اليقظة والوعي مسؤولية المرحلة
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
أخيرا وبعد عقود طويلة من الصبر والتصبر والاصطبار انتفضت الشعوب العربية وثارت وهاجت ماجت وأسقطت نظامين من نظم أعتي المنطقة المستبدة والبقية ستأتي إن شاء الله وسترغم أنوف الطغاة راكعة أمام إرادة الشعوب ، وستدك حصونهم وقلاعهم ، وستنهار أنظمتهم الفاسدة التي ظلت جاثمة على صدور الشعوب كل هذه الحقب الظلامية المترعة بالتخلف والجهل والمرض ومن قبل ذلك كله الفساد والظلم الذي ذاقت ويلاته الشعوب ، ولكن ثمة أسئلة مستحقة وضرورية بعد ذلك الطوفان من الثورات والنسائم التي حملت عبير الربيع للشعوب العربية وأذنت برحيل الفاسدين المفسدين ، من سيملأ هذا الفراغ الذي تركته هذه الأنظمة ؟ وهل يكفى أننا قمنا بثورة وأزحنا حاكما مستبدا من كرسيه؟ فمن سيخلفه ومن يدبر ليلا ونهارا ليقفز على كرسي الحاكم المخلوع؟ كيف سيحكم ؟ بأي سياسية سيبدأ عهده الجديد؟ وما شكل الدجل السياسي الذي سيطرح علينا هذه المرة من القادم الجديد؟ من هم أعداء الثورة ومن هم سراق أحلام الشعوب ؟ من هم الذين يحاولون تصدير النظام القديم بشكل وطلاء جديد ليركبوا موجة الثورة ويعودوا إلى سدة الحكم والسلطان والسيادة من جديد ؟ هل ستقف القوى الخارجية بما فيها عدونا الأزلي إسرائيل في مقاعد المتفرجين حتى نصوغ حلمنا على مهمل وكما نريد ؟وهل سيكف أذنابهم المنتشرون بالآلاف في بلادنا عن خلط الحقائق وتزييف وعى الشعوب ؟ من هم الأخيار والأكفاء ورواد التغيير الذي بذلنا من أجله دماء الشهداء وبحت أصواتنا ومازالت تهتف مطالبة برحيل الطواغيت ؟ الرايات كثيرة والأطروحات متباينة ، والمحللون ومن تسربلوا بزى الساسة بالعشرات فلمن نسمع ومن نختار ؟ عشرات وعشرات التساؤلات ؟!!
هل هذا زمان الفتنة التي تدع الحليم حيرانا ؟ هل هذا زمن الرويبضة الذي يتكلم في أمور العامة وهو جاهل أحمق لا يدرك من فقه الأمور شيئا ؟!
هل هذا زمن جل الفاجر وعجز الثقة ؟ نسأل الله العفو العافية والبصيرة ونور اليقين في هذه الظلماء المدلهمة ، وهذه الأحداث الجسام ..
حذر الكثير من المفكرين ومازالوا من الثورات المضادة، وهذا التحذير في محله فالاقتتال والتناحر السياسي أمر لا مفر منه تقريبا خلال الفترات الانتقالية والقوى المناوئة للديمقراطية تتربص في الظلام وتلعب على المفاهيم المتصورة لعدم الاستقرار لتأمين قواعد السلطة وجذب مجندين جدد، وتحاول جاهدة بث الشائعات وبث الفوضى في كل القطاعات والمستويات حتى يدور الشعب في حلقة مفرغة فينسى حلمه وهدف الذي قامت من أجله الثورة وماذا كان يريد !!
أحد الأهداف التي يرجو تحقيقها مروجو الثورة المضادة هو إحباط أي مساعٍ حقيقية للإصلاح والتغيير، وقطع الطريق على المشروع النهضوي في المنطقة، والادعاء بأن الشعوب في المنطقة العربية لا تستحق الديمقراطية، ولا تستحق أن تحكم نفسها بنفسها، وأن واحة الديمقراطية الحقيقية في المنطقة هي الكيان الصهيوني الإسرائيلي.
إن على الشعب المصري بكل أطيافه وتياراته السياسية المخلصة، التي ضحت بالغالي والنفيس لنيل حريتها واستقلالها واستعادة كرامتها، أن تتنبه لأي منعطفات من هذا القبيل ، وأن تقطع الطريق على عناصر الفوضى ودعاة الفتنة الطائفية والعنصرية؛ وألا تسمح لعملية التغيير بأن تكون أداة للتدهور والتراجع، وأن تسارع لوضع الآليات التي تضمن الوحدة الوطنية وتمنع التدخل والعبث الخارجي، وأن تضع الضمانات لأن تكون عملية التغيير هي عملية إصلاح ونهضة وارتقاء.
لذا فإن واجب المرحلة يقتضى عدة واجبات يأتي في مقدمتها اليقظة الكاملة لجميع التحركات التي يقوم النظام البائد ، والتكاتف من أجل التصدي لها وإحباطها وهو واجب كل مواطن مصري في موقعه ومؤسسته ، كذلك الوعي التام بطبيعة هذه المرحلة الخطيرة من حياة الأمة وإحكام بناء المستقبل بدقة دون ترقيع أو تنازلات على أمل استكمالها في المستقبل فلابد أن يكون الإصلاح شامل وجذري، يشمل كل القطاعات والفئات والأيدلوجيات والمفاهيم والقيم والتصورات فنحن نريد لمصر أن تقوم بدور النهضة والريادة في محيطها الإقليمي والدولي ولن يتحقق ذلك إلا بإحكام البناء وهدم منظومة الفساد التي شيدها النظام البائد على مدار أكثر من ثلاثة عقود .
في السياق :
قال الشاعر أبي أذينة:
لا تقطعن ذنب الأفعى وتتركها *** إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا
" الانتخابات لا تصنع ديمقراطية: "فالديمقراطية يجب أن تكون متجذرة في سيادة القانون"، ( زعيمة المعارضة الأوكرانية يوليا تيموشينكو ).