يا رب دبّر لنا.. فإنّا لا نحسن التدبير!
أ.د. حلمي محمد القاعود
في مواجهة اليأس والقنوط الذي أصاب بعض المخلصين لدين الله والوطن والأمة ؛ عقب الحكم ببراءة القتلة والجلادين واللصوص الكبار والكنز الاستراتيجي لا أجد ما أقول لهم غير قول الله تعالى: " ... وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ( يوسف: 87) .
جاء هذا النهي الإلهي بعد أن طلب يعقوب عليه السلام من أبنائه أن يستمروا أخذا بالأسباب في البحث عن أخويهم " يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ ..." ؛ أي طلب يعقوب من أولاده أن يذهبوا إلى الموضع الذي جاءوا منه وخلفوا أخويهم به ، وقال لهم : التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره وأخيه بنيامين ، ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فأراهما ، فإنه لا يقنط من فرج الله ورحمته ويقطع رجاءه منه ( إلا القوم الكافرون ) ، الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه وتقديره . وقال بعض العلماء في معنى قوله: ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، أي : من فرج الله ، يفرِّج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه .
أعلم أن المحنة شديدة وقاسية ، خرج شاوشيسكو من قبره وأخرج لسانه لضحاياه الذين قتلهم ، وزغردت زوجته في المستشفى ووزّعت الحلوى ، بينما أهل الحق والمقاومة ، يعذّبون في السجون ، وتغتصب النساء هناك ، وتصدر على المئات أحكام الإعدام بالجملة في أقل من ساعة دون إجراءات قانونية ، وتسارع قنوات اللصوص الكبار إلى الحفاوة بشاوشيسكو وجلاديه ، وتناديه بلقب " سيادة الرئيس "، ويخرج الأنصار والأحباب من شعب البيادة لإعلان الفرحة والبهجة والسرور ، وأنهم انتصروا على الإسلام والمسلمين ، وأنهم وضعوا نهاية للإسلام في 30 يونية ، وبعدها بيومين أعلن رسميا مرشدهم الأعلى تواضروس إسقاط غرناطة الجديدة – أي مصر المسلمة - يوم 3 يولية 2013 بحضور أكبر عمامة وأطول لحية ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ، فضلا عن كبار الجندرمة وحملة الحراب!
محنة يعقوب النبي ، ومحنة السحرة الذين آمنوا برب هرون وموسى بعد أن خالفوا فرعون وهامان وجنودهما والقوم الفاسقين ، ومحنة أهل الأخدود ، وغيرهم من أهل الإيمان ؛ انتهت إلى فرج الله ، والنجاة من الغم ، وإعلاء كلمة الحق ، وإهلاك الظالمين وأعوانهم .
أجد لزاما أن أسجل هنا كلمة الفتى الشهيد تامر صلاح الذي ارتقى شهيدا في محيط ميدان التحرير يوم براءة شاوشيسكو برصاص ميليشيات الانقلاب، التي كتبها على صفحته في " فيس بوك " قبل استشهاده :
" أحسن حاجه ممكن تعملها في الدنيا إنك تمشي في طريقك وتركز في اللي بتعمله .. وانت مش عارف رجلك ممكن توديك لفين ومش بترتب وتفضل تحسبها وتسمع كلام من هنا وهناك , انت مركز في انك تسعي وسايب التدبير لربنا.
وأضاف: أحلى فرحة ممكن تشوفها في حياتك , لما تشوف نتيجه المجهود اللي انت عملته ده ويكون ربنا وفقك ووصلت للي كنت بتتمناه واحيانا اكتر .. يا كريم ارزقنا بفضلك حسن طاعتك ودبر لنا فإنا لا نحسن التدبير ".
كلام بسيط تسطع منه روح الإيمان ويقين الأمل ، والأخذ بالأسباب وترك النتائج لمقدّر الأقدار .. لا تيأسوا من روح الله .
لم يتعظ الجلادون من فرعون وهامان وجنودهما ، ولكنهم يصرون على الغطرسة والعنجهية والاستمرار في جرائمهم ضد الإسلام والإنسان ، ويستمرئون الكذب والبهتان ، وتأمل ما يقوله بعضهم عن 25 يناير " إن الشباب الذى خرجوا فى 25 يناير كانت لهم مطالب حقيقية ومشروعة وليس لإسقاط النظام، وإن جماعة الإخوان والعملاء ضللوا تحركات الشباب الثائر وانتزعوه منهم ، وإن 25 يناير مؤامرة حيكت لمصر منذ 2005 بعد أن طالبت جمعية بروكسل الحكومة المصرية بالاعتراف بجماعة الإخوان وتغيير القوانين حتى تسمح لهم بممارسة العمل السياسى، إلا أن تلك المؤامرة أجهضت والحمد لله بثورة 30 يونيو !" .
ويقول جلاد : " إن الشرطة هي المجنى عليها وهى برئية تماما من تلك الدماء ( يقصد دماء الشهداء ) ، ويجب أن ينشأ لها وسام على تعاملها مع أحداث 25 يناير!!) ، ويزعم الجلاد أن الشرطة لو تعاملت بعنف كانت التظاهرات أجهضت ومات الآلاف. وكأن أكثر من ثمانمائة شهيد في يناير ليسوا بعدد كبير ، مما يجعله يطالب بوسام لشرطة القتل والعار !
نقدم للجلاد شهادة شقيقة اللواء البطران (رحمه الله) ضد مبارك و العادلي من موقع اليوم السابع بتاريخ 17 أكتوبر 2011 :
( ... اللواء البطران فى آخر مكالمة هاتفية بينه وبينها صباح يوم السبت 29 يناير،قال لها : إن حبيب العادلى يــــقــــــوم بـــإحــــــراق البـــلـــــــــد وأنــــــه تــــــم فـــتــــــح 18 قـــســــــم شــــــرطــــــة لإخـــــــــراج المســــــاجــــــيــــــن لترويع الآمنين وإثارة الفوضى، وأكـــــــــد لــــــهــــــا أنــــــه ســـيــــــقــــــف أمـــــــــام مخــــــطــــــط فـــتــــــح الســــــجـــــــــون.
وأشارت شقيقة اللواءالبطران إلى أن شقيقها كان يحاول تهدئة المساجين بعد مقتل أحدهم ويدعى "عظمة " أثناء حديثه معهم، وعندما هدد الضابط الذى قام بقتله بمحاكمته عسكريا، تراجع الضابط وأشار إلى ضابط آخر كان موجودا أعلى أبراج الحراسة لقتل اللواء البطران.... " .
والسؤال الذي لا يجيب عنه أحد في النظام العسكري الدموي الانقلابي : لماذا يتم التعتيم على قضية اللواء الشهيد محمد البطران رئيس مصلحة السجون ؟ هل لأنها تكشف للجلادين والشعب المصري والعالم حقيقة أحداث الانفلات الأمنى، وفتح السجون بعد جمعة الغضب، بمعرفة ضباط الداخلية لإثارة الشغب وخلق حالة من الخوف والفزع، وإجهاض الثورة ؟
بعض الجلادين سمّته جريدة الوفد الانقلابية في 11/11/2012 دراكولا أمن الدولة وذكرت أن ضحاياه بعدد شعر رأسه ، وما يروى عنه من أساطير وحكايات طيلة ثلاثة عقود تكفي لصناعة عشرات الأفلام التي تنتمي لسينما الرعب.وأنه جلب وزمرته الفاسدة أدوات جديدة للتعذيب وابتكر مع فريق من جهنم الداخلية طرقاً شديدة القسوة والغرابة في نزع المعلومات من الضحايا الذين كان رجاله يجمعونهم من المساجد والبيوت في منتصف الليل.. ومن المفارقات أن دراكولاوأتباعه كانوا يمارسون التعذيب الوحشي وهم يستمعون لآيات الذكر الحكيم !!
لاتيأسوا ، " فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ " ( الشعراء :63) ، عبر موسى ونجا ، وغرق فرعون وقومه ، وخرج بدنه ليكون عبرة لمن يعتبر، والحمد لله رب العالمين .