أسس النهضة في سياسة "أوردغان"
أسس النهضة في سياسة "أوردغان"
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
في الوقت الذي تعانى فيه أمتنا من آلام المخاض التي تسبق ميلاد نهضتها المنشودة ، تقف حائرة على مفترق الطرق المتشعبة التي خطها لها أعداؤها تتلمس الطريق وتبحث عمن يرسم لها معالم الطريق ويشير لها في إشارات وومضات واضحة سبيل الخلاص ، ويقدم النموذج لبناء نهضتها ويرشدها إلى الخطوات الجادة والعملية لتأسيس ملامحها .
وها هو الفتى الشجاع - كما جاء في معنى اسمه بالتركية- رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أوردغان " مع بالغ الاعتذار لمقامه سعادته الرفيع يقدم نموذجا لهذا السياسي المتميز الذي تبحث عنه الأمة فلقد زار بالأمس بلدنا الحبيب الكويت على رأس وفد من 500 مسؤول ورجل أعمال تركي لتعزيز التعاون والشراكة مع الكويت .
وينبغى ألا تمر هذه المناسبة مرور الكرام حتى نقف على ملامح خطابه النهضوي ونستلهم منه العبر والدروس التي ينبغي أن يتعلمها كل ساسة الأمة و قادتها الذين يتربعون في مواقع المسؤولية وصناعة القرار ، فلقد ضجت الأمة وملت من التشرذم الذي قطع أوصالها إربا وذبحها من النخاع حتى النخاع ، وها هو الفتى الشجاع " أوردغان " يعيد تصحيح المفاهيم ويضع أسس بناء النهضة الحديثة المرجوة لهذه الأمة التائهة على مفترق الطرق فلنقف مع مضامين خطابه في مؤتمر العلاقات العربية التركية بالكويت مكتفين بوضع عناوين لمضامين هذا الخطاب النهضوي المتميز .
استقلال السياسة الخارجية :
في مفتتح خطابه أكد " أوردغان" أن القيادة السياسية التركية هي من تضع سياسة تركيا الخارجية قائلا: "بشأن سياستنا الخارجية نحن نعرف ما هي الأجندة التي نحملها ونحن الذين نضع سياستنا الخارجية ونحن نوجه سهامها إلى أين تتجه".
ضرورة والوحدة والاتحاد:
وقال أن "العرب إخوان لتركيا والأتراك إخوان للعرب وأننا لن ننسى حقيقة أن العرب والأتراك يشتركون في الدين والتاريخ والثقافة ولن ندير ظهرنا لهذا التاريخ أبدا لأنه تاريخ كتبناه وسجلناه مع بعضنا البعض في هذه المنطقة الجغرافية".
وأضاف "لنكن دقيقين نحن لا نتشارك في جغرافيا واحدة فقط و لم نتشارك في الخبز الجاف مع بعضنا البعض بل نحن وقفنا مع بعضنا البعض في كتف واحد ، نحن تشاركنا معا في قيم الشهادة والموت في سبيل الله أليس ذلك من مقتضيات الأخوة".
تناسى الخلافات يوحدنا :
واعترف أردوغان بحدوث بعض "الخلافات" بين العرب والأتراك قبل 100 عام كما حصل بعض "الضعف" في العلاقات العربية - التركية إلا أنه أكد أنه لا يمكن لهذه الأمور أن تخسرنا علاقة قرابة وعراقة حقيقية تستمر لأكثر من 1000 عام" مشيرا إلى "وجود الكثير ممن تضرروا من التقارب التركي - العربي كما أن هناك من حاول أن يدخل الفرقة فيما بين العرب والأتراك "
الاعتزاز بالإسلام في كل المحافل:
وانتقد أردوغان قيام البعض بشن حملة "الإسلام فوبيا" معتبرا أن الحملة "جريمة إنسانية" وأن تركيا قيدت هذا الأمر في المحافل الدولية. كما انتقد وصف البعض للإسلام بالإرهاب ومحاولة الجمع بين مفردتي الإسلام والإرهاب في جملة واحدة معتبرا هذا الأمر بأنه مشين وفيه إهانة كبيرة بالنسبة للمسلمين. وأوضح أن مفهوم كلمة السلم جاءت من الإسلام مشددا على أن الإسلام ينكر ويرفض الإرهاب بكافة صوره.
نملك المؤهلات وسنقدم النموذج للعالم :
وأكد فخامة الفتى الشجاع " أوردغان " في خطابه النهضوي للأمة من الكويت انه بإمكان هذه المنطقة أن تكون نموذجا لجميع العالم في جميع المناحي وأن هذه المنطقة تمتلك المؤهلات الحقيقة لذلك مضيفا "يوجد لدى شعوبنا ودولنا الكثير من الطاقة كما يوجد لدينا التراكم المعرفي الذي من خلاله نستطيع أن نقود هذه المنطقة وبإمكاننا أن نتجاوز كل مشاكلنا ومشاكل المنطقة".
حل المشاكل بترتيب البيت من الداخل:
وتابع "صدقوني من خلال التكاتف والتشاور بإمكاننا أن نحل مشكلة فلسطين ومشكلة العراق ومآسي أفغانستان وبإمكاننا أن ننهيها إلى الأبد ونحن لسنا بحاجة إلى أن نرجع إلى الآخرين نحن نستطيع أن نحل هذه المشاكل بأنفسنا مع بعضنا البعض إلا انه يجب أن نتحد ونتعاون مع بعضنا البعض لكي نتفق ونحقق أهدافنا كما بإمكاننا أن نعد شعوبنا بالرفاه بالتعاون المشترك مع بعضنا البعض".
وأكد أردوغان أن العرب والأتراك "ليسوا بحاجة إلى طرف ثالث لإصلاح علاقتنا وتطويرها" مشيرا إلى أن العرب والأتراك عاشوا مع بعضهم البعض أكثر من 600 سنة.
كما أكد أن تركيا تفتح قلبها على مصراعيه للعرب مضيفا "نحن نعلم أن النقاشات والاختلافات القديمة بنيت على الأكاذيب" داعيا الجميع إلى ترك هذا "التاريخ الكاذب".
وأضاف شعرنا بالألم عندما احتلّت الكويت وبذلنا جهدنا في تركيا حول هذا الأمر، وصدقوني نستطيع حل قضية المسلمين في فلسطين " بالاتحاد" والخلافات القديمة بنيت على تاريخ كاذب ورسالتنا لكم "ولا تفرقوا".
وأضاف الرئيس "أردوغان": الأتراك قبلوا بالدين الإسلامي منذ عهد سيدنا عمر بن الخطاب، وهذا ما أدي إلى العلاقة الوطيدة اليوم ونحن تشاركنا في الموت في سبيل الله ولن ينجح من يحاول أن يفسد هذه العلاقة .
التكامل الاقتصادي طريق الوحدة:
وقال " أوردغان" أن "تركيا تولي اهتماما كبيرا لعلاقاتها مع دول الجوار بما فيها الكويت وقطعت أشواطا كبيرة في تطوير هذه العلاقات مع سوريا والأردن ولبنان والسعودية.
وأضاف: " لا نريد أن نبقى دول متجاورة ومتقاطعة يجب أن نصل بالعلاقات بين دول المنطقة إلى أرقى المستويات".وذكر أن تعزيز العلاقات بين دول المنطقة يتطلب خطوات ملموسة في هذا المجال حيث أن بلدان المنطقة تمتلك الإمكانيات والقدرات إضافة إلى الروابط الأخوية التي تجمع فيما بينها لافتا إلى أن التحسن الكبير في علاقات تركيا مع دول المنطقة أزعج بعض الأطراف الدولية لاسيما أن التعاون المشترك بينها يحقق التنمية والاستقرار في المنطقة.
ضرورة نبذ فتنة التقسيم بكل أشكالها:
وأضاف "أردوغان" أن التقارب التركي العربي شهد العديد من التأويلات التي يجب عدم الوقوف عندها مؤكدا أن تركيا لن تسمح بالتقسيم أو الانفصال في هذه المنطقة على أساس قومي أو اثني أو إقليمي بل يجب العمل والتفكير بالمصالح التجارية التي تجمع دول المنطقة.
وتابع: "من الصحيح أن هناك اختلافا بين دول المنطقة باللغات إلا أن لغة القلب تجمعنا ولدينا عالم مشترك حيث إننا وقبل كل شي إخوة".وختاما : حسبنا من هذه المضامين النهضوية المتميزة أن تكون خير نبراس ودليل لقادتنا وندعوهم لأن يتعلموا من هذا الدرس "الاوردغانى" من الكويت ، "فرب همة أحيت أمة ".
في السياق : من أسس بناء النهضة :
في كل عصر تلتزم السياسة فيه بمبادئ الأخلاق، يكون عصر ازدهار ورخاء وسلام، وكل عصر تنفصل فيه السياسة عن الأخلاق، تشيع فيه الفتن وتقع الأزمات. ولا تسعد البلاد وتقوم نهضتها إلا بثلاث: دين يحكم ويقود ، وسياسة رشيدة تصون المبادئ وتقيم العدالة ، واقتصاد مزدهر.