ثم بعد هذا تتحدثون عن العقوق
لبنى شرف / الأردن
يتساءل كثير من الآباء والأمهات: لماذا ولدنا لا يجلس ويتحدث معنا؟ لماذا لا يرغب برؤيتنا؟ لماذا هذا الجفاء في تواصله معنا؟ لماذا هذا العقوق؟
قبل أن تتهموا ولدكم بالعقوق، أريد منكم أن تسألوا أنفسكم: ماذا قدمتم لأولادكم؟ وماذا أعطيتموهم حتى يعطوكم؟ وكيف وعلى ماذا ربيتموهم؟ فأنتم الآن تجنون وتحصدون ما زرعتم، وهذا نتاج غرسكم، وكما أن لكم حقوقاً على الولد، للولد أيضاً حقوقٌ على والديه، فهل أعطيتم أولادكم حقوقهم ابتداءً قبل أن تطالبوا بحقوقكم؟ وهل قمتم بمسئوليتكم تجاههم؟ فالأمر ليس إنجاباً وتباهياً بعدد الأولاد، وإنما هناك تربية وتنشئة ورعاية لهذا الولد ستُسألون عنها، وكل من يتزوج يجب أن يتحمل مسئوليته تجاه أولاده، وإلا فلا يلومن إلا نفسه.
تتحدثون عن عقوق أولادكم وأنتم من استدرجهم إلى هذا العقوق، بالإساءة إليهم، وهضم حقوقهم أو الانتقاص منها، تطلبون منهم أن يبروكم وأنتم لم تبروهم ولم تحسنوا إليهم ولم تعينوهم على بركم، تبحثون عن راحتكم وسعادتكم، ولو شقي أولادكم، تطلبون ما لكم ولا تؤدون ما عليكم.
هذا –للأسف- حال كثير من الآباء والأمهات مع أولادهم، والتربية السليمة والدفء الأسري مفقود في كثير من البيوت، وجسر التواصل الحميم منعدم بينهم، فلا حوار، ولا تبادل للمشاعر بين الوالدين والأولاد، ولا صداقة، ولا كلمة لطيفة أو معاملة شفيقة، ولا نظرة حب أو لمسة حنان أو احتضان، وهذا الفقر أو الحرمان العاطفي الوجداني –كما ذكر الأخصائيون النفسيون- يترك آثاراً سيئة وخطيرة بعيدة المدى على نمو الطفل، جسمياً وعقلياً وعاطفياً واجتماعياً.
وكذلك سوء المعاملة، من إهانة وتحقير وشتم وضرب وقسوة وعدم احترام، من شأنها أن تؤدي إلى العدوانية والانطوائية وعدم الثقة بالنفس.
وحتى فساد الأولاد في دينهم في كثير من الأحيان يكون بسبب الوالدين، كما ذكر ابن القيم: (وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً).
إن الولد حتى يكون إنساناً سويّاً وينمو نمواً سليماً، يحتاج أن يربو في بيئة وجوٍّ صحيٍّ، وأنتم أجرمتم في حق أولادكم، فاستخرجتم أسوأ ما لديهم، ثم بعد هذا تتحدثون عن العقوق!!.