مجلس قيادة الثورة: أمل وعمل

مجاهد ديرانية

أُعلن أخيراً -بعد مئة يوم من السعي المخلص والعمل الدؤوب- عن ولادة الجسم الثوري الجديد، "مجلس قيادة الثورة"، الذي يضمّ الغالبيةَ العظمى من الفصائل والكتائب الرئيسية في الثورة السورية، فاستقبله كثيرون بالتفاؤل والأمل، واستقبله كثيرون بالتشاؤم والإعراض. لا أعلم أيّ الفريقين أكبر من الآخر، ولكني أعلم أن نجاح هذا المجلس واجب شرعي متعيّنٌ على الفصائل كلها، وأن دفعه وتشجيعه والعمل على إنجاحه فريضةٌ ثورية يتحمل مسؤوليتَها أهلُ الثورة جميعاً، لا أستثني نفسي، وأرجو أن أقضي فرضي بهذه الكلمات.

*   *   *

يخشى المتشائمون من تجربة فاشلة جديدة تُضاف إلى قائمة الفشل الطويلة المتراكمة، ولعلّهم آثروا أن يَحمُوا أنفسهم من الإحباط اللاحق بموقف سلبي سابق. وهم محقون في تشاؤمهم لأن المجلس يحمل الكثيرَ من بذور الفشل وأسبابه، كاختلاف المناهج الفكرية، والتباين في المشاريع الجهادية، والنَّزْعات المناطقية، والمصالح الشخصية، وضغوط الداعمين... وقد أخفق في الماضي عددٌ أقلّ من الفصائل في الاتحاد، على ما بينَهم من تقارب في الرؤية والمنهج، فكيف ينجح في ذلك عددٌ كبير من الفصائل وهي أقل انسجاماً وأكثر اختلافاً في الرؤى والمناهج؟

هذه الطريقة في التفكير قد تُريح أصحابَها وتَقيهم الكدرَ الذي سيترتب على الفشل لو حصل، ولكنْ ما بهذا الأسلوب ولا بهذه الروح تنتصر الثورات، ولا بها تعالَج الأخطار وتُحَلّ المشكلات. إن الذي يمرض ولدُه المرضَ الشديد يحمله إلى الطبيب الأول ويجتهد في طلب الشفاء، فإذا لم يبرأ من مرضه فسوف يذهب به إلى طبيب آخر، ثم إلى الثالث والرابع، ولن يستسلم ويقول: لقد أحبطتَني ثلاثُ محاولات فاشلة فلا حاجةَ لي بالرابعة. وماذا لو كان المرض خطيراً قاتلاً؟ أتتركه يفتك بولدك أم تحاول علاجَه مرّةً ومئةَ مرة وألفَ مرة؟

إن ثورتنا في حالة مرض ووَهْن وكلال، ولو أننا أخفقنا في محاولة الإنقاذ الأولى والثانية والثالثة فعلينا أن نحاول رابعةً وخامسةً وسادسة، ثم نكرر المحاولات ولو بلغَت عشرات ومئات، وإلا فإن مصير الثورة إلى فشل وإخفاق ومصيرنا إلى ضياع وخسران لا قدّر الله.

*   *   *

إن هذا المشروع الجديد يستحق دفعَه إلى النجاح بكل وسيلة لأن خصوم الثورة قد تواطؤوا عليها جملة، فلا يمكن أن نردّ عدوانهم علينا إلا بالقتال صفاً واحداً تحت راية واحدة وقيادة واحدة وخطة واحدة. ولأن الوقت الذي نملكه قصير؛ نحن لا نملك رصيداً لا ينفد من الوقت نصرف منه كيف نشاء، فلقد أكلت داعش في السنة الأخيرة ثلاثةَ أرباع الأرض التي حرّرناها بدماء عشرات الآلاف من الشهداء، ودخلت إيران بخيلها ورَجلها في الحرب، ومدّت روسيا بينها وبين النظام جسوراً جوية وبحرية تزوّده من خلالها بالأسلحة والذخائر بلا حساب، فاستطاع أن يسترجع السيطرة على بعض المواقع الإستراتيجية ويعيد احتلالها من جديد بعدما أنفقنا في تحريرها كرائمَ الأنفس والأموال.

إن داعش والنظام وإيران وسائر الأعداء ما يزالون مندفعين في العدوان، وإذا لم ننجح في وقفه والانتقال من الدفاع إلى الهجوم فقد لا تعيش الثورةُ سنةً أخرى لا قدّر الله. ثم إن أعداءنا يزدادون عدداً وقوة، ولن يلبث أن يأتي زمانٌ على ثورتنا لا ينجو فيه إلا مَن التزم بالجماعة، وسوف تأكل الذئابُ كل قاصية من الغنم. لذلك فإنني أدعو جميع الفصائل والكتائب المخلصة الشريفة إلى الالتحاق بهذا الكيان الثوري الجديد مهما تكن المآخذ والاعتراضات، ومَن كان مقتنعاً بالفكرة والهدف ولكنْ تزعجه بعض التفصيلات فليعلم أن الإصلاح من داخل الكيان الثوري ممكن ولو كانت فرصته محدودة، أما من الخارج فإنها معدومة بالكلّية. فأيهما أفضل: كيان موحد قابل للإصلاح، أم شَرذَمة وتفرّق ما بعدَهما إلا الفشل والضياع؟

*   *   *

لست أعلم الغيب، ولكني أكاد أجزم غيرَ متردد أن أعداءنا بدؤوا بالتخطيط لإفشال هذه المبادرة منذ الإعلان عنها قبل مئة يوم، ولا بد أنهم قطعوا شوطاً كبيراً في التخطيط. وربما استعانوا بوسائل شريرة لتحقيق غايتهم، ولكنهم لن يجدوا وسيلةً أقدرَ على تدمير مشروعنا من التناقضات والاختلافات القائمة بيننا، والتي لا مناصَ من وجودها لأن الناس لا يزالون مختلفين. فإما أن نترفّع على الخلافات ويقبل بعضُنا بعضاً أو ستتحول خلافاتنا إلى أسلحة ماضية في أيديهم، يطعنون بها ثورتنا ويقضون بها علينا جميعاً عاجلاً أو آجلاً، فنغدو كلنا خاسرين.

يا أيها الأحرار: لا بد أنّ بينكم اختلافاتٍ في الرُّؤى والمشاريع، ولا شك أن كل صاحب رؤية ومشروع حريصٌ على الدفاع عن رؤيته والتشبث بمشروعه. هذا كله صحيح، ولكنْ صحيحٌ أيضاً أنّ مشروعاتنا كلها لا قيمةَ لها ولن يرى أيٌّ منها النورَ ما لم يتحقق شرط الشروط وسبب الأسباب، وهو انتصار الثورة وسقوط النظام. فما قيمةُ خلاف على تفاصيل المراحل اللاحقة من الطريق إذا عجزنا عن قطع مرحلته الأولى؟

لعل فصيلاً من الفصائل يتردد في الانضمام إلى هذا التحالف الجديد لأنه يخشى أن يفقد شيئاً من مشروعه الذي يجاهد من أجله، والذي يظنّه الحقَّ الكامل والصوابَ المطلق. لن نناقش أيّاً من تلك المشروعات الآن؛ يكفينا أن نقرر أن الأرضَى لربنا هو أن نجتمع على نصف الحق أو على جزء منه -في غير معصية- ولا نتفرق بحثاً عن الحق كله. لنجتمعْ ولو على الميل الأول من الطريق الطويل، فلا بأسَ أن تمشيَ العرباتُ على سكة واحدة ميلاً ثم يقفَ أصحابُها ويبحثوا: كيف يدفعونها ميلاً بعده؟ وكما قال الأوّلون: رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة على الطريق الصحيح.

*   *   *

لقد مَنّ الله علينا قبل عام بمبادرة كان ينبغي أن تُغنيَ عن هذه المبادرة الجديدة وأن تتطور لتصبح رابطة ثورية جامعة عامة، هي مبادرة "الجبهة الإسلامية"، ولكنها عُرقِلت بعراقيل توهّمَ أصحابُها أنها "مصالح"، فبقينا متفرقين، وكان من ثمرات تفرّقنا واختلافنا أن فقدَت الثورةُ في هذه السنة الأخيرة أربعةَ أخماس الأرض التي كانت تملكها. وقد بقي الخُمسُ لا غير، فإمّا أن ينجح المشروع الجديد، أو سيأكل الخمسَ الخامسَ البغاةُ والغلاةُ والطغاةُ لا قدّرَ الله. فما أنتم فاعلون؟