مقالب ومؤامرات نساء الرسول صلى الله عليه وسلم
الغيرة
مقالب ومؤامرات
نساء الرسول صلى الله عليه وسلم
مريم سيد علي مبارك/الجزائر
قد يتوهم البعض أن الغيرة لا تكون إلا بين زوجتين فقط، والحقيقة أنها طبيعة في النساء، فقد تغار المرأة من امرأة توفيت أو تغار من الأقارب أو من الجيران أو من صديقة ناجحة في حياتها العملية أو حتى من امرأة تظهر على الشاشة لا تعرفها ولم تقابلها من قبل، تنتقدها نقدا غير موضوعي وتهمتها الوحيدة في ذلك أنها امرأة
حصدت الإعجاب والثناء..
المرأة عبارة عن كتلة إحساس، قلبها رقيق، مشاعرها جياشة وغيرتها قاتلة ...لذلك شبه النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالقوارير أي أن قلوبهن رقيقة كالزجاج وأوصى بالحنو والرفق عليهن فقال : "رفقا بالقوارير"
إن أجمل أنواع الغيرة غيرة الحب وأسوأ أنواع الغيرة غيرة الحقد أي ما يتمناه الحاسد من زوال النعمة على المحسود..
لذلك فإن الغيرة تعتبر قضية حيوية في فطرة المرأة تستحق التعمق في أبعادها وارتأيت أن أسلط الضوء عنها في أفضل بيت وهو بيت النبوة لنرى كيف كان سيد الناس وسيد الإحساس النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع هذه المواقف تارة بالابتسامة وتارة بالغضب وتارة بالعتاب..
الحب الكبير يولد الغيرة..هكذا كانت عائشة رضي الله عنها..
روى انس بن مالك رضي الله عنه قال : "كان الرسول صلى الله عليه و سلم في بيت عائشة وكان لديه بعض الضيوف دعاهم إلى تناول الطعام فسمعت زينب بنت جحش بذلك فأرسلت مع خادمتها صحفة فيها ثريد عليه ضلع شاة وهو الطعام الذي تعرف أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يفضله على سائر الأطعمة الأخرى .
و ما كادت عائشة ترى الصحفة في يد الخادمة حتى اشتعلت نار الغيرة في قلبها الطاهر العفيف وضربتها بيدها فوقعت الصحفة على الأرض و تناثر منها ما كان بها من طعام وانفلقت الصحفة و دخلت عائشة تبكي في غرفتها. أما الرسول الكريم الحليم صلى الله عليه و سلم فابتسم وقال لمدعويه : "غارت أمكم...غارت أمكم..."
ذات ليلة انتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نامت عائشة ثم خرج في هدوء إلى البقيع كي لا يوقظها، أخذت عائشة الغيرة وظننته ذهب إلى غيرها، فتسللت وراءه فوجدته قد قصد البقيع ولمحها مسرعة أمامه بالعودة وعرفها.
وكانت عائشة رضي الله عنها أيضا تغار من ذكر خديجة رضي الله عنها ولم ترها، وتصرح بذلك في صدق وطهارة بلا كبت ولا التواء وهاهي الفطرة القوية الصريحة تعبر عن نفسها قائلة : "ما كنت أغار من زوجة مثلما كنت أغار من خديجة، مع أنني لم أدركها لكثرة ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرها. وقالت مرة للرسول صلى الله عليه وسلم وقد رأته لا ينقطع عن ذكرها : "كأن لم تكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟؟"، وغضب النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة حين قالت له " ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، وقد أبدلك الله خيرا منها؟؟"، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم غاضبا : "والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد.." فقطعت عائشة رضي الله عنها وعدا على نفسها بألا تذكرها أبدا.
ولما أنزل الرسول صلى الله عليه وسلم صفية ببيت حارثة بن النعمان ذهبت عائشة متنقبة لتنظر إليها، فلمحها الرسول صلى الله عليه وسلم فتبعها وهي خارجة وأخذ بثوبها، وسألها ضاحكا : "كيف رأيت يا حميراء؟" فأجفلت وهزت كتفها استخفافا قائلة : "رأيت يهودية"، فرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم قائلا : "لا تقولي ذلك فإنها أسلمت وحسن إسلامها"
وذات يوم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة ووجدها تشكو صداعا، وتتوجع قائلة "وارأساه"، فقال لها : "بل أنا والله يا عائشة وارأساه"، وداعبها قائلا : "ما ضرك لو مت قبلي، فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك"، فهاجت غيرتها وقالت : "ليكن ذلك حظ غيري، والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك" فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي إحدى المرات عندما أعلنت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم على زينب بنت جحش غارت عائشة وقالت : "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ". ولما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة غارت عائشة أيضا لما علمت من جمالها تقول : "فتلطفت حتى رأيتها أضعاف مما وصفت به"
مؤامرات وحيل نسائية وراءها الغيرة
قامت عائشة رضي الله عنها بالتآمر مع سودة بنت زمعة ونساء أخريات على حفصة لغيرتها منها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد اعتاد أن يشرب عندها عسلا، وسأترك الإمام البخاري رحمه الله هو الذي يروي لنا هذه القصة وهذا الحديث الطريف كما ورد في كتاب "الحيل" من صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت :
"كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب الحلواء ويحب العسل وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله صلى الله عليه و سلم منه شربة فقلت أما والله لنحتالن له فذكرتُ ذلك لسودة وقلت لها إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له يا رسول الله أكلت مغافير؟؟ (نوع من العسل له رائحة كريهة) فإنه سيقول لا فقولي له ما هذه الريح؟؟ وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشتد عليه أن توجد منه الريح فإنه سيقول سقتني حفصة شربة عسل فقولي له جرست نحله العرفط وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة قلت تقول سودة والذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب فرقا منك فلما دنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت يا رسول الله أكلت مغافير ؟؟ قال ( لا ) . قلت فما هذه الريح ؟ قال ( سقتني حفصة شربة عسل) . قلت : جرست نحله العرفط فلما دخل علي قلت له مثل ذلك ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت له يا رسول الله ألا أسقيك منه ؟ قال ( لا حاجة لي به ) . قالت تقول سودة : سبحان الله لقد حرمناه قالت قلتُ لها "اسكتي"
هذه بتلك وواحدة بواحدة :
من ألطف ما قرأته عن غيرة حفصة من عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات اصطحب عائشة وحفصة، ولما رأت حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقترب كثيرا من هودج عائشة ويكلمها انتظرت فرصة ابتعاد الرسول عن هودج عائشة، ثم جاءتها وأسرت إليها بكلام فتضاحكتا، ثم استبدلتا ركوبهما (زعمت حفصة أن المقلب سيكون برسول الله غير أنه في الحقيقة مقلب بعائشة)، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هودج عائشة يكلمها وحفصة بداخله وعندما حط الركب في المساء وقصد الرسول الخباء وجد حفصة وقضى ليلته معها، وفات عائشة نصيبها ولامت نفسها..
مشاحنات النساء
قد يحسب البعض عند الحديث عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن بينهن ما يكون بين سائر النساء من مشاحنات وتبادل التهم والشتائم والغمز لكن ديننا هو أسهل ما يكون بعيد عن التعقيد أجمل ما يكون في كلمة طيبة.. وأبسط ما يكون لا يخرج عن حد الفطرة البشرية ولا هو خارج عن حد الاعتدال..وهذه القصة هي أكبر دليل إذ دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على صفية وهي تبكي فقال لها : "ما يبكيك؟" فقالت : "حفصة قالت : "إني ابنة يهودي"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنك لابنة نبي وإن عمك لنبي وإنك لتحت نبي"، ففيم تفخر عليك؟"، وفي رواية قولي لها : "زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى"، وهكذا تتغلب حكمة الرسول على ما يحدث بين الزوجات أو بين النساء بصفة عامة، وقالت جويرية ذات يوم للنبي : "إن نساءك يفخرن علي"، فقال لها : "أولم أعظم صداقك، ألم أعتق كل أسير من بني المصطلق؟". ومن لطيف إجابته صلى الله عليه وسلم أن فاطمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالته عائشة رضي الله عنها، فقد قالت لها مرة : "إن رسول الله تزوجني بكرا وتزوج أمك ثيبا"، فذكرت فاطمة رضي الله عنها باكية لأبيها ما قالته عائشة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قولي لها :" إن أبي تزوج أمي وهو بكر ولم يتزوج قبلها".
غيرة حتى على فراش الموت
لما اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم حول فراشه في مرضه الذي مات فيه قالت صفية : "إني والله يا نبي الله وددت أن الذي بك بي"، فتبادلن نظرات ذات معنى، فقال لهن الرسول صلى الله عليه وسلم "مضمضن"، فتساءلن في دهشة من أي شيء؟؟، فقال "من تغامزكن والله إنها لصادقة".
لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الغيرة بين نساء النبي لا تصل إلى حد الحقد والضغائن ولا إلى حد الظلم والجور، فعند احتضار أم حبيبة رضي الله عنها دعت عائشة وقالت لها : "قد كاد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فتحلليني من ذلك، فحللتها عائشة واستغفرت لها، فتهلل وجهها وقالت : سررتني سرك الله، وكذلك فعلت مع أم سلمة رضي الله عنهن جميعا.