لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء 27
النداء السابع والعشرون
لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء
رضوان سلمان حمدان
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً﴾] النساء 144[
إن حاجة المسلمين اليوم ماسة إلى أن يعودوا إلى دينهم، وأن يقووا أخوتهم ويحققوا الموالاة فيما بينهم فيقوي بعضهم بعضاً وينصر بعضهم بعضاً ويتراحمون ويتحابون ويكونون أمة واحدة كما يريد الله، لا بد من التحقق بذلك، مع كراهية ومعاداة أعداء الله، فإن هذا الأمر من عقائد الإسلام ومعاقده التي لا يجوز لمسلم أن يتساهل بها أو يفرط فيها.. فها نحن نرى بأم أعيننا أن قوى الكفر والظلم والطغيان قد تداعت علينا من كل حدب وصوب، وتنادى الجميع للقضاء على هذا الدين عبر وسائل مختلفة، ولن يقف في وجه هذه الحرب الصليبية اليهودية الوثنية، المتواطئة مع المرتدين والمنافقين سوى اتحاد المسلمين وتلاحمهم صفاً واحداً كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف:4].
هداية وتدير[1]
1. ﴿لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾. ]آل عمران – 28[
﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾. ]النساء – 139[
2. هذا نهي عن موالاة الكفرة، يعني مصاحبتهم، ومصادقتهم، ومناصحتهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى: ﴿لاّ يَتّخِذِ المؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ المؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍٍ إِلاّ أَن تَتّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ﴾ [ آل عِمْرَان : 28 ].
3. الموالاة الممنوعة: الاستنصار بهم والتعاون معهم والاستعانة بهم لقرابة أو محبة، مع اعتقاد بطلان دينهم لأن الموالاة قد تجرّ إلى استحسان طريقتهم، والموالاة بمعنى الرّضا بكفرهم كفر، لأن الرّضا بالكفر كفر. أما الموالاة بمعنى المعاشرة الجميلة في الدّنيا بحسب الظاهر، مع عدم الرّضا عن حالهم، فليس ممنوعًا منه.
4. من يوالي الكافرين من غير المؤمنين أي يتجاوز المؤمنين إلى الكفار، كأن يكون جاسوسًا للكفار، فليس من دين اللّه ولا من حزبه أو من ولاية اللّه في شيء، أي يكون بينه وبين اللّه غاية البعد، ويطرد من رحمته، ويكون منهم، ولا يكون مطيعًا لدينه، كما قال: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾.
5. لا تمنع هاتان الآيتان وأمثالهما التّحالف أو الاتّفاق بين المسلمين وغيرهم، إن كان التّحالف أو الاتّفاق لمصلحة غير المسلمين[2] لأن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان محالفًا خزاعة، وهم على شركهم.
6. دلّت الآية على تحريم الاطمئنان إلى الكفار أو الثقة بهم والرّكون إليهم في أمر عام، والتّجسس لهم، واطّلاعهم على أسرار المسلمين الخاصة بمصلحة الدّين، واتّخاذهم أولياء
وأنصارًا في شيء تقدّم فيه مصلحتهم على مصلحة المؤمنين، كما فعل حاطب بن أبي بلتعة[3] لأن فيه إعانة للكفر على الإيمان.
7. في الآية دليل على أنه لا يجوز الاستعانة بالكفار في الحرب، وإليه ذهب بعض المالكية، ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما رواه مسلم عن عائشة- لرجل تبعه يوم بدر: «ارجع فلن أستعين بمشرك»، ولأنه لا يؤمَن غدرهم، إذ العداوة الدينية تحملهم على الغدر إلا عند الاضطرار.. وأجاز الأكثرون من أتباع المذاهب الأربعة الاستعانة بالكافر على الكفار، إذا كان الكافر حسن الرأي بالمسلمين، وقيّد الشافعية ذلك أيضًا بالحاجة لأن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما رواه مسلم- استعان بصفوان بن أمية يوم حنين لحرب هوازن، وتعاونت خزاعة مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عام فتح مكة، وخرج قزمان- وهو من المنافقين- مع الصحابة يوم أحد، وهو مشرك. وأما حديث «ارجع فلن أستعين بمشرك» فهو منسوخ بدليل استعانته صلّى اللّه عليه وسلّم بيهود قينقاع وقسمه لهم من الغنيمة.
8. الاستفهام للإنكار والتوبيخ والتقريع إن وقع هذا منهم، وهو يتضمن التهديد لهم بتسليط مقت الله عليهم إن فعلوا فهو استفهام يتضمن إنكارًا للوقوع، أى لا يقع منهم، ولا يصح أن يقع، ويتضمن التحذير والإنذار.
.........................................
المعاني المفردة[4]
أَوْلِيَاء: الولاية النصرة، والانتماء، والمحبة، والتبعية.
سُلْطَاناً: السلطان الحجة الظاهرة. قال ابن عباس: كل سلطان في القرآن فهو حجة.
مُّبِيناً: الْبَيِّنِ فِي نَفْسِهِ، وَالْمُبَيِّنِ لِغَيْرِهِ.
الإعـراب[5]
(لا) ناهية جازمة (تتخذوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون ... والواو فاعل (الكافرين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء (أولياء) مفعول به ثان منصوب (من دون) جار ومجرور متعلق "بأولياء"، (المؤمنين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء (الهمزة) للاستفهام الإنكاري (تريدون) مضارع مرفوع ... والواو فاعل (أن) حرف مصدري ونصب (تجعلوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون ... والواو فاعل. والمصدر المؤول (أن تجعلوا) في محل نصب مفعول به عامله تريدون. (للّه) جار ومجرور متعلق بمحذوف مفعول به ثان لفعل تجعلوا (على) حرف جر و(كم) ضمير في محل جر متعلق بمحذوف حال من (سلطاناً) - نعت تقدم على المنعوت - (سلطاناً) مفعول به منصوب (مبيناً) نعت منصوب. جملة النداء " أيها الذين ... " لا محل لها استئنافية. وجملة " آمنوا " لا محل له صلة الموصول (الذين). وجملة " لا تتخذوا " لا محل لها جواب النداء. وجملة " تريدون ... " لا محل لها استئناف بياني. وجملة " تجعلوا ... " لا محل لها صلة الموصول الحرفي (أن).
[1] . (1) محاسن التأويل. (2-6) التفسير المنير. (7) زهرة التفاسير. صفوة التفاسير.
[2] . ولكن لا بد أن يكون للمسلمين فيه مصلحة ما .. تحسبها القيادة وقد ظهرت المصلحة لاحقًا.
[3] . وقصة حاطب المسندة في الصحيحين وغيرهما ملخصها: «أن حاطباً كتب كتابا لقريش يخبرهم فيه باستعداد النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم للزّحف على مكة، إذ كان يتجهّز لفتحها، وكان يكتم ذلك، ليبغت قريشاً على غير استعداد منها، فتضطر إلى قبول الصلح- وما كان يريد حربًا- وأرسل حاطب كتابه مع جارية وضعته في عقاص شعرها، فأعلم اللّه نبيّه بذلك، فأرسل في أثرها عليّا والزّبير والمقداد، وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها، فلما أتي به، قال: يا حاطب ما هذا؟ فقال: يا رسول اللّه، لا تعجل عليّ! إنّي كنت حليفاً لقريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت أن أتّخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: «أما إنه قد صدقكم»، واستأذن عمر النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قتله فلم يأذن له، قالوا: وفي ذلك نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ [الممتحنة 60/ 1]. أي أن آية: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ .. لم تنزل في قصة حاطب، وإنما هذه الآية وما نزل في قصة حاطب يشتركان في النهي عن موالاة الكافرين.
[4] . زاد المسير في علم التفسير. صفوة التفاسير. تفسير المنار.
[5] . الحَاوِى فى تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ.