أسئلة على السَّفود

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

شهد تراثنا الفكري والأدبي أشهر المعارك الأدبية التي حميَ فيها الوطيس واشتدّ فيها الأُوار، بين عملاق البيان العربي الأستاذ مصطفى صادق الرافعي والأديب الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد، فقد كتب الرافعي في نقده مجموعة مقالات دامغة بعنوان: "على السَّفّود" أصلاه بها ناراً حامية ، وهذا ليس موضوع هذا المقال ولكنه شاهد واستلهام ومدخل فلقد وضعت لمقالي هذا عنوانا استلهمت فيه لفظا تراثيا هو "السفود" و السَّفود في اللغة: هو الحديدة يشوى بها اللحم، ويسميها العامة: (السيخ) ويُجمع السَّفود على سفافيد، ومن تناوله السَّفود يقال فيه: مُسَّفد، لأن تسفيد اللحم نظمه في تلك الحديدة للاشتواء.

أسئلتي ...إذا كنا ..فلماذا لا..؟!!

السؤال مفتاح العلم ، وسبيل المعرفة ،به تكشف الأسرار ،ويزال الجهل ويرشد الحائر، ولطالما عصفت برأسي عشرات الأسئلة ولم أجد لها جوابا ،واليوم أطرحها زفرة واحدة وأسوق بعضها في مقتبل هذا العام الجديد بحثا عن الإجابة،ولتكن بمثابة كشف حسابي لأمتي في نهاية عام وبدء جديد..وكما يقولون"دواء العي السؤال"

·       إذا كنا نحبّ السرور في الحياة فلماذا لا نهتم بصحتنا، وإذا كنا نحبّ السعادة في الحياة فلماذا لانعتنيِ بأخلاقنا، وإذا كنا نحبّ الخلود في الحياة فلما لا نصون عقولنا، وإذا كنا نحبّ ذلك كله فماذا لا نعتني بديننا.

·       إذا كنا نعلم أن الناس إذا أحبوا إنساناً كتموا عيوبه ونشروا حسناته، فكيف لا ينشر المؤمنون فضائل رسولهم وليست له عيوب؟

·       إذا كنا نعلم أن الله عز وجل إذا أمدنا بالنعم ونحن على معاصيه فهذا استدراج، وإذا كنا ندرك أنه يسترنا دائما ولم يفضحنا لأنه أراد منا الإسراع في العودة إليه فلماذا لا نعود إليه ونتوب ؟!

·       إذا كنا نريد أن نعيش أحرارا في أوطاننا ننعم بالحرية ونشعر بالكرامة فلماذا نترك بعضنا يتسلط على بعض فنرى من أبناء جلدتنا من يدوس على كرامتنا ويسرق أقواتنا ويعصف بأمننا ؟!

·       إذا كنا نحلم بمستقبل أفضل من وواقعنا البائس فلماذا ننظر تحت أقدامنا ونطأطئ رؤوسنا لكل من يريد أن يتحكم فينا ؟!

·       إذا كنا نعلم علم اليقين أن الأرزاق بيد الله عز وجل يقدرها ويصرفها و الآجال يمسكها ويقبضها كيف يشاء فلماذا نجبن في مواجهة الطغاة والظالمين ؟!

·       إذا كنا نرى المنكر ونعلمه .. ونشاهد الانفلات الأخلاقي ونسكت عليه فلماذا نشكو فساد الشباب وقلة الحياء وكثرة التحرش بالنساء ؟! 

·       إذا كنا نكتفي بالصمت والشجب والإدانة عندما تستباح حرمات المسلمين ومقدساتهم في كل مكان فلماذا نتعجب من تمادى أعدائنا في العدوان ؟!

·       إذا كنا نعلم أن الفتنة نائمة ولعن الله من أيقظها فلماذا نترك الرويبضات يتحدثون في أمور العامة ويشعلون فتيل الفتنة الطائفية والقبلية والمذهبية والعرقية في دولنا العربية والإسلامية ؟!

·       إذا كنا نتجرع الغصة ليلا ونهارا من انحراف الشباب وفساد العامة وظلم الساسة وضعف العلماء وقلة الحياء فلماذا لا نحسن تربية الأجيال حتى يتبدل هذا الحال ؟!

·       إذا كنا لا نتعلم من الماضي ودروسه ولا نجيد قراءة الحاضر ومعطياته ولا نستشرف المستقبل وآفاقه فلماذا نستنكر واقعنا المؤلم ونتذمر من تخلفنا وتفاقم خيبتنا بين الأمم ؟!

·       إذا كنا نعلم علم اليقين أن الأمم لا تنهض بالإلهاء وكثرة الراقصات والخمرات وتخنث المطربين وانتشار الدجالين فلماذا نصفق لهم ونغدق عليهم أموالنا ليحصدوا الملايين ويفسدوا الأجيال؟!

·       إذا كنا نعلم أن العلم سلاح الأمم الناهضة وأن الإبداع يصنع الحضارة وأن الأفكار تبنى الأمم فلماذا نستبدل شرف العلم بظلمة الجهل ونهمل عقولنا ليصفق فيها الهواء كالبيوت الخواء ولماذا نعطل عقولنا عن التفكير ونحرم أنفسنا من العلم وهو لنا كالهواء والماء؟!

·       إذا كنا نرى الفساد يتبختر في مرابعنا ويستحل مواردنا وينهب مقدراتنا فلماذا لاندك معاقله ونفضح رموزه ومؤسساته في كل ميدان ونبرأ إلي الله من فسادهم ونقدم صورة للشرفاء بتحري وامتثال النزاهة والأمانة في كل المعاملات ؟!!

·       إذا كانت الشعوب العربية مستلذة بواقعها المزري على كل المستويات فلماذا نشكو من الفقر والجهل والمرض والبطالة ؟!

·       إذا كانت الأنظمة العربية الرسمية قد خاصمت شعوبها وتواطأت مع عدو الأمة حتى أحكم عليها الخناق باسم التطبيع والمعاهدات والعلاقات الدولية والتحالفات فلماذا لا تنتفض الشعوب ولو لمرة واحدة لتسقط ضرورات الحكومات وتعلى خياراتها وتنهض لتغير هذا الواقع المرير وتفك أسرها من هذا الخناق ؟!

 هذه الأسئلة العظام ومثلها العشرات ككشف حساب لأنفسنا أولا وأضعها بين يدي أبناء أمتي ولأنظمتها وحكوماتها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية وقادتها وعلمائها وشعوبها أفرادا وجماعات في بداية هذا العام الجديد فقد يخرج من رحم هذه الأسئلة سؤالا يزمجر في فضاء هذه الأمة وآفاقها فيبلغ المدى فيجد جوابا شافيا ويصنع واقعا جديدا مخالفا لما نعيش عليه فربَّ صرخة تذهب اليوم هباءً، تكون في المستقبل القريب عاصفة وبناءً.!!