد لعقود من الزمان.